التاريخ : الجمعة 26-04-2024

الهلال الأحمر: لا توجد بيئة صالحة للحياة في قطاع غزة ونحذّر من انتشار كبير للأمراض المعدية    |     مقررة أممية: يجب معاقبة إسرائيل ومنع تصدير السلاح إليها    |     الأردن يدين اقتحام المستعمرين "للأقصى"    |     فتوح: قمع الحراك الطلابي في الجامعات الأميركية يكشف زيف وكذب إدارة بايدن    |     رئيس بوليفيا يطالب باتخاذ إجراءات صارمة لوقف حرب الإبادة في قطاع غزة    |     "آكشن إيد" الدولية: غزة أصبحت مقبرة للنساء والفتيات بعد 200 يوم من الأزمة الانسانية بسبب العدوان    |     مع دخول العدوان يومه الـ202: شهداء وجرحى في قصف الاحتلال المتواصل على قطاع غزة    |     "فتح" تهنئ الجبهة الديمقراطية بنجاح مؤتمرها الثامن وبانتخاب فهد سليمان أمينا عاما    |     رئيس الوزراء ورئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمار يستكملان إجراءات الاستلام والتسليم    |     "التعاون الإسلامي" ترحب باعتراف جمهورية جامايكا بدولة فلسطين    |     مصطفى يؤكد ضرورة عقد مؤتمر للمانحين لدعم الحكومة الفلسطينية    |     أبو ردينة: نحمل الإدارة الأميركية مسؤولية أي اقتحام لرفح وتداعياته الخطيرة    |     الجامعة العربية تدعو مجلس الأمن لاتخاذ قرار تحت الفصل السابع يضمن امتثال إسرائيل لوقف إطلاق النار في    |     البرلمان العربي: قرار جامايكا الاعتراف بدولة فلسطين "خطوة في الإتجاه الصحيح"    |     ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 34262 والاصابات إلى 77229 منذ بدء العدوان    |     الرئاسة ترحب بالتقرير الأممي الذي أكد إسرائيل لم تقدم أية أدلة تدعم مزاعمها حول "أونروا"    |     ألمانيا تعتزم استئناف التعاون مع "الأونروا" في غزة    |     جنوب إفريقيا تدعو إلى تحقيق عاجل في المقابر الجماعية بقطاع غزة    |     برنامج الأغذية العالمي: نصف سكان قطاع غزة يعانون من الجوع    |     مع دخول العدوان يومه الـ201: الاحتلال يكثف غاراته على قطاع غزة مخلّفا شهداء وجرحى    |     جامايكا تعلن الاعتراف بدولة فلسطين    |     مئات المستعمرين يقتحمون المسجد الأقصى    |     الاحتلال يغلق الحرم الإبراهيمي بحجة الأعياد اليهودية    |     أبو الغيط يرحب بنتائج التحقيق الأممي المستقل حول "الأونروا"
الصحافة الفلسطينية » فلسطين والعرب والنموذج
فلسطين والعرب والنموذج

 

 

فلسطين والعرب والنموذج

جريدة الايام

 

بقلم حمادة فراعنة 1-3-2012

لا يمكن للمرء المنصف، المدقق، الزائر لتركيا، والمتابع لمجريات اهتماماتها، وتحديد أولوياتها، إلاّ أن يلحظ أن لديها الانحياز الواعي المبني على المصالح والتطلعات والشراكة، ويتعامل معها من خلال ثلاثة ملفات مترابطة، مع بعضها، أو منفصلة ولكنها تصب في مجرى واحد، ملفات فلسطين أولاً والعلاقات العربية التركية ثانياً، والنموذج التركي المحتذى به ثالثاً.

الأتراك يعرفون ماذا يريدون، لديهم واقع اقتصادي اجتماعي سياسي، فرضهم كدولة تقع في الخانة رقم 17 من بين دول العالم المتقدم، ولديهم تطلعات ورغبة جامحة ليكونوا في الخانة العاشرة من بين دول العالم، مؤكدين أنهم أتراك أولاً وثانياً وعاشراً، ونظرتهم للإسلام نظرة قيم وتاريخ يتباهون به كأفراد وكأمة، ويعملون على تجديده بأدوات عصرية طالما أن الواقع فرضهم كجسر التواصل بين الماضي والحاضر، مثلما هم صلة الترابط الإنساني والجغرافي بين آسيا وأوروبا.

الإسلام بالنسبة إليهم قضية شخصية إنسانية، تعكس ترابط الفرد بخالقه والالتزام بما هو مطلوب منه ذاتياً، أما الحساب والنتائج والعلاقة فهي مباشرة دون وسيط، أي لا صلة للمجتمع والدولة بهذه العلاقة الثنائية بين الخالق والإنسان الفرد، كل منهم يتحمل مسؤولية فعله وأدائه وخياره، ودون تحميل الناس جمايل الإيمان والتقوى.

فلسطين بالنسبة للأتراك، قضية وطنية تتفوق عليها أو تضاهيها أو تتقدم عليها أو تقف بعدها القضية القبرصية، فهي تدخل في صلب اهتماماتهم ورعايتهم ومشاعرهم، فلسطين القدس المسجد الأقصى مسميات لمضمون واحد قد تدفع مواطناً تركياً، قد يتقدم مستواه أو مكانته لموقع وزير أو رئيس، ولا يتردد من نزف الدموع حسرة أو إحساساً بالتقصير أو عجزاً عن تأدية الواجب نحو عنوان كبير اسمه فلسطين.

في العام 1967، كما قال لنا مسؤول كبير "جرت تظاهرات مؤيدة لإسرائيل واحتلالها باقي الأراضي الفلسطينية الضفة والقدس والقطاع، معبرة هذه المظاهر عن الفرح التركي لهزيمة العرب أمام الحليف والصديق الإسرائيلي" أما اليوم فوفق أحد الاستفتاءات كما يقول المسؤول التركي نفسه "فإن 98 بالمائة من الأتراك يقفون مؤيدين داعمين للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة ونضاله المشروع، ليس هذا وحسب بل وتشهد التحولات الجوهرية لتركيا (الشعب والدولة)، بعد ما جرى في سفينة (مرمرة) في أيار 2010، وسقوط شهداء أتراك من أجل فلسطين، على أيدي القوات البحرية الإسرائيلية"، ويختصر المسؤول التركي قوله "لقد أصبح الشعب التركي شريكاً في القضية الفلسطينية بعد شهداء سفينة مرمرة فقد استشهدوا من أجل فلسطين وعدالة قضيتها".

في الحوار مع الرئيس التركي عبد الله غُول قال لنا لا تراجع عن الموقف التركي، ولن تكون علاقات أو أي اتصال مع إسرائيل إلا بتحقيق شروط تركيا الثلاثة:

الاعتذار أولاً والتعويض لأسر الضحايا الشهداء ثانياً وفك الحصار عن الشعب الفلسطيني في غزة ثالثاً.

في ملف العلاقات التركية العربية، ثمة مصلحة لبناء علاقات متوازنة ندية متكافئة بين العرب وتركيا، كبلد صديق ودولة مجاورة، وقومية رديفة، نرتبط معها بالجغرافيا والمياه والقيم المشتركة والمنافع المتبادلة لمواجهة خصوم مشتركين أولهم العدو القومي الذي يحتل أرضنا ويصادر حقوقنا وينتهك كرامتنا، وتركيا تقف معنا ضد هذا العدو بقوة وإيمان ومصلحة، فلماذا لا تكون المبادرة العربية بالخطوط المفتوحة بين القيادات والأحزاب والبرلمانات والبلديات والتجار والمهنيين والمثقفين والكتاب لخلق جبهة متراصة مبنية على المصالح والقيم والتطلعات بين العرب والأتراك، لتعود علينا وعليهم بالخير والفائدة وحسن الاختيار، ولمواجهة التحديات والخصوم والتطلع نحو مستقبل أفضل للقوميتين العربية والتركية في عالم تتحكم فيه الولايات المتحدة وإسرائيل.

في ملف النموذج التركي اتضحت الصورة حينما نجح حزب العدالة والتنمية قبل 12 سنة بـ 37 بالمائة من الأصوات وينجح بالدورة البرلمانية الثانية بـ 46 بالمائة ويفوز بالدورة الثالثة بأكثر من خمسين بالمائة، وها هي تركيا على أبواب الانتخابات، محققاً حزب العدالة والتنمية النجاحات المتتالية دون تزمت وادعاء، ودون تبجح على أنه حزب إسلامي، فهو حزب تركي ذو برنامج وطني وخلفية إسلامية في دولة علمانية، الإسلام والإيمان والعقيدة فيها مرشد للإنسان في حياته وتصرفاته وسلوكه الذاتي الشخصي الإنساني، لا يلزم الآخر بما يلزم نفسه فيه، وهكذا تنجح تجربة رجب طيب أردوغان دون أن يقع شعبه ودولته وشخصه وحزبه بمعايير معادية لحقوق الإنسان، بل ينتصر في مجتمعه وفي قيادة الدولة ضمن أقسى معايير حقوق الإنسان وتداول السلطة والاحتكام إلى صناديق الاقتراع، في دولة علمانية يقع الإسلام فيها موقع الاحترام والتقدير وتتباهى إسطنبول التي تستقبل ملايين السياح من جميع أنحاء العالم، وهي تحتضن 36 ألف مسجد في أحيائها المنتشرة والموزعة بين القارتين الآسيوية والأوروبية.

تركيا في ظل حزب العدالة والتنمية نموذج لنجاح الإسلام في دخول العصر والتعامل بمفرداته ومضامينه والالتزام بمعاييره بما يتعارض مع الأحزاب الشمولية اليسارية والقومية التي فشلت وهزمت لأن الحياة ضد اللون الواحد والحزب الواحد والقائد الملهم والزعيم العرمرم، فالحياة نمت على التعددية والتباين والاجتهاد، واحترام الآخر والإقرار بوجوده، وهكذا هي تركيا التي تحترم نفسها وفرضت احترامها على الآخرين من أصدقاء وخصوم في الوقت نفسه.

 

2012-03-01
اطبع ارسل