مبروك كبيرة لمصر
عمر حلمي الغول
كنت اتمنى لو ان القائمين على مشروع قناة السويس الجديدة، أنجزوا مشروعهم في الـ23 من تموز الماضي ليترافق مع ذكرى الثورة الام، التي قادها الزعيم الخالد جمال عبد الناصر. لكن ليس كل ما يتمنى المرء يدركه، اضف إلى ان اي إنجاز لمصر في عهد ثورة يونيو 2013، بغض النظر عن التاريخ، يعتبر إضافة نوعية لمكانة ودور مصر الريادي على الصعد المختلفة.
اخيرا بات الحلم حقيقة. في الخامس من آب/ أغسطس 2015 تم افتتاح مشروع توسعة وتعميق قناة السويس بما مقداره 72 كيلومترا بين القناة الموازية وطولها 35 كيلومتر حفر جاف و37 كيلومتر توسعة وتعميق للقناة الاصلية، التي يبلغ طولها 190 كيلو مترا. المشروع الاضخم والاهم بعد مشروع السد العالي.
اهمية المشروع العظيم لا تقتصر على الممر التجاري المجرد على اهميته العالمية، لاسيما ان قناة السويس تعتبر من اهم المشاريع المائية الصناعية في العالم، لانها تربط بين البحرين المتوسط والاحمر، وطريق تجارة عالمي يربط بين القارات الخمس: افريقيا واسيا واوروبا والاميركيتين، بل يتمثل في الابعاد التالية: اولا تحويل المنطقة (مدن القناة الثلاث: بورسعيد والسويس والاسماعيلية) من ممر تجاري إلى مركز صناعي ولوجستي عالمي: إمداد وتموين ونقل تجاري. ثانيا يطمح المشروع لتوفير مليون وظيفة، وتنمية 76 الف كليومتر على جانبي القناة، واستصلاح حوالي اربعة ملايين فدان زراعي. ثالثا تعظيم مكانة اقليم السويس كمركز اقتصادي متكامل صناعيا وعمرانيا وسياحيا. رابعا النهوض بمكانة مدن القناة، بحيث تصبح مركزا عالميا متميزا في مجال الخدمات المذكورة آنفا، مع توافر إمكانيات جذب اضافية في الطاقة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والزراعة والعقارات.
مشروع قناة السويس الجديد، مثل نقلة ريادية مهمة في تاريخ مصر الحديثة، ووضع الاقتصاد المصري على ابواب مرحلة نوعية، حيث يشكل قاطرة للنهوض بمجالات الصناعة الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، ويفتح الافق لتعميق دور مصر المركزي والمحوري في المنطقة والعالم ككل. ويقدر الخبراء جذب مئة مليار دولار من الاستثمارات المحلية والعربية والدولية.
المشروع العملاق ليس وليد اليوم او الامس القريب، بل يعود الفضل للمهندس حسب الله الكفراوي، وزير النقل في نهاية السبعينيات، الذي بادر لطرحه على الرئيس انور السادات، لكن المشروع لم يأخذ نصيبه من الاهتمام، ثم عاد الكفراوي لطرحه في تسعينيات القرن الماضي في عهد الرئيس حسني مبارك، وايضا لم يلق آذانا صاغية، إلى ان جاء الرئيس عبد الفتاح السيسي، واعتبر المشروع احد اعمدة خطة خارطة الطريق للنهوض بالاقتصاد المصري. وفتح امامه الابواب المغلقة، واطلق الطاقات المصرية العظيمة للشروع بالعمل به. مع ان جماعة الاخوان المسلمين وانصارهم، حاولوا الادعاء ان المشروع مرتبط بمشروع "نهضتهم" الذي دمر مصر، لكن الحقائق العنيدة دفعت وزير النقل الاخواني، حاتم عبد اللطيف، والمنسق العام للمشروع في حكومة الاخوان المسلمين، وليد عبد الغفار، بالاعتراف بان المشروع يعود للمهندس حسب الله الكفراوي.
بعيدا عن المنغصات الاخوانية، فان المشروع الجديد، يشكل نقلة نوعية استراتيجية في الاقتصاد المصري، ويعطي الامل للملايين من المصريين بانتشالهم من سوق البطالة، لان المليون وظيفة واربعة ملايين فدان زراعي والخدمات السياحية تعني الشعب المصري كله، وان كانت بشكل مباشر ترتبط بحياة عشرة ملايين مصري على الاقل..
مشاركة فلسطين بوفد رسمي برئاسة الرئيس محمود عباس في افتتاح المشروع الجديد، انعكاس للعلاقات الاخوية المشتركة بين القيادتين والشعبين، وحرص القيادة الفلسطينية على مشاركة الشقيقة الكبرى فرحتها بالافتتاح العظيم... مبروك كبيرة لمصر المحروسة، ومبروك للقيادة الشجاعة برئاسة المشير عبد الفتاح السيسي، وستبقى مصر اكبر من كل الاقزام على اختلاف جنسياتهم وهوياتهم السياسية والعقائدية.