حدود التفاؤل والتشاؤم في المصالحة
جريدة الحياة الجديدة
بقلم عادل عبد الرحمن 24-2-2012
الشعب الفلسطيني حيثما كان بحاجة دائمة لبعث روح الامل والتفاؤل في اوساطه وفي مختلف القضايا، التي تمس وحدته ومستقبله السياسي. لأن الامل يغذي الايمان والارادة الوطنية بالحوافز والمثابرة على بذل الجهود المتواصلة لكسر حدة الاستعصاءات والعراقيل، وفتح الآفاق امام المزيد من الانجازات الوطنية.
في نطاق ذلك، يمكن الافتراض ان اجتماع المكتب السياسي لحركة حماس قبل يومين في العاصمة المصرية حمل بشائر ايجابية، لا سيما انه عقد عشية لقاء الرئيس محمود عباس مع خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس واجتماع الاطار القيادي لمنظمة التحرير في القاهرة امس وامس الاول بالتوالي، وصدور بيان رسمي عن الاجتماع يؤكد موافقة قيادة الحركة على اعلان الدوحة. اي ان السمة البارزة لبيان المكتب السياسي لحماس، انه طوى على الاقل راهنا صفحة التجاذب والتناقض في صفوف الهيئات القيادية للحركة. مع ان سعة فوهة التناقض اعمق من مساحة لقاء للمكتب السياسي بغض النظر عن الساعات الطوال التي استغرقها الاجتماع المذكور.
مع ذلك على المراقب الموضوعي، ان يفتح جادة الامل والتفاؤل بما نتج ظاهريا عن اجتماع قيادة حركة حماس. لكن ما يضع علامة سؤال على سقف التفاؤل، ان حالة التجاذب القوية بين اقطاب حركة حماس، التي سادت الاجتماع دفعت اتجاه ابو الوليد للتراجع امام شراسة تيار الزهار، الذي يمثل الاقلية. غير ان امتداداته التنظيمية في الضفة والسجون وداخل اوساط كتائب عز الدين القسام، منحته قوة في مواجهة الاغلبية القيادية، وهذا بدوره ساهم في تراجع خالد مشعل، وسعيه لايجاد قواسم مشتركة مع تيار الزهار - ابو مرزوق ومن لف لفهم، تمثلت في القبول باعلان الدوحة، حتى لا يحدث كسر وتشوه لصورة زعيم الحركة هذا من جهة، ومن جهة اخرى، استجاب رئيس المكتب السياسي لاشتراطات تيار الزهار لتمرير رئاسة الرئيس ابو مازن رئاسة الحكومة، ومنها: اولا، تأدية الرئيس القسم امام المجلس التشريعي، وثانيا، مشاركة حماس في اختيار الوزراء، وتحديد اسماء الوزراء في الوزارات السيادية ( المالية والعدل والداخلية)؛ وثالثا، وهو ذات الصلة بالشرط السابق تفعيل المجلس التشريعي، وعمليا اخضاع الوزراء لتصويت اعضاء التشريعي؛ ورابعا، ادخال تعديلات على النظام الاساسي لتجاوز تسلم الرئيس رئاسة الحكومة؛ وخامسا، معالجة والبت بموضوع الاطار القيادي لمنظمة التحرير قبل تشكيل الحكومة، وبحيث يكون بيان الاطار السياسي، الذي من المفترض ان يجمع بين اشكال النضال المختلفة، هو برنامج الحكومة السياسي؛ وسادسا، فرض المحاصصة ( صيغت بتعابير اكثر قبولا “الشراكة”) بين حماس وفتح في السلك الديبلوماسي والمستوى الامني وفي كل مناحي عمل السلطة خاصة المالية ... الخ
بعض هذه الاشتراطات سمعها رئيس السلطة الوطنية قبل توجهه للقاهرة من نواب وقيادات حركة حماس، الذين التقاهم في المقاطعة ( مقر الرئاسة) يوم الاثنين الماضي. وهذه الشروط تضع مجددا العصي في دواليب المصالحة، لان رئيس منظمة التحرير لا يقبل بها. لا سيما انها تعطل ولا تساعد على فتح الافق نحو الخروج من مأزق الانقلاب الاسود على الشرعية. لانها ايضا تفتح شهية المتنفذين في حماس على الاستئساد اكثر فاكثر، والعمل بشكل متواصل لانتزاع تنازلات من الرئيس ابو مازن وقيادة فتح حتى لا تبقي لها شيئا وبما لا يحفظ ماء الوجه لاي كان.
المصالحة مصلحة وطنية عليا، لا يمكن التفريط بها، وامست مدعومة عربيا واقليميا وحتى دوليا، ولكن البعض في حماس لا يريدها لاعتبارات شخصانية وفئوية ولاجندات اقليمية، قافزا هذا البعض عن الاخذ بعين الاعتبار مصالح حركة حماس اولا، ومصالح وقرارات التنظيم الدولي لحركة الاخوان المسلمين ثانيا، والفوائد التي ادركها تيار خالد مشعل من خلال استعادة الوحدة الوطنية، والانضمام للممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، منظمة التحرير الفلسطينية.
ولكن المصالحة لا يمكن ان تقوم بطريقة “على بركة الله”. مثل هذه السياسة تعمق الازمة ولا تحلها، أو بتعبير آخر تصب في خانة اعداء المصالحة والوحدة الوطنية. لذا لا بد من وضع ضوابط وطنية عامة لتحقيق المصالحة، وايضا فتحاوية خاصة ، لان فتح، شاء المرء أم ابى، هي التنظيم القائد للمشروع الوطني، وهي حاملة راية الوطنية الفلسطينية، الامر الذي يفرض عليها وضع تصور سياسي واداري وامني وثقافي - تربوي ومالي لكيفية تحقيق المصالحة واستعادة الوحدة الوطنية بالشاكلة التي تليق بالشعب العربي الفلسطيني وكفاحيته واهدافه الوطنية.
في ضوء ما تقدم، يصعب جدا على المراقب تغليب حدود التفاؤل على حدود التشاؤم. ولكن ذلك لا يمنع كل المعنيين بالمصالحة من فتح وحماس والشعبية والديمقراطية والحزب وغيرها من القوى السياسية والاجتماعية والثقافية حشد طاقاتها للضغط على القوى المعطلة للمصالحة، وحشرها في الزاوية للخروج من نفق الانقلاب واتباعه والمستفيدين منه، وبلوغ هدف المصالحة والوحدة الوطنية.