مأساة جبع وملف شوارع القدس
جريدة القدس
حديث القدس 17-2-2012
نتقدم أولا بالعزاء لعائلات ضحايا الحادث المفجع الذي وقع أمس قرب جبع رام الله، ونتمنى الشفاء العاجل للمصابين. ولسنا بصدد المسؤولية المباشرة عن هذا الحادث المأساوي :فالطريق كما يعرفه من سلكه متعرج، وفيه منعطففات منحدرة خطيرة، وهذا ليس الحادث المفجع الأول على هذا الطريق الذي شهد أكثر من كارثة مرورية منذ إنشائه قبل عدة سنوات، ليكون طريقا التفافيا للمستوطنين، لكنه وبسبب الجدار الذي يخنق القدس تحول إلى طريق بديل لشارع القدس- رام الله الرئيسي، يستخدمه السائقون عندما يكتظ معبر قلنديا بالمركبات، لكنه في أحيان كثيرة يكون أكثر اكتظاظا من شارع القدس.
ويفتح هذا الحادث المروع ملف الحصار المفروض على المدينة المقدسة، بهدف قطع صلتها بمحيطها الفلسطيني في الضفة الغربية. والواقع أن الشارع التاريخي الذي يصل القدس برام الله قد تم تقطيعه إلى ما يشبه الأزقة قبل معبر قلنديا. فقد قسمته السلطات الاسرائيلية إلى طريقين، في كل منهما مسلكان :واحد للخارجين والثاني للداخلين. ويخدم الطريق الأول بلدة الرام والمنطقة المحاذية لها التي تخضع إداريا للسلطة الفلسطينية، أما الثاني فهو لاستعمال المقدسيين من كل أحياء المدينة المتوجهين إلى رام الله، أو الراجعين منها.
طريق المقدسيين هذا في حالة أزمة دائمة لكثرة السيارات التي تستخدمه، وكونه من مسلكين فقط، ما يتسبب في اختناقات مرورية إذا حدثت تلك الأزمة في عنق الزجاجة بعد المعبر مباشرة، حيث تتجمع السيارات القادمة من القدس مع تلك التي تحمل لوحات فلسطينية آتية من شوارع الرام وجبع. وإذا تعطلت سيارة واحدة في المقطع بين مفرق ضاحية البريد ومعبر قلنديا، فإن اختناقا مروريا قد يستمر لساعات وإلى أن يتم حل تلك المشكلة.
إن وضع المواصلات في القدس ومحيطها لا يتناسب مطلقا مع أهمية المدينة من ناحية، وعدد سكانها ومتانة علاقاتها العضوية والحيوية مع امتدادها الفلسطيني في الضفة الغربية شمالا وجنوبا وشرقا من الناحية الثانية. والطرق القليلة الواصلة بينها وبين محيطها لا تكفي لتلبية احتياجات المواطنين، وهذا بحد ذاته أحد الأسباب الرئيسية لحوادث المرور الكارثية كتلك التي وقعت أمس، دون إهمال الظروف اللوجستية لكل حادث على حدة، بطبيعة الحال.
والسؤال هو :لماذا تظل الطرق من القدس وإليها محصورة في معبر واحد من الشمال، وآخر في الجنوب، وثالث جهة الشرق؟ ولماذا لا تكون هذه الطرق من عدة مسالك ذهابا وإيابا، كما هي الحال في الطرق داخل الخط الأخضر؟.
ملف الشوارع في القدس الشرقية متشعب، ومؤلم في الوقت نفسه. لكن هناك أيضا ممارسات من جانب نفر من السائقين أقل ما يقال فيها إنها لا تراعي قوانين السير واللياقة وحسن التعامل، فهناك السرعة الزائدة والتجاوز غير القانوني وعدم مراعاة الأولوية والأنانية والتهور في القيادة، ما يؤدي إلى حوادث متكررة على هذا الشارع الواقع في المنطقة (ج) الذي تتحمل السلطات الاسرائيلية المسؤولية الأمنية والإدارية فيه.
ومن هنا فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا تأخرت سيارات الإسعاف والإطفاء عن الوصول إلى مكان الحادث؟ ولماذا لا تسمح اسرائيل بوجود مراكز للإطفاء والإسعاف تكون سياراتها قادرة على الوصول إلى إلى أماكن الحوادث التي تقع باستمرار على طول الشارع، فتنقذ الأرواح وتعالج المصابين على جناح السرعة؟.
ولنا كلمة، هنا موجهة للمبعوثين الأميركيين والأوروبيين ومن كافة دول العالم لدى السلطة الفلسطينية الذين يعايشون، ولا نقول يعانون، مشقات الانتقال التي يعانيها الفلسطينيون. فمن واجبهم أن يوصلوا الرسالة بشأن هذه الحالة المزرية إلى حكوماتهم، لأن المجتمع الدولي قادر، لو أراد، على الضغط على اسرائيل لتغيير هذا الإهمال في رفع هذه المعاناة عن الفلسطينيين، سواء أكانت مقصودة من جانب اسرائيل، أم غير مقصودة.