الضعف الفلسطيني في مواجهة التفوق الإسرائيلي
جريدة الايام
بقلم حمادة فراعنة 22-3-2012
تغيّرت اللهجة، وتم استبدال مفردات غير تلك التي تحمل مضامين الزلزلة لأوضاع العدو وسكانه، وباتت مفردات "التهدئة" و"الرد المسؤول المتفق عليه" هي الراجحة في تصريحات إسماعيل هنية وأركان حزبه الحاكم المتحكم منفرداً بإدارة قطاع غزة ولدى قيادة حركة حماس المعنية بمواصلة التهدئة مع العدو الصهيوني أكثر مما هي معنية بتوجيه ضربات موجعة لهذا العدو الذي لا يعرف الرحمة ولا تردعه سوى العمليات والبطولات ورد الصاع صاعين، على عدوانه وعنجهيته، كما كان يُقال، سابقاً، ولم يعد يُقال، وإذا قيل يتم بخجل لأنه بلا مضمون.
اليوم ثمة سلطة حزبية أمنية قوية، في قطاع غزة، خلقتها حركة حماس، وتسعى للحفاظ عليها، وتعمل على توفير احتياجاتها سواء من ميزانية رام الله أو من قطر و إيران أو من أي كان، من أجل استمرارية وجودها أسوة بما هو قائم في الضفة الفلسطينية، وأزيّد، فالتهدئة مرعية في الضفة بوساطة أميركية، والتهدئة في غزة بوساطة مصرية، والنتيجة واحدة تفرضها حكومة السلطة الوطنية الائتلافية في الضفة، وتفرضها سلطة حكومة حماس الحزبية في قطاع غزة، حيث لم تعد خيارات المقاومة المسلحة قائمة ولم يعد من يتمسك بها وإن كانت مفرداتها متداولة بما فيها وثائق مؤتمر حركة فتح الذي انعقد في بيت لحم عام 2009، ولكن دون العمل على تنفيذها أو العمل على أساسها وبرنامجها رغم تصريحات بعض رموز حركة حماس بأنها لم تتخل ولن تتخلى عن إستراتيجية المقاومة، وثمة خيارات أخرى غير مسلحة يجري تداولها وتسويقها، وكيفية إخراجها عبر انتفاضة شعبية ذات طابع مدني، متفق عليها، سياسياً ووطنياً عبر حوارات القاهرة، وأساسها المصالحة بين طرفي الاتفاق.
واضح من التدقيق في سياق الأحداث الجارية على الأرض الفلسطينية، وتطور الأفعال، ليس فقط القصف الإسرائيلي الأخير الذي استهدف قائد لجان المقاومة الشعبية في قطاع غزة يوم 9/3/2012، أن صاحب المبادرة في هذه وتلك وقبلها وما سوف يجري بعدها، هو العدو الإسرائيلي وليس أحداً غيره، أدواته العسكرية والأمنية، طيرانه، صواريخه، توسعه الاستيطاني، حرق الشجر وهدم الحجر وقتل البشر، تهويد القدس، قبول المبادرة السياسية أو رفضها، كله، كله، يتم بفعل إسرائيلي، وردات فعل فلسطينية، فعل الضعيف المقل، غير القادر على اتخاذ زمام المبادرة، لا في البرنامج، ولا في الإدارة، ولا في تكييف الفعل مع المعطيات القائمة، ولا في مصارحة الشعب بالوضع، ولا في اختيار الأدوات الكفاحية المناسبة والتوقف عندها، باعتبارها الأدوات الكفاحية المناسبة في معركة غير متكافئة مع عدو متفوق، ويجب عدم استعمال غيرها من الأدوات الكفاحية حتى لو توافرت لحظة ميدانية لفعل غير تلك المتفق عليها.
النضال والثورة والسياسة، ليست أدوات شعبية لهواة، بل هي فعل الحياة، من أدوات الحياة لصنع الحياة، ولذلك تحتاج لخبراء وذوي قدرات في إدارة المعركة بهدف هزيمة العدو، لم يكن ماوتسي تونع وهوشي منه، في العصر الحديث مجرد قادة، بل كانوا أيضاً مفكرين قادوا حركات سياسية لتحقيق النصر على العدو، وغيفارا شخصية نضالية كبيرة، دفع ثمن عدم قدرته في تحليل المعطيات حينما اختار أدوات كفاحية في منطقة غير مؤهلة، وهكذا يجب أن ندرك، وندرس ونتعلم، فقد دفع الشعب الفلسطيني ثمناً باهظاً بفقدان ياسر عرفات وأبو علي مصطفى وأحمد ياسين لأنهم لم يكونوا مجرد شخصيات وصلت إلى مواقع قيادية متقدمة، بل بفعل خبرات وتجارب يصعب تكرارها، ولذلك على كل من يعيش على أرض فلسطين لا خارجها، وفي ظل الاحتلال، وليس خارج سيطرته، العمل على التوصل مع الآخرين إلى العناوين الثلاثة 1- البرنامج السياسي الوطني الفلسطيني الواحد. 2- المؤسسة الفلسطينية الواحدة في إطار منظمة التحرير وما يتبعها. 3- اختيار الأدوات الكفاحية المناسبة المتفق عليها، والقادرة على جعل الاحتلال مكلفاً إن لم يكن مادياً فأخلاقياً ومعنوياً على طريق هزيمته واجتثاثه.
والبرنامج الوطني الفلسطيني يجب أن يشتمل على المكونات الفلسطينية الثلاثة، كل في منطقته وحسب ظروفه ومعطياته وإسهاماته ويتم ذلك وفق الظروف المحلية المحيطة به.
المكّون الأول: فلسطينيو مناطق الاحتلال الثانية، عام 1967 أي في الضفة والقدس والقطاع، دورهم، كفاحهم، برامجهم، أدواتهم، صمودهم، سلطتهم، انتخاباتهم، هذا كله يحتاج لخلايا تفكير، ومبادرات عمل، حزبية وغير حزبية، وفتح أوسع نقاش للخروج من مأزق التفوق الإسرائيلي والضعف الفلسطيني في ظل هيمنة الاحتلال وسطوته ومبادرته الهجومية في القتل والاستيطان والتوسع والتهويد.
المكّون الثاني: فلسطينيو مناطق 48 أي في الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة، ما هو دورهم المساند إضافة إلى نضالهم لإلغاء مظاهر التمييز الواقع عليهم، كيف يمكن لهم كسب انحيازات إسرائيلية، لعدالة المطالب الفلسطينية، وما هو دورهم في هذا الانحياز، ما هو الفرق بين التطبيع وبين اختراق المجتمع الإسرائيلي، ما هو دور الأحزاب، نواب الكنيست، البلديات، كسب الرأي العام الأوروبي والأميركي، جميعها عناوين لقضايا حيوية تستهدف تطويق التفوق الإسرائيلي وتقويضه.
المكّون الثالث: فلسطينيو الشتات والمنافي ما دورهم، أدواتهم، كسب المجتمعات التي يعيشون فيها، نضالهم المدني لتفعيل حياتهم وتحسينها، واستثمار علاقاتهم بالأحزاب والمجتمعات والمؤسسات والنقابات وبرلمانات الدول التي يعيشون فيها لخدمة القضية الفلسطينية، وخدمة صمود الفلسطينيين على أرضهم سواء في مناطق 48 أو مناطق 67 .
شعب الضفة والقدس والقطاع، باعتباره النافذة المفتوحة اليومية على الصراع، يحتاج لوقفة من قبل قياداته، أحزابه، فصائله، شخصياته، مؤسسات المجتمع فيه، كتابه، جامعاته، لعرض الوقائع وتشخيصها والخروج ببرامج عمل وتوجهات نظرية كي تكون متداولة وشعبية وسهلة المنال والرؤية، كي تكون موضع إجماع وأغلبية للعمل على تنفيذها، للخروج من المأزق، مأزق الضعف الفلسطيني في مواجهة التفوق الإسرائيلي، كي تنتصر العدالة على الظلم والاحتلال ومشروعه التوسعي الاستعماري.