افتتاح 'المؤتمر الدولي للدفاع عن القدس' في الدوحة
الدوحة- وفا 26-2-2012
افتتح في العاصمة القطرية الدوحة، اليوم الأحد، 'المؤتمر الدولي للدفاع عن القدس'، تنفيذا لقرار القمة العربية الأخيرة في مدينة سرت الليبية، تضامنا مع مدينة القدس ودعم صمودها في مواجهة التهديدات الإسرائيلية.
ويشارك في المؤتمر نحو 350 شخصية معنية بالقدس؛ ويشتمل على محاور أساسية عدة، منها: القدس في القانون الدولي، والقدس والتاريخ، ومناقشة مساعي إسرائيل لتزييف تاريخ المدينة المقدسة، كما سيتناول المؤتمر الانتهاكات الإسرائيلية بتفصيلاتها المختلفة؛ مثل: الاعتداء على المقدسات والتراث في المدينة، وتجريف المقابر وتأثير السياسات الإسرائيلية على الصحة والتعليم في المدينة المقدسة.
وفي كلمته في افتتاح المؤتمر، اقترح أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، التوجه إلى مجلس الأمن بغرض استصدار قرار يقضي بتشكيل لجنة تحقيق دولية للتحقيق في جميع الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل منذ احتلال عام 1967 في القدس العربية بقصد طمس معالمها الإسلامية والعربية، وهو ما ينسجم مع قرارات عديدة سابقة لمجلس الأمن يدعو فيها إسرائيل للتراجع عن جميع الإجراءات التي اتخذتها لتهويد القدس.
وأكد أن عروبة القدس في خطر داهم وأنها تذوب وتتلاشى، داعيا للتحرك السريع من أجل وقف تهويد القدس، لافتا إلى أن ما تقوم به إسرائيل في القدس يعتبر انتهاكاً صريحاً للقانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني وللعديد من قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة المتعلقة بحقوق الشعب الفلسطيني، مشيرا إلى أن الجانب القانوني لوضع القدس واضح أشد الوضوح، وهذا ما يدعو إلى التأكيد بأن وضع القدس الحالي يستدعي وقفة حازمة لمواجهة هذا التحدي الإسرائيلي السافر والذي يجعل عروبة القدس في خطر داهم.
ودعا أمير قطر القيادة الفلسطينية إلى إنفاذ المصالحة، واعتبار القدس وحريتها نقطة ارتكاز لكل الفلسطينيين ولتكن المحفز لإتمام المصالحة وإنهاء الانقسام، إضافة إلى إعداد إستراتيجية شاملة وموسعة للقطاعات المختلفة والمشاريع التي تحتاجها المدينة، مؤكدا استعداد دولة قطر للمشاركة بكل إمكاناتها ليس فقط في سبيل إنجاز هذه الإستراتيجية، بل أيضاً في وضعها موضع التنفيذ.
وأشار إلى أن انعقاد المؤتمر اليوم، يؤكد أن القدس عربية منذ الألف الثالثة قبل الميلاد، وأن القدس العربية تكاد تفقد هويتها العربية والإسلامية جراء الانتهاكات الجسيمة لدولة إسرائيل، خاصة في الأفعال الوحشية في باحات المسجد الأقصى، مؤكدا إن الإسرائيليين لا يدركون أن لا دولة فلسطينية بدون القدس ولا قدس بدون الأقصى.
وشدد على أن العودة إلى القدس لا تتم بالشعارات والخطابات والمؤتمرات، بل بالقيام بواجبنا للدفاع عنها وحمايتها من التهويد والتشويه، وتقديم العون لأهلنا هناك مسلمين ومسيحيين للاستمرار بالصمود في وجه مشروع القدس الكبرى الصهيوني.وأثنى الرئيس محمود عباس في كلمته خلال المؤتمر، على اقترح أمير قطر، بالتوجه إلى مجلس الأمن بشأن حماية القدس.
واستعرض سيادته ما تتعرض له القدس من ممارسات واعتداءات متواصلة تستهدف تهويدها وتغيير طابعها العربي الإسلامي والمسيحي.
وأوضح أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تسَرِّع وبشكل غير مسبوق، وباستخدام أبشع وأخطر
الوسائل، تنفيذ خطط ما تعتبره المعركة الأخيرةَ في حربها الهادفة لمحو وإزالة الطابع العربي الإسلامي والمسيحي للقدس الشرقية، سعياً لتهويدها وتكريسها عاصمة لدولة الاحتلال.
وأشار إلى أن محاولات سلطة الاحتلال تحقيق هدفها النهائي من هذه الخطط في القدس تتم على ثلاثة محاور متلازمة ومتداخلة ومتزامنة، المحور الأول: تعمل سلطة الاحتلال من خلاله على تغيير معالم وبنية المشهد، والمحور الثاني: استكمال خطة التطهير العرقي، والثالث: تعمل سلطات الاحتلال من خلاله على إفقار المدينة المقدسة وتدمير بنيتها التحتية وضرب مواردها الاقتصادية.
وأكد سيادته أن الاحتلال يهدف إلى حرمان القدس من أداء دورها التاريخي والديني، ويريد أن يلغي تميزها كمركز حضاري طليعي وعالمي، لم يتوقف يوماً عن الإسهام في الحضارة الإنسانية وإغنائها، ساعياً لتحويلها إلى أحياء قديمة متداعية، ومساجد وكنائس مهجورة، وأسواق وشوارع خالية، يريد أن يعيد جوهرة فلسطين وزهرة مدائنها قروناً إلى الوراء.
وأكد أن قضية القدس يجب أن تصبح العنوان المركزي والأساس والجوهري في علاقات الدول العربية والإسلامية السياسية والاقتصادية مع دول العالم، ويتوجب علينا جميعا بلورة خطة عمل موحدة مع الكنائس المسيحية المختلفة المعنية بالحفاظ على الكنائس كأماكن للعبادة وليس أماكن للسياحة.
وأكد أن ما يسمى قانون ضم القدس الذي سنته إسرائيل في السابع والعشرين من حزيران عام 1967 هو باطل، وأن القدس الشرقية هي العاصمة الأبدية لفلسطين.
وشدد على ضرورة السعي لتعزيز البنية التحتية للمجتمع المقدسي عبر تبني المشاريع المخصصة لدعم المؤسسات وغيرها من المشاريع في المدينة المقدسة، إضافة إلى إبداع حالة تواصل دائم مع أبناء القدس لكسر الحصار المفروض عليها وعليهم.
ولفت إلى أهمية تشجيع كل من يستطيع على التوجه لزيارة القدس، وبخاصة الأخوة من الدول العربية والإسلامية، إضافة إلى العرب والمسلمين والمسيحيين في أوروبا وأميركا، مؤكدا على أن 'زيارة السجين هي نصرة له ولا تعني بأي حال من الأحوال تطبيعاً مع السجان، فالقدس هي عنوان هويتنا، وهي البداية والنهاية، وهي مفتاح السلام، هي واسطة عقد مدننا، والقلب النابض لوطننا، ودُرة تاجنا الفلسطيني والعربي والإسلامي والمسيحي، عاصمة وطننا التاريخية الأبدية، دولة فلسطين المستقلة.
من جهته، قال الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي أكمل الدين إحسان أوغلي، أن 'التحدي الذي تخلقه ممارسات إسرائيل المجافية للقوانين الدولية في القدس، ينبغي مواجهته على أرض القدس ذاتها، عبر تثبيت أهلها من خلال الاهتمام بالقطاعات الحيوية، ومساعدتهم على مجابهة ما يراد لمدينتهم من محاولات للتهويد'.
وأكد في الوقت ذاته، أن ما يتم تقديمه للقدس يعد ضئيلا ومتواضعا جداً بالنظر إلى ما تحتاجه المدينة لمواجهة المشروع الإسرائيلي الضخم الذي يتسم بالمنهجية وتتوفر له ميزانيات كبيرة.
وتوجه أوغلي في كلمته أمام المؤتمر، بالدعوة إلى الدول الإسلامية، والمقتدرين فيها، وللمؤسسات التمويلية لتقديم كل ما يمكن لنصرة القدس. وقال إن المنظمة انتهت من تنفيذ مشروع لتنمية قطاع الشباب في القدس الشريف، مضيفا أن البنك الإسلامي للتنمية واصل تمويل عدد من المشاريع في مختلف القطاعات في المدينة المقدسة، إضافة إلى مشاريعه الأخرى الهادفة إلى تنمية قطاعي الصحة والتعليم في المدينة المقدسة، ولفت إلى أن صندوق التضامن الإسلامي مستمر كذلك في تمويل ترميم وتأهيل عدد من مدارس القدس الشريف.
في غضون ذلك، قال أوغلي إنه أبلغ وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بأن المنظمة تعتبر المسجد الأقصى المبارك خطا أحمر للأمة الإسلامية، مطالبا إياها بضرورة الوقف الفوري للانتهاكات الإسرائيلية في القدس، وشدد على أن قضية القدس كانت ولا تزال محور التحركات السياسية للمنظمة مع مختلف زعماء العالم ومسؤوليه، وخاصة الاجتماعات التي
جمعت الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي مع الاتحاد الأوروبي، وبشكل خاص مع الرئاسة الدورية للاتحاد ومفوضة علاقاته الخارجية.
وأوضح أوغلي أنه وجّه العديد من الرسائل إلى وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، دعاهم فيها إلى تنفيذ التوصيات التي تضمّنها تقرير رؤساء البعثات الدبلوماسية الأوروبية في فلسطين بشأن القدس.
بدوره، قال أمين جامعة الدول العربية نبيل العربي، إن انعقاد هذا المؤتمر مهم في ظل ما تتعرض له القدس من انتهاكات، وما تحتله مدينة القدس محورا هاما في فكر الدول العربية والإسلامية، باعتبارها مدينة للتسامح وتعايش الأديان.
وأوضح أن الاحتلال الإسرائيلي عمل على تهويد المقدسات واقتلاع وتهجير الإنسان المقدسي عبر سن القانوني وإحكام السيطرة على القدس، تحت ادعاء فراغ سيادة على القدس، وهو ما يتنافى مع أحكام القانون الدولي.
وشدد العربي على ضرورة الوقوف إلى جانب الفلسطينيين في إطار الدفاع عن مدينة القدس وإقامة دولتهم، وأن هناك مسؤولية دولة تقع على جميع الدول الموقعة على اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، موضحا أن تحقيق السلام لا يكون إلا بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي والانسحاب من جميع الأراضي المحتلة عام 1967، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة القابلة للحياة، وعاصمتها القدس الشرقية وعودة اللاجئين وإطلاق سراح جميع الأسرى.
وقال رئيس الحكومة المغربية عبد الإله بنكيران، إن انعقاد المؤتمر يأتي في ظروف إقليمية ودولية عصيبة، تلقي بظلالها على العملية السلمية في ظل الانتهاكات الإسرائيلية ومواصلة المخططات الهادفة لانتهاك مقدسات القدس بما فيها معالمها الثقافية والدينية؛ سيما المسجد الأقصى، وذلك في خرق سافر لقرارات الشرعية الدولية وأحكام القانون الدولي التي تعتبر القدس الشرقية جزءا من الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967.
وأضاف 'إن الممارسات الأحادية الجانب الرامية إلى تغير معالم القدس من الحفريات، واقتحامات لباحات المسجد الأقصى، واستيطان ومصادرة الأراضي، تقوض الجهود المبذولة للتوصل للجهود القائمة على حل الدولتين، كما أنها تعمق الهوة بين الأطراف المعنية في الحوار وتهدد الأمن والاستقرار في المنطقة' .
وأكد بنكيران باسم الأمانة العامة لرئاسة لجنة القدس المنبثقة عن منظمة التعاون الإسلامي، دعوة اللجنة المجتمع الدولي دائما إلى إلزام إسرائيل بوقف المخططات التوسعية، والممارسات المتصاعدة، داعيا إلى بلورة إستراتيجية شاملة الأبعاد في من خلال كل الوسائل من اجل الدفاع عن المدينة المقدسة.
وشدد على انه لن يكون سلام دون إقامة الدولة الفلسطينية، تعتبر القدس الشرقية كعاصمة لها منفتحة على جوارها وعلى كل الأديان، داعيا إلى تكثيف الجهود الميدانية لزيادة سيادة حرمة المسجد الأقصى والحفاظ على الذاكرة الحضارية للقدس، ودعم وتعزيز صمود المقدسيين في ظل الممارسات الإسرائيلية الرامية للاستيلاء على المدينة وتهويدها.
وأشار إلى أهمية إقامة تحالف عالمي بين كل القوى الحية لإنقاذ مدينة السلام والحفاظ على مورثوها الحضاري المشترك، كما جاء في النداء الذي أطلق عام 2009 في الرباط، ومضاعفة الجهود في إطار الدفاع عن القدس.
من جانبه، طالب الحاخام هيرش من حركة 'ناطوري كارتا' اليهودية، بضرورة محاكمة القيادات الصهيونية وتقديمهم إلى المحكمة الدولية، بتهم ارتكاب جرائم حرب ضد الشعب الفلسطيني.
وأشار إلى أن الصهاينة لا يتمتعون بأي حقوق سواء في مدينة القدس، أو الحرم الإبراهيمي في الخليل، داعيا إلى عدم الوقوف إلى جانبهم أو مساندتهم في الانتهاكات التي يقومون بها في الأرض الفلسطينية.
وقال هيرش إن توقيع اتفاق المصالحة بين حركتي فتح وحماس، من شأنه تذليل العقبات أمام تحرير الأرض المقدسة من الصهاينة الذين لا يمثلون الشعب اليهودي، وهم غير مخولين للحديث باسمه.
من جهته، قال مفتي القدس والديار المقدسة الشيخ محمد حسين، إن مدينة القدس تتعرض لحملة شرسة تستهدف تغيير معالمها، بدأت منذ عام 1967 وما زالت مستمرة، حيث بدأت سلطات الاحتلال بهدم حارة المغاربة ولم يبق منها إلا تلة المغاربة وهي تتعرض الآن للهجوم، في انتهاك واضح، عدا عن اعتبار الاحتلال المدينة عاصمة للدولة اليهودية.
وحذر الشيخ حسين من أن أخطر الانتهاكات الإسرائيلية تتمثل في الحفريات المستمرة منذ أعوام تحت المدينة، وبالأخص أسفل المسجد الأقصى لهدمه وإقامة الهيكل المزعوم، إلى جانب الاقتحامات المستمرة لباحاته في محاولة وسعي إسرائيلي مستمر لتقسيمه.
وأشار المفتي إلى أن الأقصى تعرض إلى نحو 150 اعتداء خلال العام المنصرم، منوها إلى أن العام الجاري مرشح لزيادة حجم هذه الاعتداءات.
من جانبه، قال البطريرك ميشيل الصباح، إن 'القدس هي تراث إنساني للإنسانية جمعاء، وإن ما يجري فيها هو صراع سياسي وعسكري بامتياز'.
وأضاف 'أنا مسيحي قادم من القدس أحمل منها رسالة مسيحية شاملة بشمولية المدينة، وبرؤية عربية فلسطينية مفادها أن المدينة هي عاصمة للدولة الفلسطينية، في ظل ما تتعرض له المدينة من هجمة احتلالية تهدف لنزع الطابع العربي عن المدينة وتحويلها إلى مدينة يهودية'.
وتابع البطريرك صباح قائلا: 'المدينة تحتضر وهذا المؤتمر لا يزيل خطر الموت عنها، إلا إذا جاء بما هو مطلوب حقا، بوعي جديد، وبهمة جديدة تعمل لتغيير ما تتعرض له المدينة'.