الاعتقال الإداري من منظور القانون الدولي والإنساني
جريدة القدس
معتصم عوض 20-2-2012
اعتقلت القوات الإسرائيلية أواخر العام الماضي المواطن خضر عدنان، 34 عاما، من سكان عرابة قرب جنين، وتم تحوليه للاعتقال الإداري، وعقب هذا القرار قام المعتقل خضر بالإضراب عن الطعام احتجاجاً عليه، وعلى طريقة اعتقاله والتحقيق معه. ونتيجة لإضرابه عن الطعام تدهور وضعه الصحي وادخل إلى المستشفى حيث ما زال يرقد، وازداد الخطر على حياته يوماً بعد يوم.
لقد تزايدت ظاهرة الاعتقال الإداري في العام 2011، حيث قامت اسرائيل خلال ذلك العام بتحويل أكثر من 88 محتجزاً فلسطينياً إلى الاعتقال الإداري. وهو اعتقال يتم اللجوء إليه استنادا إلى أمر إداري فقط، من دون سند قضائي، ومن دون لائحة اتهام ومن دون محاكمة. صحيح أن القانون الدولي لم يحظر الاعتقال الإداري بالمطلق، لكنه وضع شروطاً صارمة لتطبيقه كي لا يتم إساءة استخدامه وتعريض حق الإنسان في محاكمة عادلة. وطبقا للقانون الدولي، يمكن اعتقال شخص اعتقالاً إدارياً فقط في الحالات الاستثنائية جدا، كوسيلة أخيرة تهدف إلى تلافي خطر حقيقي لا يمكن تلافيه بوسائل أخرى.
إن الطريقة التي تستخدمها إسرائيل في الاعتقال الإداري تتناقض مع القيود المفروضة على تطبيق مثل هذا النوع من الاعتقال.
وهذا واضح من خلال اتساع نطاق تطبيقه، فقد استعملت إسرائيل هذه الأداة على مدار سنين ضد آلاف الفلسطينيين كوسيلة ضغط عليهم لانتزاع الاعترافات، أو للمساومة كما حدث مع بعض المحتجزين اللبنانيين في السجون الإسرائيلية بغرض الضغط عليهم لاستعادة أسرى وجثامين جنود إسرائيليين. إن المؤشر الثاني الذي يدلل على تناقض استخدام إسرائيل للاعتقال الإداري هو استخدامها إياه كبديل من الإجراء الجنائي خاصة عندما لا تملك أدلة على الاتهام، فتلجأ إليه كبديل سهل.
ويتم الاعتقال الإداري في إسرائيل ضمن سرية تامة، دون تقديم المعتقلين للمحاكمة، ودون الإفصاح لهم عن التهم الموجهة إليهم (في كثير من الحالات يكون التبرير هو أن الشخص ناشط في الحزب أو الفصيل الفلاني)، ولا يسمح لمحامي المعتقل الإداري من الإطّلاع على مسوغات الاعتقال، وهذا يتناقض تناقضاً تامأً مع أبسط حقوق الإنسان المتمثلة في عدم جواز الاعتقال، وحق الشخص المحتجز بمحاكمة عادلة، وحقه في الدفاع عن نفسه والمطالبة ببراءته.
إن ما تقوم به إسرائيل يعد مخالفة صريحة للمادة (9) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966، والذي ينص على أن كل فرد حق في الحرية وفى الأمان على شخصه، وعدم جواز توقيف أحد أو اعتقاله تعسفا. كما أكدت المادة على وجوب إبلاغ أي شخص يتم توقيفه بأسباب هذا التوقيف لدى وقوعه، كما يتوجب إبلاغه سريعا بأية تهمة توجه إليه، على أن يقدم الموقوف أو المعتقل بتهمة جزائية، سريعا، إلى أحد القضاة أو أحد الموظفين المخولين قانونا مباشرة وظائف قضائية، ويكون من حقه أن يحاكم خلال مهلة معقولة أو أن يفرج عنه.
و لكل شخص حرم من حريته بالتوقيف أو الاعتقال حق الرجوع إلى محكمة لكي تفصل هذه المحكمة دون إبطاء في قانونية اعتقاله، وتأمر بالإفراج عنه إذا كان الاعتقال غير قانوني. كما تنص المادة على أن لكل شخص كان ضحية توقيف أو اعتقال غير قانوني حق في الحصول على تعويض.
كذلك أقرً القانون الدولي الإنساني عدم جواز الاعتقال التعسفي، ففي دراسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر حول القانون الدولي الإنساني العرفي أكدت القاعدة العرفية رقم 99 على حظر الحرمان التعسفي من الحرية كما أكدت القاعدة العرفية رقم 100 على انه لا يدان أي شخص أو يصدر عليه حكم إلا بمحاكمة عادلة تتوفر فيها جميع الضمانات القضائية الأساسية. وأكدت القاعدة العرفية رقم 102 كذلك على عدم جواز إدانة أي شخص بجريمة إلا على أساس المسؤولية الجنائية الفردية.
وأكدت اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 بشان حماية المدنيين وقت الحرب على مبدأ المحاكمة العادلة، حيث نصت المادة 71 من الاتفاقية على عدم جواز إصدار أي حكم ضد الأفراد الخاضعين لسلطة دولة الاحتلال من المحاكم المختصة التابعة لدولة الاحتلال إلا إذا سبقته محاكمة قانونية، على أن يتم دون إبطاء إبلاغ أي متهم تحاكمه دولة الاحتلال كتابة وبلغة يفهمها بتفاصيل الاتهامات الموجهة إليه. كما نصت المادة 72 من الاتفاقية على أن أي متهم له الحق في تقديم الأدلة اللازمة لدفاعه، وعلى الأخص استدعاء الشهود. وله حق الاستعانة بمحام مؤهل يختاره يستطيع زيارته بحرية، وتوفر له التسهيلات اللازمة لإعداد دفاعه. كذلك نصت المادة 73 من الاتفاقية على حق المتهم استخدام وسائل الاستئناف التي يقررها التشريع الذي تطبقه المحكمة. ويبلغ بكامل حقوقه في الاستئناف والمهلة المقررة لممارسة هذه الحقوق.
وعليه تتحمل السلطات الإسرائيلية المسؤولية المدنية والجنائية تجاه ما يحدث أو قد يحدث للمعتقل عدنان خضر، وبقية المعتقلين في سجونها. وهي مطالبة الآن أكثر من أي وقت مضى بتطبيق اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 على الأرض الفلسطينية المحتلة، ووقف الاعتقال الإداري التعسفي، وكافة الإجراءات بحق المعتقلين الفلسطينيين المخالفة للقانون وأحكام القانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
كذلك على المجتمع الدولي ونخص بالذكر مجلس الأمن، والجمعية العمومية، والدول الأطراف في اتفاقيات جنيف لعام 1949، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، تحمل مسؤولياتهم القانونية الملقاة على عاتقهم في ميثاق الأمم المتحدة، العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966، واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، وأخذ كافة التدابير اللازمة لوقف السلوك الإسرائيلي غير الإنساني، والوفاء بواجبهم في حماية المدنيين في الأرض الفلسطينية المحتلة.