عن ذرائع "حماس" لتعطيل المصالحة
جريدة الايام
بقلم الدكتور كمال شاهين 26-3-2012
منذ أن استولت "حماس" على قطاع غزة، وطّنت النفس على التمسّك به وعدم التفريط بـ "الإنجاز" الذي حققته، والمكاسب التي تحصّلت عليها من أموال وسلطة وجاه. ومع مرور الأيام وتعاظم الشهوات المالية والسلطوية لدى قيادات "حماس" في القطاع، تضاءلت الرغبة بالمصالحة، ولكن كثرت التصريحات المليئة بالبكاء واللطم على الوحدة الوطنية من قبل قيادات مقتنعة بأنها تضع شروطاً لن تقبلها السلطة. وما إن تم القبول باقتراح طُرح من قبل حركة حماس أولاً بأن يتولى الرئيس أبو مازن رئاسة الوزراء، وظهرت بوادر أمل بإنهاء أزمة المصالحة وتم التوقيع على هذا الاتفاق... حتى "راحت السكرة وجاءت الفكرة"، وبدأت القيادات التي انتفخت كروشها وأولئك الذين أصبحوا من أصحاب الملايين يبحثون عن ذرائع وأسباب لرفض المصالحة ووضع العراقيل في طريقها.
ومن غير المعقول أن يعترف هؤلاء بأن الدافع الأساسي لهم هو المكاسب المالية الطارئة التي "هبطت" على المئات منهم، فأثروا ثراءً فاحشاً. ولذلك راحوا يتخبّطون في ابتداع الأسباب التي يطلقونها لرفض هذه المصالحة. وجاءت هذه الأسباب على النحو الآتي:
- إن تعيين أبو مازن رئيساً للوزراء أمر غير دستوري.
- إذا حصل وقبلنا بذلك فلا بد أن يكون نائب رئيس الوزراء من "حماس".
- كذلك يجب أن تكون حقيبتان من الحقائب السيادية لـ"حماس".
- أن تكون الحكومة مسؤولة أمام المجلس التشريعي بعد أن تحصل على ثقته.
والجدير بالذكر أن هذه الأسباب لم تكن مرفوضة من السلطة فحسب، بل رفضت، أيضاً، من قبل خالد مشعل الذي عرف التفاصيل بكاملها قبل أن يوقّع اتفاق الدوحة. وهذه التفاصيل كما تواتر ذكرها في مختلف الاجتماعات القيادية هي على النحو الآتي:
- الرئيس أبو مازن هو رئيس الوزراء بإجماع الآراء.
- الحكومة انتقالية ومحددة بوقت انتهاء الانتخابات.
- أن يكون أعضاؤها من المستقلين تماماً ومن شخصيات تكنوقراط مستقلة أيضاً.
- أما مهمة هذه الحكومة فإنها تتبلور في نقطتين أساسيتين:
الأولى: إجراء الانتخابات.
الثانية: إعادة إعمار غزة.
وهي نقاط توضح أن من طرحوا الشروط لاحقاً كانوا يعرفون أنها تناقض ما اتفق عليه.
ومعلوم أنه في شهر تشرين الثاني الماضي وفي اجتماع القيادة الفلسطينية، اعتمد الرئيس محمود عباس التغييرات في اللجنة المركزية للانتخابات، على أن تبدأ عملها في قطاع غزة لتحديث سجلات الناخبين. والتي تشمل حوالى ثلاثمائة ألف شاب وشابة في القطاع بلغوا السن القانونية لممارسة حق الانتخاب. ولما قررت اللجنة الذهاب إلى غزة لتحقيق هذا الهدف، رفضت قيادة "حماس" السماح لها ببدء عملها، أي وبمعنى آخر، فإن تشكيل الحكومة سيتعطّل ولن يسير حسب البرنامج الذي تقرر له. وهذا يعني، أيضاً، أن قيادة حماس في غزة أُسقط في يدها عندما سقطت ذرائعها الأولى لإحباط جهود المصالحة، فعمدت إلى تعطيل عمل لجنة الانتخابات دون إبداء الأسباب، وبدلاً من أن تقوم قيادة "حماس" في غزة بواجبها هذا، راحت تطالب بالبدء بتشكيل الحكومة فوراً، وتتهم السلطة بالتلكؤ والإبطاء والإمعان في رفض المصالحة، ولكنها لم تحدد ولم تبين ما هي الحكومة التي تطالب بتشكيلها، علماً أنها تقفز فوق الاستحقاقات المطلوبة منها لتنتقل إلى مطالب مبهمة لا تقوم على أساس، وذلك لمجرد أن تقول إنها موافقة على المصالحة، ليس المهم أن تقول، ولكن المهم كيف تقول، وما هو موقفها الفعلي من المصالحة.
على الرغم من كل ما قالته قيادة "حماس" في غزة، فإن الكرة ما زالت في ملعبها، وبالأحرى في ملعب "حماس"، لأن الكل أصبح مقتنعاً بأن "حماس" في غزة هي التي تضع العراقيل، وأن الخلافات بين أطياف القيادة لم تعد سراً وإنما هي منشورة على صفحات الجرائد وكافة وسائل الإعلام. ويعرف القاصي والداني أن خالد مشعل وعدداً من قيادات الخارج يقفون في جهة، وهنية والزهار وأبو مرزوق في جهة أخرى، وأن الخلافات تتعدى المصالحة إلى أمور داخلية أخرى أبرزها مظاهر الفساد التي اجتاحت القطاع والذي وصل عدد أصحاب الملايين فيه إلى أكثر من ستمائة وفق تقارير أعدتها "حماس" نفسها، إضافة إلى وجود حوالى ألفي شخص آخر لم يعرف بعد إذا كانوا قد أصبحوا من أصحاب الملايين أم أنهم في طريقهم إلى ذلك؟
أما قضايا فساد (ريان غزة) "الكرد" فهي قصة أخرى تحتاج إلى مجلدات للغوص فيها ومعرفة تفاصيلها خاصة أن بطلها ليس بمعزل عن قيادات "حماس".
أما الأسوأ من فساد هؤلاء، فهو فساد "قضاء حماس" الذي قرر أن يعيد لكل مشترك في هذا المشروع الوهمي للكرد للمتاجرة في الأنفاق 16% فقط من مجمل ما دفعه، على أن يقر هذا المشترك بأنه استلم كل أمواله، ما يعني تنازله عن بقية المبلغ، مع العلم أن المبلغ الذي جمعه هؤلاء لا يقل عن مليار دولار. وعلى الضحايا الذين يستردون هذه النسبة ألا ينبسوا ببنت شفة وأن يصمتوا ويتنازلوا عن باقي حقوقهم "برضاهم". لقد أعادوا مائة وستين مليون دولار لأصحاب الحقوق، واحتفظوا لأنفسهم ومحاسبيهم وقضاتهم ومن حولهم بثمانمائة وأربعين مليون دولار اقتنصت من أموال الفقراء والمساكين الذين وضعوا "تحويشة العمر" وباعوا مصاغ نسائهم على أمل من سراب تبخّر في جيوب قيادات حماس الإسلامية التقية الورعة التي تحفظ الأمانات وتردها إلى أهلها!!.
نحن نفهم أن شخصاً أو اثنين أو ثلاثة يمكن أن يمتهنوا النصب والاحتيال مهما كانت انتماءاتهم وحتى لو انتسبوا إلى حركة إسلامية، لكن لا يمكن أن نفهم أن عشرات، بل مئات من الفصيل نفسه يمارسون الرذيلة نفسها، ويذهبون إلى "القضاء العادل" ويحصلون على هذا "القرار العادل" ويغتصبون أموال الفقراء والمساكين والمحتاجين. ويجبرونهم على الصمت القاتل تحت التهديد بالقتل. وليس أمام هؤلاء إلا الشكوى للباري، شكوى المظلوم على الظالم، وهو تعالى الذي سينصفهم لأنه يمهل ولا يهمل.
لقد اختلطت كل هذه المباذل بأسمى الأهداف، وهي المصالحة الوطنية وإعادة اللحمة إلى الوطن والشعب، وليس هناك ما يمنع أن تختلط مباذل ومخاز أخرى مع تلك المبادئ السامية، لتأتي قصة تزويد القطاع بالنفط المستورد من هنا وهناك حتى يغطوا على خطاياهم وأهدافهم ويدمروا كل أسس المصالحة ما دامت هذه المصالحة ستقضي على مصالحهم، هذا إن حصلت. ولماذا لا يتهمون السلطة ومصر وغيرهما ما دامت هذه الاتهامات تبعد عنهم شبح المصالحة. وهكذا يضربون عدة عصافير بحجر واحد . فالسلطة تمنع عنهم الوقود، وأيضاً مصر، وكذلك فإن المصالحة تصبح في خبر كان وهذا هو الهدف.
وهم بذلك يسيرون على درب شيخهم يوسف القرضاوي الذي اعتاد أن يحرف الكلام عن مواضعه، وهو الذي حرم زيارة القدس، مع أن التحريم يحتاج إلى النص ولا اجتهاد فيه، كذلك حلل الربا مع أن الربا محرم بنصوص القرآن والسنة، وأن يمارس التضليل لأن ممارسة كهذه تكون حلالاً ما دامت ضد الأعداء، وكل من هو ليس من الجماعة فهو من الأعداء.
لقد قامت السلطة وكذلك مصر بحل مشكلة المحروقات التي بدأت منذ يومين بالتدفق إلى قطاع غزة.. ومع ذلك فإنهما من وجهة نظر حماس غزة متآمرتان ضد إمارة الإسلام والمسلمين.. وما أروع هذه الإمارة لتكون نموذجاً لحكم الإسلام.. أليس هذا النموذج أبشع ما يمكن أن يسيء إلى الإسلام والمسلمين وإلى شعار "الإسلام هو الحل"؟.
إن على قادة "حماس" في القطاع أن يدركوا أن اللعبة قد انتهت، وأن مشروعهم الظلامي وصل إلى نهايته المحتومة لأنه مناقض لمصالح وتطلعات وتضحيات الشعب الفلسطيني، فهل يتعظون ؟