يفاجأ من يزور مصر، في هذه الأثناء، أن معظم الرأي العام الشعبي يظهر نفورا من الفلسطينيين، وهذه هي حقيقة مؤسفة لا مراء فيها، إذ يلمسها كل زائر أو عابر. ويتبدى النفور أكثر وضوحا لدى احتكاك الفلسطيني بأي موضع من الجهاز البيروقراطي للدولة. ويصادف الفلسطيني أحيانا، من ينصحة من مصريي الشريحة المسيسة، التي أيدت حركة الجيش بدعم من الشعب، بعدم التأخر ليلا وعدم الاقتراب من البؤر ذات الكثافة الأمنية، لكي لا يساء فهم تأخره أو اقترابه، سواء من الأهالي أو من عناصر الشرطة المتأثرين بهذا المنحى للرأي العام!
وعلى الرغم من كون هذه الحقيقة تبعث على الأسف؛ إلا أنها تدل ضمنياً على ثلاثة معان، ينكرها "الإخوان" والمتعاطفون معهم. الأول أن الدولة ومؤسسة القوات المسلحة، قد ربحت الرأي العام الشعبي، والثاني أن المشاعر الجديدة حيال الفلسطينيين معطوفة على مشاعر أكثر نفورا من "الإخوان" الذين يراهم هذا الرأي العام، مسؤولين عن الإرهاب الذي ما زال يضرب في البلاد، ويوحد الغالبية العظمى من المصريين لمؤازرة الجيش والأمن في حربهما عليه لاجتثاثه. أما المعنى الثالث، فهو يتعلق بالموجة الإعلامية التي اعتلتها عناصر من المدرسة نفسها التي غطت إعلاميا عملية الصلح المنفرد و"كامب ديفيد" وشطحت وأرغت وأزبدت في ذم الشعب الفلسطيني وفي تدبيج الحجج للتنصل من قضيته. وهذه عناصر ليست من جنس قوى التغيير الوطنية الراهنة، التي تريد إعادة الاعتبار للعدالة الاجتماعية وللبعد العربي وأن تؤسس للديمقراطية!
واللافت المحزن، أن عناصر المدرسة المتخففة من أية مدركات سياسية منطقية ومن أي التزام يتعلق بدور مصر في الإقليم أو على الصعيد العربي؛ هي التي طغت، لأن وسائلها التعبيرية الساذجة والمنفلتة، هي الأكثر شيوعا واجتذابا للبسطاء. أما الشرائح المسيسة، التي ناضلت من أجل عودة مصر الى ريادتها وتمسكت بخطابها القومي وبقناعاتها حول القضية الفلسطينية؛ فقد أظهرت ضعفا وانكفاء حتى انها لم تعد تقوى على التنظير أو النطق المضاد. فهي أولا وأخيرا تلتمس لنفسها خطابا متماشيا مع سليقة البسطاء فلا يثقل عليهم بتنظيرات مضادة لهذه الموجة النافرة من الشعب الفلسطيني. وترتسم المفارقة، حينما يستمع الفلسطيني الطبيعي، الى عبارة جارحة، فيها امتعاض من وجوده في مصر أو مروره منها، بينما هو - حكما - لا يؤيد قيام نظام "إخواني" لا في فلسطين ولا مصر، ويشعر بالارتياح لخطوة الجيش وقد أسعدته ملايين المصريين، التي خرجت يوم 30 حزيران (يونيو) للمطالبة برحيل حكم "الإخوان".
لا حاجة في هذا السياق، لشرح جوانب التقصير الفلسطيني المسبق ثم اللاحق، على صعيد التواصل مع الإعلام المصري الخاص، تلافيا لأن تنحدر الأمور الى هذا المستوى كلما وقعت أحداث كبرى. ومن أكثر المفارقات مرارة، أن الفلسطيني تحديدا، في واقع موقفه ومشاعره، لا يمكن أن يتقبل مساسا بأرواح الأشقاء المصريين أو هدرا لدمائهم التي اختلطت بالدم الفلسطيني في معارك الشرف. فعناصر المدرسة المناوئة للفلسطينيين بالجملة، لا تعبر في الواقع عن مواقف رجال الدولة والقائمين على الأمر في هذه المرحلة. فهي مسكونة بالنزعة نفسها التي وجدت طريقها الى افتتاحيات الصحف القومية في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات. والغريب أن طيف الزعيم جمال عبد الناصر الذي هوجم بسفاهة في تلك الفترة، كان مرفقا في لغة هؤلاء بالهجوم على الفلسطينيين. أما عند استدعاء طيف الرجل نفسه بالمديح، في هذه الأثناء، فإنه يرفق بالموقف المناوئ لجماعة "الإخوان"، ويخصم عند استدعاء هذا الطيف، موقف جمال عبد الناصر من الشعب الفلسطيني وقضيته، ولا استذكار لمناقبه على هذا الصعيد ولا لمشاعره!
في الأسبوع الأول من كانون الثاني (يناير) 2013 خرج نحو 80% من الشعب الفلسطيني في غزة للاحتفال بذكرى انطلاقة "فتح". ونحو 90% من الرأي العام الفلسطيني بات يعارض حكم "الإخوان" وهذه حقيقة تعلمها "حماس" جيدا، ونتمنى أن يعرف الرأي العام المصري مغزاها، وهو أن الفلسطينيين حلفاء طبيعيون للدولة الوطنية في مصر، ومعارضون للحكم "الإخواني" فيها. لذا، عندما يعامل الفلسطينيون بطريقة مختلفة، ويغلق معبر رفح (وهو منفذهم الوحيد) في وجوههم؛ فإن الإجراء العقابي يطال الحلفاء الطبيعيين لمصر، وهذه نقطة أسمعتها لإخوة وأصدقاء مصريين. ومع كل الاعتراض على الغباء الإعلامي الذي تبديه "حماس" حيال التطورات في مصر ارتهاناً منها لجماعة "الإخوان" فإننا نستغرب هذا التضخيم لدورها على النحو الذي يجعلها في منطق الإعلام المصري الخاص، قوة عظمى تؤثر عميقا في المشهد المصري!
adlishaban@hotmail.com