رفع علم فلسطين في الأمم المتحدة والحاجة الملحة لتحقيق السلام
بقلم الرئيس محمود عباس
بقلم الرئيس محمود عباس غدا، سيتم رفع العلم الفلسطيني للمرة الأولى في مقر الأمم المتحدة في نيويورك وفي مكاتب الأمم المتحدة الأخرى في جميع أنحاء العالم.
لقد كان الشعور بالفخر غامرا لدى الشعب الفلسطيني يوم صوت العالم لصالح هذه المبادرة التاريخية. وأنا على يقين أنه في اليوم الذي يرتفع فيه علمنا بين أعلام مجتمع الأمم سيكون أيضا يوم فخر واعتزاز.
لقد أكد تصويت الجمعية العامة مرة أخرى أننا، شعب فلسطين، لسنا وحدنا في سعينا من أجل الحرية وإعمال حقوقنا، ووضع حد لعقود من الاحتلال الإسرائيلي واضطهاده.
في يوم 30 سبتمبر/ أيلول سنرفع علمنا في لفتة سلمية ستذكر الجميع بأن تحقيق العدالة والاستقلال أمر ممكن في نهاية المطاف. من أجل أن نحقق هذه الغاية نحن بحاجة إلى دعم أصدقائنا في جميع أنحاء العالم والى قيادة الأمم المتحدة في هذا الصدد.
في هذا العام تحتفل الأمم المتحدة بالذكرى الـ70 لتأسيسها، وتبقى القضية التي طال أمدها ولم تتم تسويتها بعد هي القضية الفلسطينية. لأكثر من 68 عاما حرم الشعب الفلسطيني من حقوقه ومن التمتع بحريته.
في عام 1948، شردنا من الأماكن التي ولدنا فيها وولد فيها أسلافنا، ودمرت بيوتنا وتراثنا، طردنا أو لجأنا الى الفرار الى المنفى الى ما كان مفروضا أن تكون مخيمات مؤقتة الى أن يتم حل الصراع وقيام الدولة الفلسطينية.
اليوم، هناك فلسطينيون في الشتات وأكثر من 5 ملايين لاجئ محرومين من حقهم في العودة، وفلسطينيون يرزحون تحت الاحتلال الإسرائيلي الغاشم وغير القانوني الذي ينكر حقوق الإنسان الأساسية، بما في ذلك حق الشعب في تقرير المصير وفي الحرية– وهو مبدأ أساسي للأمم المتحدة. ولكن الشعب الفلسطيني لم يتخل عن الأمل ولم يتخل عن سعيه الشرعي والعادل لنعيش في وطننا في استقلال وسلام.
الأمل هو القوة التي تساعد شعبي على التحمل والتغلب على الأهوال التي كثيرا ما يواجهها. لقد قارن الكثيرون بين الحياة في فلسطين ونظام الفصل العنصري. ولكن وضعنا أسوأ بكثير لأن إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، لا تطبق نظام الفصل العنصري والقهر فحسب، بل إنها تمارس بشدة سياسة التطهير العرقي السافر للشعب الفلسطيني من أرضه. وفي حين تتشدق الحكومة الإسرائيلية بحل الدولتين دوليا وداخليا فإنها تنتهج سياسات ترمي إلى تدمير ما تبقى من فلسطين. إسرائيل تهدم بيوتنا، وتبتلع أراضينا، وتعمل على كسر روح شعبنا وارادته.
في بيت لحم، نقاط التفتيش الإسرائيلية وجدار الضم غير القانوني تحاصر أبناء شعبنا هناك، وتحرمهم من حقوقهم والوصول إلى أراضيهم ومصادر رزقهم. الفلسطينيون في قطاع غزة لا يزالون يعانون من جراح الحرب الوحشية العام الماضي كما أن الحصار الإسرائيلي القاسي يسجن كافة السكان في القطاع ويجعله غير صالح للسكن.
في القدس الشرقية المحتلة، قوات الاحتلال والقيادات الإسرائيلية تساعد المتطرفين في هجماتهم والمتعصبين الدينيين في محاولاتهم لفرض السيطرة على المسجد الأقصى وإشعال صراع ديني. اللاجئون الفلسطينيون في جميع أنحاء المنطقة يعانون بشكل متكرر من التهجير والتشريد والصدمات النفسية، ويحرمون من حق العودة إلى ديارهم.
الأحداث التي تجري كل يوم، وهي لا تعد ولا تحصى، تبين كيف يدمر الاحتلال الإسرائيلي غير المشروع وطننا فلسطين. ولكن بعض الأحداث الأخيرة كان لها صدى في العالم مثل إضرام النار في منزل عائلة دوابشة، حيث حطمت مجموعة من المستوطنين الإسرائيليين الإرهابيين نوافذ منزل العائلة، وألقوا قنابل المولوتوف داخله، وحرق الرضيع علي، 18 شهرا، وتوفي على الفور. في وقت لاحق توفي والداه.
بسبب الحروق من الدرجة الثالثة التي اصيب بها. لا يزال ابنهما أحمد، 4 أعوام، الذي اصبح يتيما، راقدا في المستشفى للعلاج. وقد حاولت الحكومة الإسرائيلية أن تنأى بنفسها عن هذا الهجوم، ولكن الحقيقة هي أن استعمارها المتفشي والمنهجي لفلسطين ببناء المستوطنات، ورسائل التعصب، وخرقها للقانون الدولي، وتمتعها بثقافة الإفلات من العقاب لم يسهل هذا الهجوم فحسب، لكنه يشجع على شن هجمات مماثلة.
إن انتهاج إسرائيل لسياساتها المتهورة يعرقل أي تقدم دولي من أجل تحقيق حل الدولتين. وأذكر الآمال الكبيرة التي شعرت بها في عام 1993 عندما تم التوقيع على اتفاقات أوسلو ووضع حد زمني مدته 5 سنوات لإنهاء الاحتلال وتحقيق السلام والأمن بين الدولتين، دولة فلسطين وإسرائيل. كان ذلك قبل 22 عاما. ومنذ ذلك الحين، فشلت إسرائيل في التفاوض بحسن نية مع ترسيخ احتلالها غير الشرعي، وعدم التزامها بقيم المجتمع الدولي في الحرية والعدالة والسلام- ناهيك عن حل الدولتين والمحددات طويلة الأمد التي يقوم عليها. وداست إسرائيل على اتفاقات أوسلو وعلى عملية السلام.
إذ يجتمع قادة العالم في نيويورك لإحياء الذكرى الـ70 لتأسيس الأمم المتحدة، فإنه يجب على هؤلاء القادة أنفسهم أيضا أن يفكروا في اخفاقات الأمم المتحدة. لقد ظلت قضية فلسطين على جدول أعمال الأمم المتحدة منذ إنشاء المنظمة. لقد كلف هذا الإهمال المستمر لقضيتنا وحقوقنا الكثير من الأرواح، وأضعف آمالنا، وقوض القانون الدولي ومصداقية الأمم المتحدة. يتعين على قادة العالم أن يجدوا الإرادة السياسية لدعم سيادة القانون، واحترام حقوق الإنسان، وأن يعملوا على الوفاء بالالتزامات التي قطعوها جماعيا على أنفسهم للشعب الفلسطيني على مدى عقود. ويجب على الأمم المتحدة أن تقدم لشعبي ما هو أكثر من الأمل.
الحل السلمي والعادل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي موجود. ولكن عملية السلام يجب أن تكون متعددة الأطراف. إن نمط المفاوضات الذي فرض علينا لسنوات لن يفيد، لأن إسرائيل هي قوة احتلال. فهي تسيطر على أراضينا، والموارد الطبيعية، والشؤون الاقتصادية، وعلى حياتنا اليومية، منتهكة كل حق من حقوق الإنسان الأساسية للشعب الفلسطيني.
لا يمكننا التفاوض مباشرة مع قوة احتلال لديها مثل هذه السيطرة ومثل هذا الازدراء لحقوق شعبنا ووجوده. لهذا السبب فإن عملية السلام الجماعية المتعددة الأطراف ضرورية. وقد أدت هذه العمليات الى تحقيق تقدم كبير في المفاوضات الصعبة في البلقان وليبيا وإيران. وينبغي محاولتها لإنهاء الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي بشكل حاسم بعد كل هذه السنوات من المحاولات العقيمة لتحقيق السلام.
لقد أكد المجتمع الدولي، في تصويته على رفع علمنا في الأمم المتحدة، على تضامنه مع الشعب الفلسطيني. يجب عليه الآن أن يعمل بشكل عاجل مستفيدا من زخم هذه المبادرة الرمزية وأن يقدم خطة واضحة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني واحترام حقوق الإنسان وتحقيق العدالة، وأخيرا تحقيق استقلال دولة فلسطين، وايجاد حل سلمي للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، جوهر الصراع العربي- الإسرائيلي، كما وعد المجتمع الدولي بذلك منذ أمد طويل