الخارجون على القانون
الحياة الجديدة- عدلي صادق
لا نميل الى التعسف في الحكم على الخارجين على القانون، علما بان معنى ان يخرج فلسطينيون على القانون، وان يمارسوا اعمالا من شأنها تعكير المناخ الوطني العام؛ هو ان هؤلاء يتعسفون مع شعبهم ويسهمون في تعقيد اوضاعه الامنية والاجتماعية والمعيشية، في مرحلة فلسطينية عسيرة!
الاصل في الممارسة الوطنية في الحياة اليومية، ان يأتي الانسان على نفسه، حتى وان كان ذا شكاية، لكي يلتقط المجتمع الفلسطيني انفاسه في مناخ ملائم. اما ان يستغل الضغوط التي يتعرض لها شعبنا من كل جانب، لكي يضعط هو بفوضاه وبخروجه على القانون، فان علامة استفهام، ان لم نرسمها نحن، سترتسم موضوعيا وعلى السنة الناس، ولن تشطبها اية اعتبارات او ذرائع او شروحات ممزوجة بمعاني النضال والمقاومة. فللنضال والمقاومة، مفهوم شامل، يقوم على فكرة الانحياز للشعب الفلسطيني وحقوقه ومصالحه كافة. ولا يتأسس نضال، من افعال تبدأ بالنيل من حق الناس في الامان والوئام. ولن تنشأ شرارة مقاومة، من فوضى، لان المقاومة فعل نوعي، يراعي اول ما يراعي، سلامة بُنية المجتمع والعلاقات الاهلية، لكي تنبثق عنه شريحة للمقاومة بالشكل المتاح، تتسم بالمناقبية والنُبل. اما الاستعراض واوهام العنفوان، في الشوارع الخلفية والازقة، وبين ناسنا واهلنا، فيما نحن جميعا في حال ضعف وشقاء؛ فانها تشكل ظاهرة مرضية تُحسب علينا ذميمة تطال صدقية جدارتنا في الحرية والاستقلال. بخلاف ذلك، يمثل الخروج على القانون، في الممارسات الجنائية، او تلك التي تغذي حالات افتئات او تموضع لبؤر تستهدف السلطة والكيانية الفلسطينية؛ شكلا من الاعمال الرديفة للتعديات الاحتلالية. فمن ينتسب الى شعب ومجتمع، يحرص على السلام الاجتماعي لشعبه، بالقدر الذي يتمناه لنفسه، ولا بد للانسان الوطني من ان يكره الفوضى مثلما يكره الموت، حسب قول مأثور لعالم الاجتماع السياسي توماس هوبز.
لقد مرّ علينا ما يكفي ويزيد، من الدروس والعبر التي تجعلنا نرفض اي شكل من اشكال التمظهر المسلح، مهما كانت ذرائعه، لانه اولا واخيرا جلاب خراب وموت دونما طائل. وعندما تتلكأ السلطة في الاجهاز على اية ظاهرة من هذا النوع، تكون فاقدة لاهم وظائفها الوطنية، لان الكفاح المسلح لا يؤتى بغير شروطه وظروفه المواتية وحساباته. وقد علمتنا التجارب، ان الفصائل والحركات، ذات الانساق العسكرية والحضور الوازن في المجتمع، تخسر ويخسر المجتمع معها، ان انفردت بقرار المواجهة العسكرية. فالمقاومة حق من حيث المبدا، لكن التوافق على هذا الحق، لا يعني الذهاب فورا الى السلاح، تحت عنوان انتزاعه، بينما الذي سيُنتزع في المحصلة، هو استقرار الناس ومقدراتها وما تبقى من حرية حركتها وتنقلها. ولا علاقة لهذا الكلام بالانهزامية، وانما علاقته هي بواجب تلافي الهزيمة والحرص على دعم ركائز المجتمع وثقافة العداء للاحتلال والنهوض باشكال اخرى من المقاومة المتاحة التي تحتاج الى الحماسة الشعبية. ان مجرد وجود الفلسطينيين متماسكون، وممتنعون على المشروع الصهيوني، هو بحد ذاته شكل مهم من المقاومة بالمعيار التاريخي، وعندما يصبح هذا قانونا يلائم ظروفنا، فان الخارجين عليه، يصبحون خارجين على القانون، على النحو الذي يضرب الفلسطينيين في القلب، ويزيد معاناتهم بينما هم يتعرضون لضغوط من كل جانب!