التاريخ : الثلاثاء 23-04-2024

نيابة عن الرئيس: السفير دبور يضع اكليلا من الزهور على النصب التذكاري لشهداء الثورة الفلسطينية في بير    |     الرئيس يدعو لاقتصار فعاليات عيد الفطر على الشعائر الدينية    |     "هيومن رايتس ووتش": التجويع الذي تفرضه إسرائيل على غزة يقتل الأطفال    |     فرنسا تقترح فرض عقوبات على إسرائيل لإرغامها على إدخال المساعدات إلى غزة    |     ارتفاع حصيلة العدوان على غزة إلى 33,360 شهيدا منذ السابع من تشرين الأول الماضي    |     اليونيسف: غزة على حافة الدمار والمجاعة    |     أردوغان: سنواصل دعمنا للشعب الفلسطيني حتى إقامة دولته المستقلة    |     قوات الاحتلال تقتحم طولكرم وتعتقل سبعة مواطنين    |     غوتيرش ينتقد منع الصحفيين الدوليين من دخول غزة و"رابطة الصحافة الأجنبية" تعرب عن مخاوفها    |     رئيس الوزراء يلتقي وزير الخارجية السعودي في مكة    |     الرئيس المصري يستقبل رئيس الوزراء محمد مصطفى    |     الجمعية العامة للأمم المتحدة تعقد جلسة حول الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية    |     مجلس الأمن يقر بالإجماع إحالة إعادة النظر في طلب فلسطين للعضوية الكاملة إلى لجنة العضوية    |     الاحتلال يمنع رفع الأذان وأداء صلوات المغرب والعشاء والتراويح في حوسان    |     الزعيم الروحي للطائفة المعروفية الدرزية الشيخ موفق طريف يهاتف الرئيس لمناسبة حلول عيد الفطر    |     الرئيس يتلقى اتصالا من الكاهن الأكبر للطائفة السامرية لمناسبة حلول عيد الفطر    |     "القوى" تؤكد أهمية تضافر الجهود لوقف حرب الإبادة التي يرتكبها الاحتلال بحق أبناء شعبنا    |     نادي الأسير: الاحتلال يحتجز جثامين 26 شهيدا من الحركة الأسيرة    |     ملك الأردن والرئيسان المصري والفرنسي: يجب وقف إطلاق النار في غزة الآن    |     "العدل الدولية" تبدأ جلسات الاستماع بشأن طلب التدابير المؤقتة الذي قدمته نيكاراغوا بحق ألمانيا    |     "الأغذية العالمي" يجدد التحذير من مجاعة شمال غزة    |     "الخارجية" تدين جريمة اعدام الأسير دقة وتطالب المنظمات الدولية بتوفير الحماية لشعبنا    |     الاحتلال يعتقل 45 مواطنا من الضفة    |     شهداء ومصابون في سلسلة غارات اسرائيلية على مناطق وسط وجنوب قطاع غزة
أراء » الشهيدة ربيحة ذياب .....وعدٌ على حجر
الشهيدة ربيحة ذياب .....وعدٌ على حجر

الشهيدة ربيحة ذياب .....وعدٌ على حجر

 

 

عيسى قراقع

تحت شجرة لوز، وفي مسقط رأسها في قرية دورا القرع، دفنت الشهيدة ربيحة ذياب، تدلت أغصانها الدانية المثمرة فوق جسدها، وتمددت على التراب خضراء خضراء، وبين قبر أمها وشقيقها نامت بهدوء تلتحف الرضى أرضاً وسماء.

ها نحن نجتمع في الجنازة، من أين أتينا؟ نحن أولادها الثكالى، نسأل تلك الشمس الحامية إلى أين تقودنا خطانا؟ ما أكبر هذا الموت، وما أوحش تلك المقبرة، هي أميرة يجمعنا عرسها في الدنيا والآخرة...

أبكيها في الثاني والعشرين من شهر نيسان، أبكي من المحيط إلى الخليج، أبكيها في كل التواريخ التي حزَّت شراييني، وفي كل التواريخ التي أرضعتني حليباً وفكراً وناراً، أبكيها في رام الله وبيت لحم والخليل، أبكيها في القدس ويافا وغزة ونابلس وجنين، أبكيها في الكتب والساحات وبين حجارة الأطفال، أبكيها في الصليب والهلال وبين أركان الصلاة، انتظري، قادمٌ إليك من ألف باب وباب، انتظري....

ربيحة المرأة الفدائية التي لم تحفظ أشياءها في متحف، أشياؤها تتشظى فينا يوماً يوماً، في بيت أسير ينسف، في عرس شهيد يزف هذا المساء، تتناسخ من صوت في صوت في صوت، خطاها فلسطين، ورحيلها النبوي لم يلقوا القبض عليه حتى الآن...

قلت لهذا النهار تمهل حتى يكتمل الغيم، واستأذنت من ملاك الموت ان يتأخر، واستأذنت من ربيحة ان تتنفس وتتنفس اكثر واكثر ، وان تنهض من التابوت رحمة بنا، ثوب هذا الموت ضيق عليها وعلينا.

أرادت في تلك الظهيرة أن تناديني، ولما لم تجد صوتها تناثر جسمها السماوي بين النار والطين، وشاءت أن تشاهدني وتعرفني، وشاءت أن تمس يدي، التفتت، رأت كل أولادها وبناتها، ابتسمت لنا وللحياة.

في مخيم الدهيشة، تجلس ربيحة ذياب مع فاطمة الجعفري (أم أحمد)، ذكريات التوتة والمصطبة والقهوة الساخنة، يسقط السياج عن المخيم ويهرب "الحاخام لينفغر" أمام غضب الأولاد اللاجئين، عرس الشهيد الأسير على الجعفري يمر بين الأزقة، وربيحة تزغرد في شوارع الناس الغاضبين.

يسألنا الدكتور ذياب عيوش أين ربيحة؟ مقعدها الدراسي فارغ، قلنا له: عندما تغيب ربيحة، إما أن تكون في مظاهرة، أو تحت الإقامة الجبرية، أو في غياهب السجون، يسود الصمت غرفة الصف، ثم تشتعل ساحة الجامعة.

أين عاطف أبو عكر، وبشير نافع وزكية شموط،وعفيفة بنورة، ونهى عبد الله وسميحة خليل وحسنية داود ونهاية محمد؟ تسأل ربيحة ذلك الغياب، تسير على قدميها من جبل إلى جبل حتى تصل القدس، ومن مطارد إلى مطارد حتى تتفتح السنبلة، حقيبتها محشوة بالكتب والرصاص والبيانات والرسائل الملفوفة، كوفية سمراء على الكتفين، ووجه عنيد يتقدم الرجال..

توحش المحقق الإسرائيلي المدعو "أبو نهاد" في سجن المسكوبية، استنفر وزمجر وفقد أعصابه أمام امرأة حامل ترفض التجاوب معه ومع دولته الظالمة، ويقال أن هذا المحقق قدم استقالته من جهاز المخابرات الإسرائيلي بعد أن فشل في انتزاع اعترافات من ربيحة ذياب، وكتب في مذكراته أنه رأى امرأة هي جيش من النساء.

في سجن الرملة للنساء (نفي ترتسيا) طيرٌ آخر يحلق في فضاء الأسيرات، إضراب عن الطعام، الجوع لا الركوع، وكتب المحامي وليد الفاهوم أنه رأى بأم عينيه امرأة تسمى ربيحة ذياب، تقود الأمواج من أجل كرامة وحقوق الأسيرات، هناك بدأ المخاض وتحرك البحر وهبت الرياح..

الشهيدة ربيحة ذياب، وعدٌ على حجر، وردة على حجر، قالت نعم نستطيع أن نجمع الماء قطرة قطرة ليكون النهر، ونعم نستطيع أن يكون الوعد زوبعة في الوريد، ونعم نستطيع أن نحول الموت إلى عمر جديد، نعم نستطيع...

ربيحة ذياب تبادلت الأدوار بين الموت والحياة، وعندما كان موت بهرتنا بإلحاحها في محاولة النيابة عنا في الرحيل إلى الغد، وعندما كانت حياة، ظلت مسكونة بالحرية إلى درجة العشق، فالوطن على ضفافها مهدد ومهان، وقد أعلنت ربيحة وصول رحلة الوعد الجماعية إلى أرض الأمنيات، خيولها الجامحة تصهل الآن في هذه الأجيال..

الشهيدة ربيحة ذياب ، وعد على حجر، وردة على حجر، الخميرة في عجينة الانتفاضة الاولى، صوت منظمة التحرير الفلسطينية والقرار المستقل، امرأة الكفاح الوطني والاجتماعي والانساني، رواية مفتوحة على كل اتجاهات القلب، من سجن الفارعة حتى سجن النقب، لا تريد ان تظهر الا في ثوب امرأة، لتمضي حياتها كلها في ولادة دائمة.

شموع كثيرة أضاءتها أصابع ربيحة لكل المدافعين عن حرية المرأة والوعي والأرض، وبين الخوف من الاحتلال الذي لم يرحل بعد، وبين الخوف من العشيرة والتقاليد البائسة التي تذبح البنات، دافعت بإصرار عن الكرامة والحب والجمال والمساواة ولغة الحلم، انهال المطر على جفاف أيامنا في مداد الكون، لتصبح فلسطين ذاكرة امرأة في هذا الكون...

أنحني إجلالاً لغصون وجهك الصخري، ويا أيتها التقية، سأروي لأولادك وأحفادك حكاية الوردة تحت التعذيب، وليالي الزنازين الباردة، وبقدر ما تشتهين سأزرع أشتال الزيتون كثيراً في الجبال والسهول، وفي أجساد المقتولين الأطفال المعدومين والغائبين المعتقلين.

الشهيدة ربيحة ذياب، وعدٌ على حجر، وردة على حجر، وفي هذا الربيع كانت الصوت الأخير، مدركة أن شمعة واحدة لا تضيئ كل هذا الليل، فأطلقت صيحة اللهب من أصابعها المشتعلة، ها هو البرق ينزلق على جراح المسيح..

كيف قدرت ان تحمل ارضنا تلك المقبرة، هنا امراة اشعلت ماء المحيطات كمثل كبريت احمر.

ربيحة ذياب

وعد على حجر

وردة على حجر

ليس هكذا ينتهي العالم

تنام مغمورة بضياء القمر

2016-04-26
اطبع ارسل