دعم سياسي ومالي للقدس
جريدة القدس
حديث القدس 27-2-2012
يتزامن مؤتمر الدوحة الدولي حول القدس الذي بدأ أعماله رسمياً أمس، مع تسارع التصعيد الاسرائيلي في المدينة المقدسة، الذي يستهدف مقدساتها وأهلها وتوسيع وتكثيف الاستيطان فيها لتهويدها، ولعل ما شهده الاقصى خلال الاسابيع الماضية من انتهاكات فظة من قبل السلطات الاسرائيلية والجماعات اليهودية المتطرفة ما يؤكد هذا التصعيد، عدا عن ان الاماكن المقدسة الاسلامية والمسيحية على حد سواء تتعرض منذ سنوات طويلة لاعتداءات متواصلة، فيما تفرض سلطات الاحتلال طوقا خانقا على المدينة يحرم المسلمين والمسيحيين من الوصول الى اماكنهم المقدسة وأداء صلواتهم بحرية.
ومن الجهة الاخرى فان اسرائيل تواصل تنفيذ سلسلة من الاجراءات بحق المقدسيين في إطار سياسة تستهدف بشكل واضح دفع العدد الاكبر من المقدسيين الى مغادرة المدينة المقدسة بسبب الملاحقات الضريبية وأزمة الاسكان ورفض السلطات الاسرائيلية تقديم رخص بناء للمقدسيين، اضافة الى عمليات هدم المنازل الفلسطينية والاستيلاء على العقارات تحت حجج وذرائع واهية.
ومما لا شك فيه ان ما تتعرض له القدس بأهلها ومقدساتها لا يتناقض فقط مع الشرعية الدولية والقانون الدولي او مع ما يسمى بعملية السلام وانما يشكل التصعيد الاسرائيلي بهذا الشأن عاملا رئيسيا في زيادة التوتر ودفع المنطقة مجددا نحو دوامات العنف وسفك الدماء، خاصة وان الاماكن المقدسة تشكل خطا احمر للعالمين العربي والاسلامي، ولا يمكن بأي حال من الاحوال السكوت على الاعتداءات الاسرائيلية المتكررة على الاماكن الاسلامية والمسيحية المقدسة في المدينة وخاصة الحرم القدسي.
ولذلك فان مؤتمر الدوحة الدولي حول القدس يكتسب اهمية خاصة في هذا التوقيت تحديدا، كما ان الرئيس عباس وضع النقاط على الحروف في كلمته الشاملة التي اشار فيها الى المخاطر الحقيقية والتحديات الناجمة عن سياسة الاحتلال الاسرائيلي، فيما يتعلق بالقدس، كما وضع النقاط على الحروف فيما يخص متطلبات الصمود ومواجهة هذه التحديات وفي مقدمتها حشد الدعم السياسي والمالي للمدينة المقدسة.
سياسيا فان المطلوب من العالمين العربي والاسلامي خطة تحرك واضحة في مختلف المحافل الدولية لمواجهة السياسة الاسرائيلية ومطالبة المجتمع الدولي باتخاذ إجراءات جادة لوقف اسرائيل وكف يدها عن الاماكن المقدسة ووقف انتهاكاتها الفظة لحقوق الانسان الفلسطيني في القدس خاصة سياسة التطهير العرقي التي تنفذها مختلف اجهزتها ووزاراتها.
ومن الواضح ان الجانب الفلسطيني يثمن عاليا الاقتراح الذي تقدم به امير قطر امام المؤتمر بوضع ملف القدس على طاولة مجلس الامن الدولي، خاصة وان هناك الكثير من القرارات الدولية بشأن القدس التي لم تطبقها اسرائيل وضربتها عرض الحائط، وخاصة ان قضية القدس كان يفترض ان تبحث منذ وقت طويل في إطار مفاوضات الحل الدائم التي سدت اسرائيل الطريق أمامها، كما ان من المحظور على اسرائىل وفقا للاتفاقيات الموقعة القيام باجراءات من جانب واحد يمكن ان تؤثر على نتائج المفاوضات فيما يتعلق بالقدس او غيرها، وهو ما تقوم اسرائيل بعكسه تماما من خطوات متسارعة لتهويد المدينة المقدسة وحسم مصيرها.
وبالنسبة للدعم المالي، وعلى الرغم من تقدير الجانب الفلسطيني لمختلف اشكال الدعم التي قدمتها دول عربية واسلامية وصديقة للقدس، الا ان من المؤسف القول ان الدعم العربي- الاسلامي لمدينة القدس واهلها لم يرق حتى الآن الى مستوى التحديات التي تواجهها القدس ولا الى الحد الادنى اللازم لدعم صمود المقدسيين ومؤسساتهم. كما ان الكثير من قرارات الدعم بقيت حبراً على ورق ولم تف الدول التي تعهدت في اكثر من مؤتمر بدعم القدس، بالجزء اليسير من الدعم المالي.
وفي المحصلة، فان العالم العربي والاسلامي اليوم امام تحد رئيسي يتعلق بمستقبل ومصير القدس واماكنها المقدسة وهو تحد لا تخفيه اسرائىل بل تجاهر علنا به متحدية المجتمع الدولي بأسره، فإما ان يقف العالم العربي والاسلامي وقفة جادة موحدة ويتحرك بفاعلية في الامم المتحدة ومجلس الامن وكل المحافل الدولية لمواجهة السياسة الاسرائيلية بما في ذلك اوراق الضغط التي يمتلكها الاردن ومصر تحديدا، وان تفي الدول العربية والاسلامية بالتزاماتها المالية لدعم الوجود العربي الفلسطيني في المدينة المقدسة، وإما ان نبقى نراوح في نفس المكان، فيما تواصل اسرائيل تنفيذ مخططاتها الخطيرة وتكتفي بعض العواصم العربية والاسلامية ببيانات الشجب والاستنكار التي يدرك مصدروها ان الاحتلال الاسرائيلي لا يعبأ بها منذ أمد بعيد.