المقاومة : مشروع سلطة مستبدة !
جريدة الايام
بقلم رجب أبو سرية 16-3-2012
لماذا المقاومة في غزة ؟ سؤال طالما تم تجنبه لأسباب عديدة، لكن كلما مر الوقت، تفاقمت الحاجة للإجابة عنه، وللإجابة عنه لابد من التساؤل إن كانت هناك حاجة لظهور مقاومة في قطر، مصر، السعودية، سورية، الجزائر، فرنسا، اليابان.. وكل ذلك على سبيل المثال، باعتبار أن هذه الدول غير مستعمرة.
أليست غزة خالية من الاحتلال منذ العام 2005، وكأي بلد أو كيان، أو أرض محررة ربما تحتاج جيشا وطنيا يحمي حدودها ويذود عنها، لكنها قطعا ليست بحاجة إلى "مقاومة"، خاصة إذا كانت هذه المقاومة ليست سوى مجموعات مسلحة غير موحدة وغير منضبطة، وهي فضلا عن أنها لا "تخضع" لإرادة المجموع الشعبي ولا حتى للسلطة الحاكمة، فإنها تفرض "إرادتها" بشكل ما، وفي وقت ما، يمكن أن تفرض إرادتها بقوتها العسكرية (ألم يفعل القسام هذا العام 2007 ؟!).
لماذا "المقاومة" في لبنان أيضا ؟ ألم تحرر تلك المقاومة مشكورة جنوبه العام 2006، وأخذت مكافأتها في صناديق الانتخابات بعد ذلك ؟ تماما كما حصلت حماس على مكافأتها من ممارسة المقاومة في انتخابات العام 2006!
تتفاقم وتتضاعف المفارقة، حين تغدو الضفة الغربية والقدس، وهما المنطقتان المحتلتان، خاليتين من المقاومة الشعبية / السلمية أو العسكرية، (هنا كل مبررات الجهاد الإسلامي، حماس، المقاومة الشعبية، وحتى الشعبية والديمقراطية) بأن ما يحول دون ذلك هو ملاحقة أجهزة أمن السلطة، لا يقنع أحدا، لأن المقاومة تكون ضد الاحتلال لا تأخذ منه موافقة وتكون في ارض معادية، ثم إن السلطة تدعو إلى مقاومة شعبية في الضفة الغربية، والفصائل بما فيها حماس، الجهاد، فتح والآخرون تهز أكتافها، وتصر على "ممارسة المقاومة " في غزة !
مفارقة ليست في صالح هذه الفصائل، وكما يستخدم حزب الله قواته العسكرية التي يطلق عليها اسم مقاومة في لبنان كهراوة لفرض إرادته السياسية على الأحزاب والقوى والطوائف وحتى الدولة في لبنان، يضاعف الجهاد الإسلامي من "سطوته" وهو تنظيم لا يتمتع بثقل جماهيري يوازي وزنه العسكري في غزة، وهذا هو حال الفصائل العسكرية الأخرى، وهذا يعني أن الإرادة الشعبية مهددة إن لم تكن مصادرة من قبل القوة العسكرية بحجة أنها مقاومة !
لسنا هنا بوارد تكرار القول إنه على مدار أكثر من ستين عاما، توالت الادعاءات بإلقاء إسرائيل في البحر، أو بسحقها عسكريا من قبل كل من سعى للشهرة والنفوذ في المنطقة، وبالتحديد من قبل زعامات دونكيشوتية بدءا من عبد الناصر، مرورا بصدام والأسد ونصر الله وليس انتهاء بنجاد، أو أصحاب الصواريخ محلية الصنع أو المهربة عبر الأنفاق، والجميع يتجاهل حقيقة أن إسرائيل لا تتفوق إلا في الناحية العسكرية، وأنها على الجبهات الثقافية، الأخلاقية والإنسانية مهزومة سلفا، في حين أن الاحتكام للقوة العسكرية يحقق لها أهدافها ويثلج صدرها، لذا لابد من إغلاق هذه الجبهة وفتح كل الجبهات الأخرى عليها.
وقد جرب الفلسطينيون جبهة المقاومة الشعبية (الانتفاضة) والجبهات الثقافية والقضائية، لكن "تسلط" منطق العسكريتاريا "وفش الخلق" والعنتريات الطفولية ما زال يحول دون شن حرب طويلة الأمد، شعبية في الجبهات التي تخسر فيها إسرائيل، الدولة الغاصبة.
كما لم تنجح الحروب العسكرية التقليدية إلا في تثبيت دولة إسرائيل في حربي 48، 56، ثم في توسيع رقعتها وفتح أبواب الاعتراف بها في حربي 67، 73، لم تنجح "المقاومة العسكرية" الفلسطينية بالذات سوى في قطع الطريق على أوسلو وفي حشر المشروع الوطني في الزاوية، وفي حصار غزة واسترخاء الاحتلال في الضفة، ولو امتلكت مقاومة غزة وحزب الله مليون صاروخ، ولو امتلكت إيران عشر قنابل نووية، فلن يلحقوا بإسرائيل هزيمة وجودية، وما كل العويل والصراخ حول مخاطر نجاح إيران في الحصول على قنبلة نووية، إلا ذر للرماد في العيون، فإسرائيل تمتلك أكثر من 400 رأس نووي، ولو تعرضت إسرائيل في لحظة لخطر وجودي فلن تتورع عن استخدام هذا السلاح، إسرائيل تهزم في كل الجبهات الأخرى إلا الجبهة العسكرية ولذا لابد من إغلاق هذه الجبهة إلى الأبد.
إسرائيل ذاتها تشجع أعداءها بطريقة أو بأخرى على فتح هذه الجبهة، التي تحقق لها التعاطف الدولي أولا وتحرم أعداءها من الإعداد لخوض المعارك على الجبهات الأخرى، حيث إن فتح جبهات الثقافة والقضاء وحقوق الإنسان سيفرض على إسرائيل تغيير طبيعتها العنصرية / الاحتلالية، حينها ـ أي لو تحولت إلى دولة عادية أو طبيعية، سيتلاشى المشروع الصهيوني، تماما كما حدث مع جنوب أفريقيا، هل يشعر احد الآن بأن جنوب أفريقيا دولة نشاز كما كان حالها سابقا ؟ رغم أن المستوطنين البيض لم يتم إلقاؤهم في البحر، ورغم انه لم يتم تغيير اسم الدولة ـ طبعا نموذج إسرائيل مختلف قليلا ـ هناك إسرائيل وهناك فلسطين، وفي إسرائيل الفلسطينيون أقلية، لكن الكفاح من اجل دولة لكل مواطنيها أو دولة ثنائية القومية، سيغير من جوهرها، وبعد ذلك يمكن تغيير اسم الدولة، المهم أن تتغير إسرائيل من الداخل بشكل جوهري، أما المقاومة فهي على طريق التحرير تعطل طاقات عامة الناس عن الفعل والمشاركة وتكرس النخبة المسلحة، وبعد التحرير تعمل وفق قانون الحلال، أي تملأ فراغ السلطة الذي ينشأ بعد زوال الاحتلال، كما حدث في الجزائر مثلا، وعلينا أن لا ننسى أبدا أن كل قادة حركات التحرر الوطني تحولوا إلى طغاة، مستبدين، وهكذا يمكن أن تتحول "المقاومة" ما لم تكن شعبية / جماهيرية، منظمة وفق قوانين عامة، إلى مشروع نظام استبدادي بكل معنى الكلمة.