ثورة ضد اوباما!
الحياة الجديدة- صبري صيدم
أن يقدم مجموعة من الأعضاء الجمهوريين على دعوة رئيس حكومة الاحتلال لإلقاء خطاب أمام الكونغرس الأميركي وبعكس إرادة الرئيس الأميركي ذاته وأركان إدارته والعديد من أعضاء حزبه وبعض قيادات الجاليات اليهودية في أميركا فهذا أمر مستغرب.
وأن يصر ذات الأعضاء على الخطاب ضاربين بعرض الحائط كل الدعوات التي انطلقت لثني نتنياهو عن الخطاب فهذا أمر أكثر غرابة. لكن أن يقدم ذات الأعضاء من جديد على كتابة رسالة لإيران التي تناولها “ضيفهم” في خطابه وجعلها مركز الكون الشيطاني يعلمونها بموجبها بأن أي اتفاق تبرمه أميركا مع إيران سيكون بمثابة اتفاق ما بين إيران وأوباما وليس اتفاقا مع الكونجرس فهذه قمة الثورة في وجه إدارة أوباما.
الرسالة الشهيرة هذه خرقت كل الأعراف السياسية السائدة في الولايات المتحدة الأميركية وشكلت سابقة غير معروفة في معجم العلاقات الأميركية الدولية، إذ انها قد طوعت إرادة الكونجرس لصالح إرادة زعيم دولة أخرى وتساوقت مع نزعاته العدائية لأي اتفاق يبرم مع إيران.
نتنياهو الذي حاول تجميل خطابه بكلمات المديح والإطراء لأوباما في خطابه الذي أثار حنق أوباما ذاته، لم يتردد في إكالة المزيد من الصفعات لرجل البيت الأبيض وفي عقر داره هذه المرة وذلك بتأليب الكونجرس لخدمة مسعاه في الإطاحة بأي اتفاق قد تبرمه الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها مع إيران.
نتنياهو المستميت للعودة إلى تشكيل الحكومة الصهيونية القادمة يحاول بشتى السبل التأكيد ضمنا على أنه ليس ملكا على إسرائيل فحسب بل ملكا مسيدا على أميركا أيضا، تماما كما همس شارون ذات يوم في أذن أحدهم قائلا: كل مرة تقول لي أميركا ستغضب من هذا وسترفض ذاك، عليك أن تعلم بأننا نحن من يحكم أميركا!
أوباما المثقل بالخشية من اللوبي الصهيوني في أميركا حاول مرارا الهجوم إلى الأمام مستخدما أكثر العبارات دبلوماسية ومحاولا استمالة مستمعيه وخصومه ضد نتنياهو وحفظ ماء وجهه وتدارك ما يمكن تداركه من جراحاته الدبلوماسية التي استحدثها نتنياهو، ومعالجة حالة التنكيل السياسي الذي تسبب به حاكم تل أبيب.
طموح هذا الحاكم لا يعرف الحدود ولا يحترم أعراف السياسة ولا يكترث لتمنع الآخرين ولا يهتم بمن يعارضونه ولا ينشغل بأنداده ممن يودون لو حظوا بذات الخطاب في الكونجرس أمام مئة مليون مشاهد و350 محطة فضائية وأكثر من 10آلاف صفحة من صفحات الإعلام الاجتماعي وثلاثة ملايين تغريدة آنية على موقع تويتر الشهير تناولت خطابه، ناهيكم عن مئات المقالات التي مدحت الزيارة وتلك التي انتقدتها وسطحتها.
لذا فإن نتنياهو لم يصنع التاريخ بعناده لرأس الهرم في الولايات المتحدة الأميركية فحسب بل صنع التاريخ في تحديه له وفي تأليب أعضاء آلته التشريعية (الكونجرس) ضده. كما أنه لم يقف عند حد إكالة اللكمات الدبلوماسية بل دخل على حيز الفضيحة فأشار ضمنا إلى مساعدات أميركا المعلنة لإسرائيل ومساعداتها غير المعلنة والتي قال بأنه لا يستطيع الإفصاح عنها، بصورة أراد فيها أن يقول للعالم بأن من يعارضني على الملأ هو ذاته الذي يقدم لي خدماته "الجليلة" في المجالات العسكرية والأمنية والاستخباراتية.
أما اعتقاد البعض بأن الأمر لا يتعدى كونه مسرحية مفبركة فهذه المسرحية تعيسة الإخراج بالنسبة لأوباما و"عظيمة" الإخراج بالنسبة لنتنياهو الذي ما زال وحتى طباعة هذه الكلمات يحظى بقناعة الكثيرين في مجتمعه بأنه رجل إسرائيل الأقوى، والذي لن يقف أمام جبروته أحد لا من اليسار ولا اليمين المتطرف.
"ثورة ضد الرئيس" هو عنوان المشهد الدرامي الذي يديره حاكم تل أبيب ضد أوباما بشكل يصل إلى حدود التسخيف والاستهزاء والتطاول والتقزيم وبصورة تدفع الناخب الأميركي للقناعة بأن مدرسة أوباما لا يمكن أن تتكرر. وسواء نجح نتنياهو أم فشل في مسعاه فإن الرئيس الأميركي المثخن بجراحات الإيذاء الصهيوني سيحتاج إلى مال قارون لتلميع صورته والتأكيد على أنه الحاكم الفعلي للبيت الأبيض! معركة ربما تبدو وكأنها الأقرب لطحن الماء!
s.saidam@gmail.com