الدور التاريخي للرئيس عباس
عمر حلمي الغول
17-10-2017
قبل ولوج فصول كتاب "الفلسطيني الأخير: صعود وعهد محمود عباس" للمؤلفين غرانت روملي: باحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في الولايات المتحدة، مختص في المسألة الفلسطينية، عاش في مدينة القدس، أسس وعمل كمحرر في مركز القدس لشؤون الشرق الأدنى، وعمل قبل ذلك مستشارا لشؤون الشرق الأوسط في واشنطن. وأمير تيبون: صحفي إسرائيلي حائز على جوائز صحافية عدة ويعمل حاليا كبير مراسلي صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في واشنطن. تملي الضرورة التأكيد على بديهيات في فن الكتابة، فالكتابة أنواع واشكال، وليست نمطا واحدا، والمقصود هنا الكتابة السياسية خصوصا والبحثية عموما، لأن هناك فرقا بين كاتب وآخر، وبين بحث ودراسة أخرى. كون مدارس وفرق البحث مختلفة ومتعددة، وكل مدرسة لها منهجها الخاص. فهناك كتابات علمية تعتمد منهجية بحثية، تستند إلى مصادر عدة لدعم إسهاماتها وإستخلاصاتها المسؤولة. ويفترض ان يقدم الباحث، اي باحث إسهاما معرفيا حتى لو كان البحث عبارة عن شهادة حول شخص او عمل مؤسسة او قضية ما. وحتى في هذا النطاق توجد ايضا مناهج بحث عديدة (وصفية او تاريخية او تحليلية..). وهناك دراسات وكتب بعيدة كل البعد عن اي منهجية، ولا تعدو أن تكون سفسطة ساذجة تحمل طابعا انتقاميا ضد شخص او مجموعة بشرية أو مؤسسة او حزب او دولة، حيث يُفرغ المؤلف او مجموعة المؤلفين جل غضبهم وسخطهم كيفما كان على المستهدف، ولا يتورعون عن اللجوء إلى التزوير او الاقتباسات والاستشهادات المثلومة او الكيدية او المتناقضة مع المقصود بعملية التشهير. وهنا تفتقد اللغة إلى الحساسية والرشاقة والمصداقية، فيأتي الكتاب او الدراسة نوعا من التهويش والتضليل السطحي والساذج. وحتى عندما يكتب اي باحث مختص بحثا معينا عن هذا العدو او ذاك، ما لم يستند إلى مصادر علمية في بحثه السياسي او الاقتصادي او الثقافي او الديني يكون البحث عبارة عن ثرثرة فارغة، يؤدي لنتائج عكسية لا تخدم بحال من الأحوال أهداف الباحث، ويدخله في تناقض فاقع مع ما توخاه من غايات ونتائج مرجوة.
ينطبق على القسم الأخير مما تقدم، المقولة التي استوحيتها من الدكتور يوسف إسماعيل "حينما تكون الفرضية نتيجة، تكون الموضوعية ضحية". بتعبير أدق، عندما تقوم مطلق دراسة على الإسقاط الرغبوي، وتوضع النتيجة سلفا قبل استيفاء الباحث مقدماتها واستدراج المعطيات الداعمة والمؤيدة لها، فإنها تقع فريسة الإرادوية، وتنتفي عنها المصداقية، وصفة البحث العلمي. ويزداد بؤس وعقم وإفلاس أي بحث او دراسة حين يتكئ الباحث او الباحثون على استشهادات او اقتباسات من لون واتجاه واحد، ولا يقترب من قريب او بعيد من وجهات النظر الأخرى ذات الصلة لتوسيع دائرة الاستشهادات، بحيث تأتي القراءة البحثية عميقة ومستوفية شروط البحث المتعلق بالموضوع. الأمر الذي يفرض أخذ الاتجاهات كلها المؤيدة والمعارضة او المستنكفة، اي الاتجاهات السلبية والإيجابية والمحايدة لتدعيم وجهة النظر الموضوعية.
وعطفا على ما تقدم وبقراءة علمية وبمعزل عن الكتاب المذكور وما تضمنه، فإن مركبات السياسة في الولايات المتحدة الأميركية وأدواتها الأمنية والبحثية ذات الخلفية اليمينية المحافظة المتطرفة والانعزالية المؤيدة لدولة الاستعمار الإسرائيلية المدعومة من طواغيت المال وإمبراطوريات الإعلام الصهيوأميركية تعمل وفق مبدأ "لا حليف ثابتا إلا المصالح الحيوية الأميركية" ما عدا ذلك متحول ومتحرك. وعندها تتلاشى قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وحق تقرير المصير للشعوب، لأنها مقولات للاستهلاك، ولتضليل البسطاء من بني الإنسان في عموم المعمورة.
هذا هو عنوان الكتاب الذي جاء في تسعة فصول لاك فيها المؤلفان هرطقاتهما وحملتهما التحريضية البغيضة على شخص الرئيس ابو مازن. أتيح لي قراءة نص ملخص لترجمته بالعربية، تركز هدف الكتاب على استهداف شخص الرئيس محمود عباس، والانتقاص من دوره ومكانته كقائد قوي، يملك كاريزما متميزة عبر محاولة "التهميش" مرة، و"الفشل" مرة أخرى، و"الضعف" مرة ثالثة، فضلا عن إلقاء التهم جزافا على الرجل مثل القول إنه "استبدادي" أو "استبدادي وثقيل". ولو توقف المرء أمام التوصيفات السطحية والساذجة، سيجد أنها متناقضة مع بعضها البعض، فكيف يمكن جمع الضعف مع الاستبداد؟ وما هي معايير الفشل والنجاح بالنسبة للمؤلفين؟ ولماذا يأتي إصدار الكتاب الآن؟ وما الهدف من التطاول على الزعيم الفلسطيني؟ ومن يقف خلف المؤلفين؟ أليست القوى الصهيونية المتطرفة وأدواتها الإعلامية والفكرية الرافضة لخيار السلام، والمتشبثة بالاستيطان الاستعماري على كل الأرض الفلسطينية؟
كما اوردت في المقدمة من الواضح ان المؤلفين من اول كلمة إلى آخر جملة حاولا إسقاط رغباتهما المعادية على الرئيس ابو مازن، وشاءا تحميله مسؤولية "فشل" العملية السلمية، وغيبا أي إنجاز للرجل، حتى عندما يدرجان بعض الصفات الإيجابية، فإنهما يستخدمانها في إطار الذم والإساءة لشخصه، ولا يتورعان عن قلب الحقائق رأسا على عقب. ولم يحاولا قراءة المعطيات المحيطة به، ولم يشيرا من قريب او بعيد لدور دولة إسرائيل الاستعمارية في خنق أي أفق لخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967. فيقولان ان الرئيس عباس "فشل بشكل "مأساوي" في تحقيق اتفاق سلام دائم، وتابعا التجديف بذات الاتجاه البائس والمتناقض مع الواقع فكتبا "وأن التاريخ سيحكم على الرئيس عباس على انه "شخصية مأساوية"، وأن إستراتيجية تدويل الصراع هي "إستراتيجية نجاة" اتبعها الرئيس ابو مازن لمواجهة الأخطار السياسية نتيجة فشل عملية السلام، وإن هذة الاستراتيجية جاءت كمحاولة منه لتخريب عملية السلام التقليدية ليتشبث بالسلطة بعد فشل الوصول إلى اتفاق دائم." وبالعودة لجادة السؤال الجواب، يسأل المرء المؤلفين من الذي أفشل عملية التسوية السياسية؟ ومن الذي يواصل تبديد عملية السلام وخيار حل الدولتين؟ هل الرئيس محمود عباس أم الدولة القائمة بالاحتلال؟ من الذي يعلن صباح مساء عن تهويد ومصادرة وأسرلة القدس الشرقية العاصمة الفلسطينية وكل أراضي دولة فلسطين المحتلة عام 1967؟ ألم يقرأا من مصادرهما الإسرائيلية والأميركية أن عدد المستوطنين كان عام 1993 عند التوقيع على اتفاقيات اوسلو حوالي 110 الآف مستوطن، الآن يصل عددهم إلى ما يزيد عن ال700 الف مستعمر؟! من أتى بهؤلاء لاراضي دولة فلسطين المحتلة؟ ولماذا ؟ هل هذا يساعد في بناء ركائز السلام وخيار حل الدولتين على حدود 67 ام العكس؟ لماذا لم يتطرق المؤلفان لسياسات حكومات إسرائيل المتعاقبة وخاصة حكومات نتنياهو الأربع، التي تعلن على الملأ عن رفضها لخيار السلام وحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 67؟ هل رصد المؤلفان ولو بشكل سطحي كما كتابهما حجم أخطارعمليات الإستيطان الإستعماري وبناء جدار الفصل العنصري والحواجز المنتشرة كالفطر على الشعب الفلسطيني واراضيه؟ هل رصدا عدد الانتهاكات وجرائم الحرب التي ترتكبها حكومات إسرائيل ضد ابناء الشعب العربي الفلسطيني؟ ولماذا لم يتوقفا قليلا امام عقدين ونصف من الزمن ليسألا من الذي عطل مسيرة السلام خلالها؟ ومن الذي رفض بحث الملفات الأسياسية: المستعمرات الإسرائيلية، القدس، اللاجئين، الحدود، الأمن، والثروات الطبيعية والأسرى؟ وكم من قرار أممي صدر يؤكد على أن الأراضي المحتلة عام 67 بما فيها القدس الشرقية، أنها اراض فلسطينية ولا يجوز تغيير معالمها او الاستيطان فيها بدءا من القرار 242 و338 و1397و1515 وآخرها 2334 نهاية العام الماضي؟ هل إلتزمت حكومات إسرائيل بأي منها؟ واين هي إسرائيل من خطة خارطة الطريق الأميركية ومخرجات مؤتمر انابولس ومرجعيات عملية السلام؟ وهل المطلوب من الرئيس عباس ان يقف مكتوف الأيدي حتى تلتهم حكومة إسرائيل كل الأرض الفلسطينية وتعمق مشروعها الاستعماري المعادي للسلام والتعايش؟ وما هي معايير الشخصية المأساوية بنظر المؤلفين؟ ألم يكن الرئيس الراحل ابو عمار قبل الرئيس ابو مازن، ماذا اعطته إسرائيل؟ ألم تغتاله وتسممه؟ وحتى لو جاء اي شخص آخر مكان الرئيس عباس، هل ستسمح له إسرائيل ببناء الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس؟ وهل المشكلة في شخص رئيس منظمة التحرير أم في سياسات إسرائيل المارقة والخارجة على القانون؟ وعن أي سلطة يتحدثان ليتشبث بها الرئيس عباس؟ هل بقي اية معالم للسلطة الوطنية (الحكم الإداري الذاتي)؟ ألم يحذر الرئيس عباس في كل خطاباته وخاصة الأخير في الأمم المتحدة يوم 20 سبتمبر الماضي من إنهيار حل الدولتين في حال واصلت إسرائيل نهب وتهويد ومصادرة أراضي دولة فلسطين، وطالب العالم بالتحرك لإنقاذ الخيار الدولي او الذهاب إلى خيار الدولة الواحدة على اساس المواطنة والمساواة؟ وإذا لم يتوجه للشرعية الدولية، لمن يتوجه، لحكومة نتنياهو ام لمن يذهب؟ مع ذلك لم يتوقف عن اللجوء للولايات المتحدة وإداراتها المتعاقبة ولاقطاب الرباعية الدولية، ولكن لا حياة لمن تنادي. كأن العالم وأقطابه أصيبوا بالخرس والصم والعمى، فلا هم أبصروا، ولا هم سمعوا المناشدة والنداء تلو النداء من الرئيس عباس، ولا هم نطقوا إلا بمواقف شكلية باهتة لا تسمن ولا تغني من جوع. لا بل ان أميركا تقف بالمرصاد لكل خطوة فلسطينية او عربية او عالمية مؤيدة لحقوق الفلسطينيين المنهوبة والمستباحة، وتلجأ لاستخدام حق النقض الفيتو ضد كل قرار أممي داعم للحقوق الوطنية. فضلا عن ملاحقة المنظمات الأممية كما جرى مؤخرا بالانسحاب من اليونسكو، والتهديد بالانسحاب من لجنة حقوق الإنسان دفاعا عن إسرائيل الاستعمارية بذريعة ان تلك المنظمات منحازة للفلسطينيين بشكل أتوماتيكي. وهو ما يكشف خواء وإفلاس تلك السياسات، ومع ذلك مازال الرئيس ابو مازن يراهن على ارتقاء العالم وأقطابه ومنابره الأممية لمستوى المسؤولية السياسية والأخلاقية والقانونية لإنصاف الشعب العربي الفلسطيني، ولم يفقد الأمل بما وعد به الرئيس دونالد ترامب من طرح صفقة العصر لتحقيق السلام التاريخي على المسار الفلسطيني الإسرائيلي.
ان جنوح المؤلفين إلى قلب الحقائق، والإمعان في مهاجمة الرئيس ابو مازن يهدف إلى استحضار تجربة الرئيس الرمز ابو عمار، والسعي لركوب بغال عرجاء لعلها تتساوق مع خيار الاستعمار الإسرائيلي، او على أقل تقدير كسب الوقت لفرض المزيد من الوقائع على الأرض الفلسطينية المحتلة والدفع بخيار الترانسفير بالقدر الذي تستطيع القيادة الإسرائيلية من تنفيذه. إن الكاتبين روملي وتيبون يرفضان، كما قادة إسرائيل رؤية قائد فلسطيني يحمل راية السلام والتحرر الوطني، ويرفض الإرهاب بكل اشكاله والوانه ومسمياته وعلى رأسها الإرهاب الإسرائيلي المتمثل بالاحتلال الأخير في العالم، وهو ما يكشف هزال وبؤس ما خلصا إليه، ويعكس إمعانا في لي عنق الحقيقة، والهروب إلى الأمام من الواقع الذي انتجه الاستعمار الإسرائيلي وسياسات الحكومات الإسرائيلية المعادية للسلام والتعايش. وليكشفا عن بؤس وعقم ما ذهبا إليه.
يعود الكاتبان الصهيونيان إلى جادة التهويش، فيصفان الرئيس عباس بأنه " قائد يتشبث بمطالب غير واقعية" وهنا يسأل المرء مجددا، ما هي المطالب الواقعية بنظرهما؟ هل المطلوب من رئيس الشعب الفلسطيني أن يتخلى عن اهداف ومصالح شعبه؟ هل يسلم بسياسة الحكومات الإسرائيلية الاستعمارية الرافضة لخيار السلام حتى يكون واقعيا ومقبولا؟ هل يريدان منه ان يكون سعد حداد او انطون لحد، عملاء إسرائيل في جنوب لبنان؟ ألا يميزان بين قائد فلسطيني امتشق راية الكفاح الوطني منذ أدرك نكبة شعبه في العام 1948، وتسلم مهامه القيادية وأولاه الشعب الثقة، وحمله الأمانة ليواصل مشوار الرئيس الراحل عرفات لبلوغ الأهداف الوطنية، وبين شخص بلا تاريخ ارتضى ان يكون عميلا مأجورا لمستعمري أرضه وشعبه؟ ألم توافق قيادة منظمة التحرير الفلسطينية على إقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 67 وضمان حق العودة للاجئين وفق القرارات الشرعية الدولية، ولم تطالب حتى الآن بتطبيق قرار التقسيم الدولي رقم 181 الصادر في ال29 من نوفمبر 1947، الذي أعطى الدولة الفلسطينية العربية حوالي 43% من ارض فلسطين التاريخية، والذي على اساسه قامت دولة إسرائيل الاستعمارية على انقاض نكبة الشعب العربي الفلسطيني في مايو 1948؟ هل تفضل الكاتبان بتدوين رأيهما بشأن عملية السلام وحدود الدولتين؟ لماذا لم يحددا هما وقادة إسرائيل ومن معهم من غلاة اليمين المتطرف في الولايات المتحدة ما هو المطلوب من الفلسطينيين جميعا وليس الرئيس عباس فقط كي ترضى إسرائيل؟ وهل تساءلا إن كان يوجد في دولة إسرائيل الخارجة على القانون شريك للسلام والتعايش؟ هل دققا روملي وبيتون بعدد وطبيعة القوانين العنصرية التي أصدرها الكنيست في دوراته الأخيرة 18 و19 و20 ضد ابناء الشعب العربي الفلسطيني في الداخل وفي الأراضي المحتلة عام 1967؟ وهل سمعا بقانون التسوية، الذي صادق عليه الكنيست مطلع هذا العام وسمح بتشريع وتبييض البؤر الاستعمارية المقامة على اراضي دولة فلسطين المحتلة ويزيد عددها عن ال115 بؤرة غير المستعمرات المنتشرة على الأرض الفلسطينية وعددها 174 مستعمرة؟ يبدو ان هذه المسائل ليست ذات شأن من وجهة نظر الكاتبين، لان هاجسهما يكمن في التشهير والإساءة للزعيم الفلسطيني محمود عباس، وليس شيئا آخر.
ولخلط الحابل بالنابل، والهروب من المحاججة العلمية عاد المؤلفان إلى التلطي وراء حجج وذرائع واهية وفاقدة المصداقية، يكتبان عن الرئيس ابو مازن، أنه "قائد استبدادي وثقيل" في ممارساته الحاكمة، وإن قراره بالابتعاد عن الإرهاب جعله قريبا من الإسرائيليين والأميركيين، وبعيدا عن الشعب الفلسطيني؟! لاحظوا كيف الاستخدام البشع لإيجابية رفض الرئيس ابو مازن الإرهاب. وكأن لسان حال روملي وبيتون يريدان من الرئيس عباس ان يكون "مع الإرهاب"؟ ويغيظهما أن لديه قبولا في الأوساط الأميركية والإسرائيلية نتيجة واقعيته ومرونته السياسية! وكأنهما يقولان للرئيس ابو مازن، ان واقعيتك تنزع منا ذرائعنا الواهية واسلحتنا الفاسدة! اضف إلى ذلك إن ما كتباه، اولا يتنافى مع الواقع، فالرئيس ابو مازن قريب من شعبه وعميق الصلة به، ويعمل بكل الوسائل والسبل لتأمين حياة حرة وكريمة له، ويدافع عن مصالحه الوطنية بثبات وتصميم لا يلين في كل المنابر. كما انه لم يقل يوما عن نفسه، أنه رجل إجماع الكل الفلسطيني، لانه صاحب رأي وموقف، ويدافع عن وجهة نظره بغض النظر إن أعجبت هذا الشخص او لم تعجب ذلك الحزب او تلك الدولة. ولم يسقط في متاهة الخطاب الشعبوي المضر والمسيء للنضال الوطني، ويرفض المنطق الديماغوجي، ولا يتساوق مع اي وجهة نظر خاطئة، بل يقف لها بالمرصاد. وعليه فإنه تميز باستقلاليته منذ دخل معترك السياسة، وعندما ترشح للرئاسة عام 2005، قال لجميع الفلسطينيين هذا برنامجي السياسي القائم على خيار السلام عبر المفاوضات مع قادة دولة الاستعمار الإسرائيليين، وأكد فيه على تمسكه بالنضال الشعبي السلمي والسياسي والديبلوماسي، ونبذ كل اشكال العنف، وكان قبل ذلك وهو عضو في اللجنة المركزية لحركة فتح، وأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ضد عسكرة الانتفاضة الثانية 2000/2005 ومع ذلك صوت له 62% من المقترعين بانتخابات الرئاسة عام 2005، لم يخدع الشعب يوما، ولم يقل شيئا ويعمل عكسه، بل واصل ذات السياسة بشجاعة وثبات، رغم كل المصائب وجرائم الحرب التي ارتكبتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة. بتعبير آخر كان منسجما مع نفسه ومع شعبه والعالم كله. وما كان يقوله تحت الطاولة، كان يقوله فوق الطاولة. وبالتالي اين المشكلة هنا إن كان متمسكا بالسلام ورافضا للإرهاب؟ ما هو المطلوب منه ان كان معاديا للإرهاب والعنف؟ هل المطلوب ان يبيع مصالح وأهداف شعبه لترضى إسرائيل وأميركا؟ ماهي معايير ومحددات الاستبداد من وجهة نظركما؟ وهل انتما حريصان على الشعب الفلسطيني أكثر من الرئيس ابو مازن؟ ولماذا هذا الخلط الغبي للمسائل؟ انه العجز الفاضح في إيراد حجة واحدة او برهان واحد موضوعي يدلل على صحة ما ذهبا إليه، والغرق في دوامة اللف والدوران في حلقة مفرغة لعلهما يصيبان الرئيس عباس برصاصهما الديماغوجي، او على الأقل يشوشان على مسيرته، أو يهيئان المناخ لتحقيق مآرب قطعان المستعمرين في حكومة الائتلاف اليميني المتطرف الاستعمارية على حساب السلام وخيار الدولتين على حدود الرابع من حزيران 67.