العدوان على غزة: المناورة التمهيدية للحرب القادمة
جريدة الايام
بقلم أشرف العجرمي 14-3-2012
أعلن القادة الإسرائيليون أن جولة التصعيد شارفت على الانتهاء، على الأقل هذا ما صرح به وزراء في حكومة بنيامين نتنياهو وعلى رأسهم وزير الحرب إيهود باراك، حتى نتنياهو نفسه تحدث عن هدوء مقابل هدوء، وهذا على ما يبدو بفعل التوصل إلى اتفاق جديد للتهدئة برعاية مصرية كما في أعقاب كل جولة تصعيدية. ولكن ما يميز هذه الجولة أنها جاءت بمبادرة تامة من الجانب الإسرائيلي الذي قرر خرق التهدئة بعملية اغتيال لقادة من "لجان المقاومة الشعبية واستهداف الأمين العام زهير القيسي، وهو يعلم أن الرد الفلسطيني سيكون اوتوماتيكياً.
هذه المرة قررت إسرائيل أنها بحاجة للتصعيد المحسوب بغزة، أي تصعيدا لا يصل إلى مستوى الحرب الشاملة أو القيام بعملية برية واسعة. وإذا كانت الأنباء التي تحدثت عن اعتزام حركة "الجهاد الإسلامي" قصف تل أبيب ومواقع في العمق الإسرائيلي سبباً في طلب إسرائيل من مصر التدخل لوقف إطلاق النار، الأمر الذي قاد إلى التوصل إلى التهدئة مجدداً، فالأدق هو أن إسرائيل استنفدت أهدافها من هذا التصعيد، ولم تعد ترغب بالمزيد، لأن هذه المواجهة لم تكن تقصد الذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك.
أما الأهداف الإسرائيلية من وراء هذا العدوان فهي على الأغلب تجربة مدى فعالية منظومة "القبة الفولاذية" (صواريخ ضد الصواريخ) في التصدي للصواريخ التي تستهدف التجمعات والمواقع الإسرائيلية. ويمكن ملاحظة التصريحات الإسرائيلية التي تعبر عن الرضا من أداء هذه المنظومة في التصدي لصواريخ "الجهاد الإسلامي" التي وصلت في أحد الأيام معدل ما كان يطلقه حزب الله في يوم واحد خلال حرب لبنان في العام2006. وأيضاً أرادت إسرائيل أن تعرف ماذا ينتظرها في حال نشوب حرب واسعة، وماذا يوجد لدى الفصائل الفلسطينية في غزة، ولكن هذا الهدف لم يتحقق بالكامل فقد عرف الإسرائيليون قدرة الفصائل جزئياً، حيث لم تطلق أنواع من الصواريخ ذات المدى الأبعد ضد الأهداف الإسرائيلية، هذا عدا عن أن حركة "حماس" لم تشارك بأي مجهود في هذه المواجهة سوى الحث على التهدئة وطلب التدخل الخارجي، بمعنى أنه لا يزال في جعبة الفصائل ما يمكن أن تفاجئ به إسرائيل، ولكن في إطار لا يصل إلى مستوى التهديد الإستراتيجي.
ما حصل في غزة كان مناورة عسكرية إسرائيلية حية ولكن ليس في حقل رماية فارغ أو مفتوح، بل على أجساد أبناء القطاع الذين لا حول لهم ولا قوة ، ولا غرابة أن يحصل هذا التصعيد الإسرائيلي بعد عودة نتنياهو من زيارة للولايات المتحدة جرى فيها، على ما يظهر، الاتفاق على الحرب ضد إيران بعد وقت يسمح باستنفاد الضغوط الدبلوماسية والعقوبات الاقتصادية. وحتى يتسنى توجيه ضربة عسكرية لإيران تحاول إسرائيل الاستعداد لكل الاحتمالات المتوقعة والممكنة الحدوث في هذه الحالة.
إسرائيل لم تعد تفكر سوى بالحرب، فالخيارات السياسية لم تعد مقبولة على عقلية القيادة الإسرائيلية، وهذا طبيعي عندما يصبح بنيامين نتنياهو الذي لم يفعل شيئاً سوى القضاء على فكرة السلام وإغراق المنطقة في مستنقع الاستيطان الذي من شأنه أن يفتح طريقاً بلا عودة لصراع لا ينتهي، المرشح المفضل تماماً على الشعب الإسرائيلي، وحزب "الليكود" الأوفر حظاً للفوز في الانتخابات القادمة في إسرائيل. وعندما يبدو المعتدل في إسرائيل منبوذاً ولا مكان له في المشهد السياسي الحالي. ولا شك أن أكثر ما يداعب مخيلة الإسرائيليين هو الدخول في حرب جديدة وتحقيق انتصار عسكري كاسح ومثير للانطباع، ويفضل أن يكون على غرار حرب 1956 أو 1967 أو ضرب مفاعل تموز في 1980 في العراق أو أي حرب خاطفة أخرى، المهم أن تستعيد إسرائيل قوة الردع وتعيد أسطورة الجيش الذي لا يقهر أو الذراع العسكرية الطويلة.
ولا تعبأ القيادة الإسرائيلية بما يمكن أن يترتب على أي حرب من خسائر في الأرواح أو معاناة تلحق بالشعوب المستهدفة، بل لا تهتم بما يمكن أن يحدث للمواطنين في إسرائيل طالما أن المجتمع في إسرائيل يمكن أن يحتمل النتائج، في إطار عملية غسل الدماغ التي تجري للمجتمع الإسرائيلي والتي تقول أن إسرائيل لا يمكن أن تحمي نفسها من التهديد إلا بالحروب ومنع وجود أي قوة أخرى تمتلك أية مقدرات حتى لو كانت جزءاً يسيراً من ترسانتها الرهيبة.
أصوات العقل والسلام غابت تماماً، ومما يجعلها تفقد وزنها بصورة شبه تامة غياب الفعل الفلسطيني والعربي المؤثر الذي يجعل الجمهور الإسرائيلي يعيد حساباته ويشتري الأمن والاستقرار بدفع ثمن السلام وليس بالعربدة والمزيد من الحروب التي لا تولد سوى المزيد من الكراهية والدمار وتهدد مستقبل الأجيال القادمة. ومن الطبيعي أن يؤدي الانقسام إلى المزيد من الضعف والتشتت في الفعل القيادي الفلسطيني وكذلك في العمل الكفاحي.
يجب أن يصحو جميع ذوي الرأي والبصيرة والقيادات في الشعب الفلسطيني ولا يقبلوا بواقع الحال، فنحن لم نحقق انتصاراً في غزة لنحتفل به فخسارتنا فادحة بعشرات الشهداء والجرحى والمزيد من الدمار، والقيادة السياسية لم تستطع فعل شيء لحماية الشعب سوى أن تحمد الله على تحقيق التهدئة دون أي قدرة على حماية الشعب الفلسطيني من بطش آلة الحرب الإسرائيلية التي ستعاود الكرة من جديد في غزة عندما يكون مريحاً لها ويحقق لها أهدافاً معينة، ولا من غول الاستيطان الذي يهدد الوطن والحق في الحرية والاستقلال، ودون قدرة حقيقية على المبادرة التي تعيد القضية الوطنية مكانتها، وتمنح الشعبَ الأمل.