ليس دفاعاً عن ابو مازن
جريدة الحياة الجديدة
بقلم عادل عبدالرحمن 8-2-2012
بعد اتفاق الرئيس محمود عباس مع خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس على تفعيل المصالحة برعاية امير قطر حمد بن خليفة آل ثاني، والذي تضمن تشكيل حكومة برئاسة ابو مازن، برزت ردود فعل على تسلّم رئيس منظمة التحرير رئاسة الحكومة لاعتبارات مختلفة بعضها مشروع من حيث المبدأ، وبعضها لاهداف واغراض شخصية وتعطيلية للمصالحة.
وحرصاً على إبراز الحقيقة دون مبالغة او تطير، وايضا دون مغمغة او انتقاص في قراءة الموقف، تستدعي الضرورة ملاحظة الآتي:
وقبل عرض النقاط ذات الصلة بالموضوع، تملي الضرورة الاشارة الى مسألة مركزية، وهي، ان حصر رئاسة الاطر الوطنية الاساسية (منظمة التحرير ، السلطة الوطنية، رئاسة الحكومة، قيادة حركة فتح، والقائد العام للقوات الوطنية) في يد الرئيس محمود عباس، امر غير مرغوب به، ولا ينم عن حالة صحية في الساحة. ولكن لماذا حصل ذلك؟ هل يتعلق الامر بوجود “نزعة دكتاتورية” عند رئيس حركة فتح؟ ام ان واقع الحال البائس مهد الارضية لذلك؟ وهل القائد العام مع خرق القانون الاساسي، الذي عمل ، هو شخصيا على تثبيته عشية تسلمه رئاسة الحكومة الثامنة عام 2003؟ وما هي العوامل والاسباب الموضوعية والذاتية، التي ادت الى ذلك؟
اولا: الرئيس عباس كما يعلم الجميع زاهد في موضوع السلطة، ولا يريد الترشح لدورة رئاسية جديدة، واعلن عن ذلك عشرات المرات. ولم يكن إعلانه شكلا من اشكال الدلال والبغددة، وحتى يسترضيه الآخرون، وانما هي قناعة ثابتة لديه.
ثانيا: تسلم الرئيس رئاسة منظمة التحرير كونه رئيس حركة فتح، التي منحته الثقة في المؤتمر العام السادس، حيث وقف المؤتمرون جميعا بالتصفيق تأكيدا على ثقتهم بشخصه. ولو لم يكن رئيسا لحركة فتح، ما كان يمكن له ان يكون رئيسا لمنظمة التحرير الفلسطينية. لاسيما وان هناك علاقة تبادلية بين المسؤوليتين. ووفق ذات القاعدة، وكما ثبت العرف الفتحاوي واللوائح الداخلية، ان رئيس الحركة، هو ، بشكل طبيعي القائد العام. وهذا الامر كان موجودا زمن قيادة الرئيس الشهيد الرمز ياسر عرفات. وحتى عندما جرى التداول في اوساط فتح للفصل بين رئاسة الحركة ومنصب القائد العام للقوات، ارتأت اوساط الحركة بالمحصلة إبقاء الدمج بين المسؤوليتين.
ثالثا: معروف ان الرئيس محمود عباس، هو شخصيا من قاد معركة فصل رئاسة الحكومة عن رئاسة السلطة عام 2003. ودارت معركة شرسة آنذاك بين ابو مازن ومن معه، وبين الرئيس ابو عمار ومن معه، وتحقق الفصل في النهاية بدعم القوى العربية والدولية. وبالتالي، الرئيس لا يمكن ان يكون يوما مع الفصل بين المسؤوليات المركزية ويوما آخر حين تكون الامور لصالحه مع دمجها، خاصة وانه لا يريد التجديد، وهو ايضا وفق ما يعلم العبد الفقير ، وكما يشيع الرئيس نفسه ذلك، زاهد في الحكم ولا يريد اي مسؤولية.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا إذن يوافق الرئيس على تولي رئاسة الحكومة القادمة؟ كما يعلم ايضا الجميع قوى وشخصيات مستقلة واعلاميون، ان الرئيس عباس طرح على رئيس المكتب السياسي عدداً من الاسماء لتولي رئاسة الحكومة القادمة، لكن قيادة حماس، لنقل كان لها تحفظات على الشخصيات المذكورة، وعرضت على ابو مازن تولي رئاسة الحكومة، خاصة وان ولاية الحكومة القادمة، ستكون محدودة ومؤقتة، ومحصورة المهام، إضافة الى ذلك مطلوب شخصية إجماع ، وايضا شخصية مقبولة من المجتمع الدولي، لذا تم التوافق على ان يكون الرئيس محمود عباس، رئيسا للحكومة القادمة.
وهذا لا يعني بحال من الاحوال انتقاصا او نقضا للتشريع ولا للقانون الاساسي، ولا يعني بتاتا ان الشعب الفلسطيني عاقر، وفقير في الكفاءات. اضافة لذلك في اللحظة الراهنة، لا يعني حصر المهام الرئيسية في يد الرئيس ابو مازن غيابا للديمقراطية وترسيخا للدكتاتورية، انما هي ضرورات اللحظة السياسية.
ولمن يعلم او لا يعلم فان الرئيس ابو مازن، هو صاحب مقولة كررها في اكثر من مقابلة، كما يعيدها في مجالسه الخاصة، لا يوجد شخص لا يمكن الاستغناء عنه. ولا يوجد شخص استثنائي، بغيابه تضيع الامور. كل شخص مهما كانت درجة عبقريته يمكن ايجاد بدائل عنه. والشعب الفلسطيني أسوة بشعوب الارض قاطبة ، شعب ولاد للكفاءات، وهو شعب غير عاقر.
مرة اخرى، حصر المسؤوليات بيد شخص واحد، امر غير حميد، ومرفوض ولا يجوز تكريسه في الواقع الوطني، وبالتالي يجب العمل على توزيع المسؤوليات على الكفاءات المختلفة استنادا الى النظام الانتخابي الديمقراطي.