أحمد عبد الرحمن.. أحد شهود المراحل الفلسطينية الصعبة
رام الله 3-12-2019
يامن نوباني
فقدت فلسطين، قامة كبيرة من ثائريها في مختلف الميادين، وطنيا وإعلاميا وسياسيا، المناضل الوطني الكبير أحمد عبد الرحمن، الذي وافته المنية يوم أمس الاثنين، عن عمر يناهز 76 عاما.
الراحل كان كنزا معرفيا، في كافة مراحل الثورة الفلسطينية المعاصرة منذ انطلاقتها في عام 1965، ووثق العديد من المذكرات والتجارب النضالية، ومارس دوراً إعلاميا مشهودا له، ومثل موقفا سياسيا صلبا وواضحا من الشرعية الفلسطينية والقرار الوطني المستقل، ودافع عن الوحدة الوطنية ووحدة حركة فتح في أزمانها الصعبة وما شهدته من انشقاق أو خلاف.
مدير مكتب الراحل أحمد عبد الرحمن ومرافقه على مدار 18 عاما حسن سليم قال : الراحل عبد الرحمن كان يؤمن دائما بأن لديه رسالة وطنية واسعة وعالية تلامس خطورة المرحلة التي تمر بها القضية الفلسطينية، لذا يصنَّف كمفكر واعلامي وسياسي، عاصر مراحل عديدة من بداية الثورة الفلسطينية.
ويوضح: أوكلت له مهمات حساسة لها علاقة بحماية القرار الوطني المستقل، وشرعية منظمة التحرير الفلسطينية، في ظل التقلبات التي عاشتها القضية الفلسطينية، وتميز بالجملة السياسية التي كان لها بعد نظر عالٍ واستقراء للمستقبل، واطلاع على تفاصيل العمل السياسي وقدرته على التحليل.
"وكان الراحل من المهتمين باستعادة الوحدة للوطن، ولم تنقطع رسالته حيال ذلك، حيث كان دوما يؤكد وجوب استعادة الشرعية في قطاع غزة خاصة، وخطورة استمرار الانقسام، كما كان لديه حرص عالٍ بالتمسك بوحدانية تمثيل الشعب الفلسطيني من خلال منظمة التحرير، باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد" يتابع سليم.
وعلى الصعيد الانساني، أشار إلى أنه بحكم تجربة عمله مع الزعيم الراحل الشهيد ياسر عرفات، فقد كان يلامس احتياجات الناس، وينقل همومهم، ويساعد قدر الإمكان، وكان يجمع بين الاحتياج الوطني والاجتماعي.
كما أشار إلى مواقفه السياسية ضد الاحتلال والاستيطان وخطورته على تحقيق مستقبل الدولة الفلسطينية المستقلة، فقد عاش ورحل بموقف ثابت لم يتغير، وبقي محافظا على الشرعية الوطنية في ظل منظمة التحرير، وكان حريصا على أهمية تنظيم انتخابات ديمقراطية في فلسطين، يتم من خلالها استعادة وحدانية الوطن، وعدم السماح للجانب الاسرائيلي باستغلال هذا الموضوع، للانقضاض على حقوق شعبنا وأرضنا.
وتابع: الراحل من الرواد الاوائل في الإعلام الفلسطيني الفتحاوي، وكان نائبا للشهيد ماجد أبو شرار في الاعلام الموحد، ورئيس تحرير مجلة فلسطين الثورة، والناطق الرسمي باسم منظمة التحرير، وحركة فتح، ومن المؤسسين في مفوضية الإعلام المركزي لحركة "فتح".
وأشار إلى أنه كان دائم الاطلاع على كل ما هو جديد، ودائم التوثيق بشكل يومي لكل تفاصيل القضية الفلسطينية، سواء على مستوى استشهاد أو جرح مواطن، أو حتى اغلاق طريق، فقد كان يدون المستجدات كافة، في توثيق دقيق لمجمل التطورات.
وحول مكتبته وقراءاته، قال سليم: القلم والورقة لا يفارقان جيبه، وينصح بهما دائما، معتبرا اياها الحافظ للمعلومة والتفاصيل للحياة اليومية والمذكرات، ولديه مذكرات ومخطوطات مكتوبة بخط اليد عمرها يفوق أربعين عاماً، احتفظ بها ونقلها من بيروت إلى تونس إلى غزة إلى رام الله.
وكان قارئاً نهما للكتب والصحف، يصحو مبكرا، وعند السابعة صباحا يكون قد قرأ الصحف الفلسطينية واستمع للعديد من نشرات الأخبار.
وكان يعمل على إعادة توثيق وصياغة ما يقرأ، كتبه منتقاه والكثير منها له علاقة بالفكر، كان يقرأ يوميا بمعدل 5- 6 ساعات، وكانت قراءاته متنوعة وقيّمة، مطّلع على الكثير من التجارب الحياتية والأديان والفلسفة والفكر والسياسة والتاريخ.
بدورها، قالت الناشطة النسوية وعضو الأمانة العامة للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية ريما نزال : كعضو مجلس وطني كنت أشهد دوره في متابعة البيان الختامي الصادر في كل دورة، كان قادرا على احتواء المواقف، ولديه قدرات سياسية وصياغة رائعة.
وأضافت: بالتأكيد لا يمكن تجاهل توثيقه لمرحلة مهمة جدا من تاريخ الثورة، وتحديدا مرحلة الشهيد عرفات، بكتابه "عشت في زمن عرفات"، بسبب معايشته وقربه منه من جانب، وكذلك مساهمته في اجلاء وإنارة خبايا لم تنشر سابقا.
الراحل عبد الرحمن الذي ولد في بيت سوريك بمدينة القدس في الثاني عشر من تشرين الأول عام 1943، تلقى دراسته الأولى في مدرسة بيت إكسا، ثم التحق بجامعة دمشق، وأكمل دراسته، وتبوأ مواقع كثيرة في منظمة التحرير والسلطة الوطنية، ورافق الشهيد ياسر عرفات لوقت طويل، حتى استشهاده عام 2004.
وكان من مؤسسي الإعلام الموحد مع الشهيد ماجد أبو شرار، وهو من مؤسسي إذاعة صوت فلسطين، وترأس تحرير مجلة فلسطين الثورة، وكان أيضاً من أهم الكتاب في مجلة شؤون فلسطينية الصادرة عن مركز الابحاث وله عدة دراسات مهمة.
كما كان ناطقا باسم حركة "فتح"، ومستشارا للرئيس الشهيد ياسر عرفات، وهو أول أمين عام لمجلس الوزراء، وعضوا في الأمانة العامة لاتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين، وله عدة مؤلفات، منها "عشت في زمن عرفات"، وكتاب: "عرفات.. حياته كما أرادها" عن "دار الحرية للثقافة الوطنية-رام الله" عام 2016.