المقاومة المعكوسة
جريدة الحياة الجديدة
بقلم حافظ البرغوثي 14-3-2012
ما تقوم به الفصائل الاصغر من حماس حاليا كانت حماس تمارسه منذ بداية قيام السلطة لتوفير مبررات لاسرائيل لضرب السلطة ولمنع تنفيذ اية اجراءات او اتفاقات مشتركة. وكان خطاب حماس السياسي المزلزل هو نفسه خطاب الجهاد ولجان المقاومة.. بل كانت الاخيرة اقرب الى تفهم موقف السلطة آنذاك.
الآن صار خطاب حماس لا يختلف عما كان يخاطبها به الرئيس الشهيد ابو عمار وخلفه الرئيس ابو مازن. وسبق وقلنا ان اسرائيل لو تفاهمت مع حماس فإنها ستضطر لاحقا الى التفاهم مع الجهاد والفصائل الاخرى واذا تفاهمت مع هذه كلها.. ستجد فصائل جديدة كالقاعدة وجند الله وانصار الدين فالوضع الفلسطيني يبقى مفتوحا لكل الاحتمالات طالما ان العملية التفاوضية محكمة الاغلاق من قبل اسرائيل بل مفتوحة على العدوان والاستيطان.
وقد حاولت حماس ضبط سيطرتها على الحدود ولاحقت المقاومين حلفاء الامس وعذبتهم وقتلت بعضهم وسجنت آخرين بل ابادت مجموعات دينية سلفية في مسجد رفح.. لكنها ظلت تكابر وترفع الشعار المقاوم حتى لا تخسر شعبيتها خارجيا على الاقل لان شعبيتها الداخلية في غزة في الحضيض فلم يعد احد يصدق ما تنثره من شعارات واقاويل وصار قادتها يصدرون هذا الكلام في منابر خارجية كقطر والكويت وتونس والقاهرة فقط. لأن أي مواطن غزي يلحظ الفارق على الارض بين دعاة المقاومة وعشاق جمع المال والعيال واطمأنت حماس لظهور طبقة مؤيدة لها ممن كدسوا الاموال او المؤلفة جيوبهم وهؤلاء هم الدرع الواقي لها ضد قيادتها السياسية في الخارج ولهذا رأينا انقلابا ابيض على خالد مشعل يضاف الى الانقلاب الاسود لحماس على السلطة.
بالنسبة الى العنصر الايراني الفاعل فإن ايران ذات المشروع الخاص بها وجدت الساحة الفلسطينية مهيأة للاختراق بعد رحيل ابو عمار وفتحت خطوطا مالية وتسليحية مع حركة حماس، ولعل الخذلان العربي للرئيس ابو مازن في بداية عهده اتاح لايران الهيمنة على حماس خاصة وان لدى ايران مشروعها الخاص في اقامة محور عربي لها وكان لحماس مشروعها الخاص في السيطرة على السلطة نفسها.. وهذا التحالف اثمر الانقلاب في غزة وظل قائما حتى وقت قريب وهو التحالف الذي اجهض كل اتفاقات المصالحة حتى الآن ولعل الجفاء الذي ساد علاقات حماس مع ايران في الفترة الاخيرة بسبب ضغوط اخوانية في مصر وسوريا وغيرهما ادى الى فتح ايران قنوات جديدة على يسار حماس اي مع قادة ميدانيين في الجهاد ولجان المقاومة الشعبية ومثلما أفلت الزمام من مشعل عندما اقام قادة حماس في غزة علاقات تمويلية وتسليحية مباشرة مع طهران أفلت الزمام من رمضان شلح. وبالتالي فإن اسرائيل بعدوانها الحالي الذي بدأ باغتيال الشهيد القيسي هدفه املاء تهدئة شاملة على حماس حتى تمارس دورها المقاوم لأية مقاومة والمانع لأي صاروخ فلدى اسرائيل خطط جاهزة لاعادة احتلال المنطقة الحدودية لكنها لا تريد اسقاط سلطة حماس لاسبابها الاستراتيجية والسياسية. بل تريد فرض تنسيق امني صارم على حماس.. ولا غضاضة من الاستمرار في رفع شعار الممانعة والمقاومة اذا كانت النتيجة معكوسة اي منع الصواريخ ومقاومة المقاومة.
هكذا هو المشهد الآن وليس اكثر ومن يدعي غير ذلك فهو ساذج.