عقدة الحكومة مجدداً
جريدة الايام
بقلم رجب أبو سرية-24-2-2012
تمر الأيام والأسابيع على اتفاق الدوحة، وما من خطوة عملية واحدة على طريق تنفيذ الاتفاق، بما يوحي بأنه قد يلحق بسابقه _ اتفاق القاهرة الموقع بين حركتي فتح وحماس، منذ نحو عام _ دون أن يضع الطرفان حداً للانقسام الفلسطيني الداخلي، رغم أن الشارع الفلسطيني بمجمله يرغب في هذه الخطوة أكثر من أي شيء آخر.
ورغم أن اتفاق الدوحة وضع حداً لعقدة المنشار التي اعترضت اتفاق القاهرة، وحالت دون السير العملي على طريق إنهاء الانقسام _ نقصد بذلك _ عقدة الحكومة، وتحديداً تسمية رئيسها، حيث بادر الأخ خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، كما تقول التسريبات، إلى اقتراح اسم الرئيس محمود عباس، رئيساً لحكومة التوافق الانتقالية، وذلك تجاوزاً لهذه العقبة، ما فتح الأبواب واسعة للأمل بأن يكون اتفاق الدوحة مختلفاً عن سابقه، خاصة وانه انعقد تحت الرعاية القطرية، الداعم السياسي والمالي الرئيسي لسلطة "حماس" في غزة، وبمباركة الشيخ يوسف القرضاوي، أي بدعم إخواني واضح، لذا فقد شاع الأمل بان الاتفاق هذه المرة إنما هو قابل للتنفيذ، وان الإخوان الذين باتوا أكثر تأثيراً على "حماس" من محور الممانعة، بل وباتت "حماس" جزءاً من الحالة الإخوانية الإقليمية _ تماماً كما كان حالها _ قبل نحو ربع قرن، بما يعني أن "حماس" / غزة، وهي رأس مال الحركة وكانت مركز ثقل حركة الإخوان إلى ما قبل الربيع العربي، لن تستطيع هذه المرة أن تحول دون تنفيذ الاتفاق الذي يضع حداً للانقسام وبالتالي لسلطتها في غزة، ومراهناتها على اعتراف إقليمي ومن ثم دولي بكيانها في غزة!
لم تكف ثلاثة أيام من الاجتماعات القيادية في القاهرة، لتجاوز تبعات عقدة تشكيل الحكومة، حتى ينطلق قطار إنهاء الانقسام، ولو كان هناك من خبر سعيد، لزفه الرجلان المتحالفان، دون إرادة تامة، على ما يبدو من قبل حركتيهما، نقصد أبو مازن وأبو الوليد، مع ذلك فإن اجتماع الهيئة القيادية لـ م.ت.ف لا يبدو أن من شأنه أن يعوض الفلسطينيين عن الإحباط المتواصل الذي ينتابهم كلما اجتمعت القيادات الفلسطينية في القاهرة، دون أن تتقدم إلى الأمام بأي خطوة، لا على طريق إنهاء الانقسام ولا على طريق تفعيل أو إصلاح م.ت.ف، ولا على طريق دعم ملف فلسطين في الأمم المتحدة، ولا حتى على أي صعيد آخر.
احتاج الإخوان وقيادة "حماس" إلى نحو أسبوعين لإقناع "حماس" / غزة، بضرورة الموافقة على إعلان الدوحة، أو على إظهار وحدة الحركة أولاً وهذا هو الأهم، ويبدو أن "توافق" "حماس" الداخلي كان مشروطاً، بالتقدم إلى أبو مازن، بجملة من الشروط، على طريق تنفيذ الاتفاق، بعضها محق بنظرنا، وبعضها صعب إن لم يكن مستحيل التطبيق، حتى لو كان محقاً، وبعضها غير منطقي على الإطلاق، وهذا يعني بالجملة بأن هذه الشروط قد تحيل الموقف من الإعلان إلى صيغة _ نعم ولكن _ أي الموافقة الشكلية أو الخارجية والمعارضة الفعلية أو الحقيقية، وهي إن لم تجعل تنفيذ الاتفاق مستحيلاً فإنها تحتاج وقتاً إضافياً للتنفيذ، وهو الوقت التي تتقلب على ناره أرواح وقلوب الفلسطينيين، الذين يتوقون لوضع حد للانقسام اليوم قبل الغد.
تشير بعض المصادر إلى أن "حماس" تشترط أن يتقدم أبو مازن للمجلس التشريعي لنيل ثقته كرئيس للحكومة، وهذا يعني أن "حماس" تريد أن تصطاد أكثر من عصفور بحجر واحد، فهي تريد أن تضمن تفعيل المجلس التشريعي في اللحظة ذاتها التي تسقط فيها حكومتها في غزة، وسلطتها الرسمية في القطاع، وهذا ربما كان أمراً فيه وجاهة، لكن ذلك يعني في الوقت ذاته أن الأمر سيختلط على الناس، فالرئيس منتخب من الشعب مباشرة، ولا يحتاج إلى أن يكون خاضعاً هو شخصياً للمجلس التشريعي ولا لثقته، ربما هذا ينطبق وبالضرورة على الوزراء الآخرين، والأمر الآخر أن ذلك قد يفتح الباب واسعاً أمام تعطيل هذه الثقة بحجة الجانب القانوني الذي أثير حول عدم "دستورية" أن يجمع رئيس السلطة منصب رئاسة الحكومة في الوقت ذاته.
الشرط الثاني هو أن تختار "حماس" أحد قيادييها ليكون نائباً لرئيس الوزراء _ ربما يكون المقصود إسماعيل هنية نفسه _ وهذا يعني أن الرئيس لم يستطع في نهاية المطاف وبعد أكثر من خمس سنوات أن "يقيل" رئيس حكومة "حماس"، بل هو صار نائباً له، ولأنه رئيس السلطة أيضاً، فإن من يشغل منصب نائب الرئيس، قد يتحول إلى نائب لرئيس السلطة لاحقاً، أو مرشح لرئاسة السلطة حين تجري الانتخابات القادمة.
الشرط الثالث وهو ربما الأهم هو أن "حماس" تريد أن تحتفظ بحقها الذي يعكسه وزنها في المجلس التشريعي الحالي، وهو أغلبية المجلس الوزاري، فهي تطالب بـ 51 % أي النصف زائد واحد من وزراء الحكومة الجديدة، بما يعني أن قرارات الحكومة ستكون بيدها، بعد ذلك هي تريد وزارات: المالية، العدل والداخلية.
ربما كان مطلب الداخلية موازياً للخارجية، والعدل ربما لأن "حماس" تريد أن تطمئن كوادرها من إغلاق باب الملاحقة القضائية، جراء ما حدث إبان الانقلاب، أما المالية، فطبعاً لأنها أهم وزارة _ تقريباً _ لكن ذلك يعني بأن الهدف الذي كان وراء اقتراح أبو مازن لرئاسة الحكومة وهو الاحتفاظ بفياض وزيراً للمالية، يتبدد في الهواء، وبما لا يضمن ألا تدخل السلطة في نفق الضغوط المالية، ربما لأن "حماس" تعول على نقل وجهة المساعدات من الغرب، أو المجتمع الدولي إلى العرب، حيث تصبح السلطة هكذا مرهونة أكثر لقطر، بالذات وربما كان الهدف تعجيزياً، أو مطلباً تكتيكياً / تفاوضياً، هذا ما تضعه "حماس" على طاولة الحوار مع أبو مازن فماذا يقول هو بدوره ؟ القول والرد بالطبع ينتهي إلى اتفاق أو افتراق ويحتاج إلى وقت أيضاً.
على أي حال، لا يمكن القول _ الآن _ وبعد لقاء عباس / مشعل أول من أمس في القاهرة، إن إعلان الدوحة قد بات طي النسيان، ولا انه قد وضع على سكة التنفيذ، فمن الواضح أن الطرفين بحاجة إلى وقت طويل لمتابعة التفاصيل، لكن من الواضح أن إجراء الانتخابات في الرابع من أيار القادم، موعد مرور عام على اتفاق المصالحة في القاهرة، قد بات أمراً غير قابل للتنفيذ، وربما تشكيل الحكومة ذاتها لا يكون قد تحقق حتى ذلك الوقت، وربما أكثر من ذلك لا يمكن ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي، قبل إجراء الانتخابات الرئاسية المصرية وقبل حسم الصراع على السلطة في سوريا، وبذلك من الصعب القول إن الفلسطينيين قادرون على إدارة أية معركة مع الإسرائيليين بنجاح وفاعلية، ما لم يتحلوا بروح الكفاح التي سطرها رجل ينتمي إلى عصر البطولة _ خضر عدنان _ وما لم يتغير كل هذا الطاقم القيادي الذي أدمن "الكفاح السياسي" في أروقة الفنادق وعلى مقاعد الطائرات، وفي العواصم بعيداً عن أزقة المخيمات والحواجز ونقاط المواجهة الساخنة على الأرض الفلسطينية، وميادين الوحدة الوطنية، حيث نعتقد أن الفلسطينيين بحاجة إلى هيئة موحدة لقيادة المواجهة مع الاحتلال أكثر مما هم بحاجة إلى حكومة يتوافق فيها الطرفان على توزيع الامتيازات أو يتصارعان على من ينال فيها الحصة الأكبر.