حكومة التوافق الوطني: الرؤية والمعايير
جريدة القدس
بقلم د. أحمد يوسف 16-2-2012
بعد أن وضعتنا لقاءات القاهرة و"إعلان الدوحة" على أول الطريق لإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة، تأتي الآن أسئلة الشارع الفلسطيني حول تشكيلة الحكومة القادمة واولوياتها.
لا شك أن هناك جملة من المطالب التي ينتظر الناس إيجاد حلٍّ عاجلٍ لها، مثل: مشكلة الكهرباء والمياه والصرف الصحي وقضايا أخرى كلها لها علاقة بالبنيّة التحتية التي تعرضت للدمار بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في ديسمبر 2008، والتي وعدت الجهات المانحة في مؤتمر شرم الشيخ عام 2009 بإعادة إعمارها، ورصدت مبلغاً يتجاوز الأربعة مليار دولار للقيام بذلك.
كما أن هناك مشكلة البطالة، والتي زادت نسبتها ألـ 40% بسبب الحصار المفروض على قطاع غزة، حيث إن هناك الآلاف من خريجي الجامعات الذين لا يجدون لهم فرص عمل، بسبب تعطل حالة التنمية والتطوير جراء الاحتلال والحصار.
إن هناك الكثير مما يريده الشعب الفلسطيني من الحكومة القادمة على مستوى حفظ الأمن والنظام العام، وأيضاً ما يتعلق بالحريات وكرامة المواطن الفلسطيني وحقه في التعبير والانتماء السياسي.
إن ما سوف يحرص عليه الرئيس عباس هو اختيار وزراء لحكومته قادرين على القيام بمهمة النهوض بالوطن، شخصيات تحظى بالأهلية والكفاءة ومشهود لها بالوطنية والنزاهة، أما إذا كانت الخيارات تخضع - فقط - لمعايير القبول الإسرائيلي والأمريكي، فهذا سيخلق - بالتأكيد - إشكالية تسويق هذه الحكومة ليس فقط لحركة حماس بل الشارع الفلسطيني كله.
إن ما ننتظره من الرئيس عباس هو أن تظل مواقفه على صلابتها وألا ينكسر أمام ضغوطات إسرائيل أو ما تقوم به الإدارة الأمريكية من محالاوت المراودة والترويض للسياسة الفلسطينية.
إننا لن نمانع أن يعيد الرئيس عباس الكرة للملعب العربي والإسلامي للاستقواء به والتشاور معه وكسب دعمه وتأييده، فهذا شيء يسعدنا جميعاً، والعرب اليوم بعد ثوراتهم المجيدة أقدر على حماية المشروع الوطني الفلسطيني، ولهم إمكانيات التأثير – بشكل أفضل – على الكثير من الدول الغربية، ودفعها لاتخاذ مواقف غير منحازة فيما يخص صراعنا مع المحتل الغاصب.
إننا نطمع خلال المرحلة القادمة أن تسود علاقاتنا الوطنية مفاهيم الديمقراطية والتعددية الحزبية والشراكة السياسية والتداول السلمي للسلطة، وأن نبتعد عن لغة الإقصاء والتهميش والاتهام والتحريض، وأن يجري الإعداد للإنتخابات التشريعية والرئاسية في أجواء يشعر معها الجميع بالاطمئنان لمستقبل العملية الديمقراطية.
الحكومة الانتقالية: عوامل النجاح
في الحقيقة، إن أهم عناصر استقرار الحكومة ونجاحها في أداء عملها هو تعاون الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية وقطاع غزة معها، فمعظم هذه الأجهزة مؤطرة تنظيمياً، وإذا لم تلتزم كل من فتح وحماس بدعم هذه الحكومة الانتقالية والتأكيد على الجميع باحترام قراراتها فلن تبرح مكانها وسيكون الفشل طريقها.
من هنا، فإن المطلوب من كل من الأخ خالد مشعل والرئيس أبو مازن إعطاء التعليمات لكوادرها الأمنية بالعمل على احترام سيادة القانون والحفاظ عليه والابتعاد عن كل مظاهر الفلتان الأمني الذي عانينا منه في سنوات سابقة، وساقنا إلى مواجهات داخلية كانت وراء ما وقع من اقتتال دامٍ وانقسام حاد في يونيه 2007
إن الحكومة الانتقالية التي سيرأسها السيد (أبو مازن) مطلوب منها العمل على سرعة التئام المجلس التشريعي، مع ضمان أن تكون القضايا المطروحة للنقاش هي في مساحة المشترك، وأن كل شيء يطرح للمداولة يجب أن يتم بالتوافق، فليس المطلوب في هذه المرحلة الانتقالية تغييرات دراماتيكية أو القيام بثورة دستورية عارمة، فقط يمكن مراقبة عمل الحكومة لتحسين الأداء وضمان عدم التجاوز.
إن طبيعة جغرافيا الوطن وديمغرافيته تستدعي أن يكون مقر مجلس الوزراء في قطاع غزة، وأن يكون هناك نائباً أول للرئيس في غزة، وآخر في رام الله، وان تعطى الأولوية في المشاريع لدعم القطاع الصناعي الذي دمرته الحرب الأخيرة على غزة، وخاصة في المجالات التي يمكن أن تحقق – بقدر الاستطاعة - اكتفاءً ذاتياً ينأى بنا عن الارتهان للاقتصاد الإسرائيلي.
إننا نأمل من الرئيس (أبو مازن) أن تكون دائرة مشاوراته لاختيار حكومته تتسع لرأي فصائل العمل الوطني والإسلامي، فالعبء سيكون ثقيلاً على كاهل الجميع، وإذا ما كانت الحكومة بالتوافق – كما هو مطلوب منها أن تكون – فإن الجميع سيضع ثقله خلف نجاحها، وفتح الطريق لها لكي تمضي في انجاز المهمات الوطنية الملقاة على عاتقها.
كما أننا نناشد الرئيس (أبو مازن) العمل بكل السرعة والجدية لإصلاح منظمة التحرير وتفعيلها لكي تظل الحاضنة الحقيقية لمشروعنا الوطني، وقاطرة الدفع التي تجتمع فيها قدرات كل القوى الوطنية والإسلامية لبلوغ أهداف شعبنا في التحرير والعودة.
حماس: الموقف والخطوة التاريخية
لا شك أن الأخ خالد مشعل قد اتخذ خطوة تاريخية وأحدث اختراقاً (Breakthrough) بالتوقيع على "إعلان الدوحة"، باعتبار أنه كان لحظة مواتية لإنهاء الانقسام لا يمكن تفويتها.. صحيح أن الرئيس أبو مازن لم يكن هو خيار حماس الأول أو الثاني لاعتبارات لها علاقة بتاريخ الخلاف بين فتح وحماس، ولكن الغالبية - داخل الشارع الفلسطيني - تعلم أنه في ظل انحراف مواقف المجتمع الدولي وعدم التوازن في سياسيات الغرب تجاه قضيتنا، إضافة لتعقيدات الواقع العربي والإسلامي وغياب الاستقرار فيه بشكل عام، فإننا لا نملك في هذه المرحلة الكثير من البدائل التي تتوافر فيها عناصر القبول واستمرار التواصل مع الغرب؛ للتخذيل عنا، وضمان وصول الدعم المالي – بدون انقطاع - لمؤسسات السلطة الفلسطينية.. هناك – بلا شك - د. سلام فياض، ولكن هناك – أيضاً - إصرار على رفضه، لأسباب لا تتعلق بشخصه الكريم، ولكن لطبيعة الموقع الذي شغله بعد الانقسام، والذي اعتبرته حماس أنه أحد عناوين الأزمة التي يستلزم الأمر تجاوزها لطي صفحة الانقسام مرة واحدة وللأبد.
وإذا كان الانقسام هو الخطيئة الكبرى التي يجب على الجميع التطهر منها، وأن المصالحة هي حجر الزاوية لكل ما نطمح في البناء عليه لمرحلة الانتخابات القادمة وأفق الشراكة السياسية التي نخطط له لمستقبل علاقاتنا الوطنية والإسلامية، فإن اختيار الرئيس (أبو مازن) الذي يتمتع بعلاقات وطيدة مع المجتمع الدولي والمحيط الإقليمي، ويمتلك كل أوراق القوة داخل حركة فتح يكون هو الأنسب، حيث إن السياسة تفرض التحالف بين الأقوياء لنجاحها.
في ظل هذا الفهم لواقعنا وما يدور حولنا، تكون خطوة الأخ خالد مشعل لا غبار عليها، وهي تنسجم - تماماً - مع الطرح العام لحركة حماس، التي كانت تطالب - منذ اليوم الأول الذي وقع فيه الانقسام - بتحقيق المصالحة، باعتبارها "فريضة شرعية وضرورة وطنية".
ختاماً: على بركة الله نمضي
ان نجاح الحكومة الانتقالية في مهمتها يعتمد في المقام الأول على التفاهم والتعاون والتنسيق بين الرئيس (أبو مازن) والأخ خالد مشعل، باعتبار المكانة التي يمثلها كلّ منهما في قيادة حركتي فتح وحماس، وهذا يستدعي ديمومة التشاور بينهما، فهما – الآن - بمثابة العمود الفقري لجسد الشراكة السياسية التي نطمح بتحقيقها في الانتخابات القادمة.
ولذلك، فإن الحراك الواسع على الساحتين الدولية والإقليمية الذي سيطبع توجهات الرئيس (أبو مازن) في المرحلة القادمة لحشد التأييد السياسي للقضية الفلسطينية والدعم الاقتصادي لمؤسسات السلطة يتطلب الكثير من التفاهم وتبادل الرأي والمشورة مع الأخوة في حركة حماس، وخاصة مع الأخ خالد مشعل رئيس المكتب السياسي للحركة، حتى لا تحدث انتكاسة أو صدمة تعيدنا من جديد لمربعات الخلاف والقطيعة وفقدان الثقة في بعضنا البعض.
لقد انطلق قطار المصالحة بجهود مصرية – قطرية مشكورة، ونأمل أن يصل – بأمان - إلى محطته النهائية وقد طوينا صفحة الانقسام وتجاوزنا عتب سنواته العجاف، فالأمة العربية والإسلامية مهيأة اليوم – على المستويين الرسمي والشعبي - لدعم قضيتها المركزية، وعلينا كفلسطينيين أن نؤكد بوحدتنا أننا جديرون بثقة هذه الأمة وأهلاً لربيع ثورتها.