الرئيس لـ"الحياة الجديدة": نحن مع تطلعات الشعوب
وندين عمليات قتل وترويع المدنيين
لسنا طرفاً في أي صراع والفلسطينيون ضيوف في لبنان ليسوا بحاجة الى السلاح ولكننا نطالب بحقوقهم المدنية والانسانية
رام الله - الحياة الجديدة 27-5-2012
أكد سيادة الرئيس محمود عباس في لقاء خاص مع »الحياة الجديدة« ان الثورة الفلسطينية منذ انطلاقتها قررت عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، والحفاظ على قرارها الوطني المستقل.
وحول الثورات في العالم العربي، والمسماة بالربيع العربي، أكد الرئيس ان ما يحدث هو شأن داخلي، فنحن مع تطلعات الشعوب في تقرير مصيرها ومستقبلها وندين عمليات القتل والترويع التي يتعرض لها المدنيون، بما في ذلك مجزرة الحولة في محافظة حمص التي راح ضحيتها أكثر من مائة مدني أغلبهم من النساء والأطفال.
وأشار الرئيس الى ان الثورة الفلسطينية في بعض المراحل انجرّت الى صراعات ومواقف ألحقت أفدح الاضرار بمصالح الشعب الفلسطيني، وخاصة أحداث أيلول 70 في الاردن، والحرب الأهلية في لبنان، وحرب الخليج حيث خسر أكثر من نصف مليون فلسطيني اقاماتهم ووظائفهم في الكويت وبعض دول الخليج، ويتعيّن ألا يتكرر ذلك. وقال «من هنا، فقد لزمنا الصمت، واتخذنا مواقف الحياد إزاء ما حدث في عدد من الدول العربية، وتعاملنا مع الأنظمة الجديدة، وواصلنا تعزيز العلاقة مع الشعوب العربية التي نؤيد تطلعاتها في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية». وقال الرئيس عباس «انه منذ ان انطلقت شرارة الثورة في سوريا، كان هاجسي الأول هو مصير نصف مليون فلسطيني يعيشون في مخيماتها، وكيف نحميهم ونطلب منهم الوقوف على الحياد، وعدم الانجرار الى الصراع». وأكد ان وقوف المخيمات على الحياد وتقديمها مساعدات انسانية جنبها الويلات، وجعلها أمكنة آمنة. وقال في هذا الصدد ان لدينا قنوات اتصال مع النظام السوري لتشجيع ودفع الاصلاح والحل السياسي، كما اننا فتحنا خطوطاً مع المعارضة من أجل التعرف على مكوناتها واتجاهاتها السياسية بهدف تشجيع الحلول السياسية للأزمة. وحول السؤال عن تعثر الحلول العربية والدولية للأزمة السورية، قال الرئيس ان الاطراف الدولية في مجلس الأمن (اميركا وأوروبا) لا تريد حلاً عسكرياً وأن الطرف الدولي المؤهل في هذه اللحظة لايجاد حل ولعب دور سياسي هو روسيا. وعن انعكاسات الثورة السورية على لبنان، أكد الرئيس أيضاً «اننا لسنا طرفاً في أي صراع هناك، وان الفلسطينيين هم ضيوف في لبنان، وهم ليسوا بحاجة الى السلاح لحمايتهم، ونحن نحترم سيادة لبنان، ولكننا نطالب بحقوقهم المدنية والانسانية، وحقهم في العمل». وخلص الرئيس الى القول اننا نجحنا في تجنيب شعبنا الانجرار الى الصراعات الداخلية في الدول العربية وما يترتب على ذلك من ويلات، والأهم من ذلك صيانة قرارنا المستقل، وأصبح الجميع الآن يسلّم بعدم امكانية التدخل السلبي في شؤوننا، مع ايماننا بالبعد القومي لقضيتنا، وحرصنا على التشاور والتنسيق مع الجميع.
واستعرض الرئيس احوال ابناء شعبنا في لبنان وقال: الفلسطينيون جميعاً هناك تحت حماية الجيش اللبناني، واضاف: المطلوب ازالة الحظر عن عمل الفلسطينيين في 72 مهنة. مؤكدا انهم ليسوا بحاجة الى سلاح ليحميهم ويمكن للحكومة اللبنانية ان تضع يدها على كل انواع السلاح داخل وخارج المخيمات، كما قال. وهنا نص اللقاء:
* الربيع العربي يفتح الباب على مصراعيه على تحولات كبيرة، تحولات في المنطقة والعالم، أين فلسطين من هذا التحول؟
- منذ أن انطلقت شرارة الثورة في سورية، كان هاجسي الأول هو مصير نصف مليون فلسطيني في سورية وأقل من هذا الرقم في لبنان، وأمامي تجارب مريرة كثيرة أدت إلى تدمير المجتمعات الفلسطينية في مختلف بلدان العالم العربي. إن حرب أيلول سنة 1970، أدت إلى شرخ عميق بين الأردنيين والفلسطينيين ترك آثاراً لفترة طويلة، ولم نخرج من هذه المأساة حتى دخلنا في مأساة أخرى وهي الحرب الأهلية في لبنان التي استمرت سنوات طويلة، وكانت خلاصتها نشوب حالة من العداء بين الفلسطينيين وبعض شرائح وطوائف المجتمع اللبناني، وقد استمرت هذه الحالة حتى عام 2005، عندما أعلنا في أكثر من مناسبة أن الفلسطينيين ضيوف في لبنان، وأنهم ليسوا بحاجة إلى السلاح لحمايتهم، ويمكن للحكومة اللبنانية أن تضع يدها على كل أنواع السلاح خارج وداخل المخيمات، وأن الفلسطينيين جميعا تحت حماية الجيش اللبناني، وهم يعيشون على أرض ذات سيادة لبنانية، والمطلوب فقط هو ازالة الحظر عن عمل الفلسطينيين في 72 مهنة، وهذا أدى إلى استرخاء عام في كل لبنان، وشجع الحكومة اللبنانية على تخفيف الحظر عن وظائف يستطيع الفلسطينيون أن يمارسوها.
وأثناء الغزو العراقي للكويت وقفنا إلى جانب العراق، وأصبحنا من دول الضد، وما زلنا إلى الآن تحت هذا التصنيف، وإن كانت العلاقة عادت طبيعية إلى حد ما، رغم أننا لم نتمكن بعد من اعادة فتح السفارة الفلسطينية هناك. ولهذه الأحداث المؤلمة الثلاثة لحق بالفلسطينيين أضرار فادحة.
إن التدخل في الصراعات العربية يخالف ما قررته قيادة حركة فتح منذ ما قبل الانطلاقة وهو «عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية».
لقد دفعنا أثمانا غالية عندما تخلينا عن هذا الشعار، رغم أن الأطراف المتصارعة العربية كانت تحاول دائما أن تزج بنا في أتون هذه الخلافات، ولو توفرت الارادة عندنا وقيمنا أوضاعنا بعقلانية لما استطاع أحد أن يزج بنا فيها.
لم يجد أحد لنا عذرا في مثل هذه التدخلات وانما كنا - وما زلنا - نتعرض لهذه الملامة والتعنيف على مثل هذه السياسة والسبب أن لنا قضية مقدسة تحتاج إلى دعم كل العرب، فلماذا ننحاز إلى هذه الجهة أو تلك؟
ربما يجد البعض لنا عذرا إذا أعلنا موقفنا في حالة أن تم اعتداء على بلد عربي من بلد غير عربي، كالعدوان على دول الخليج مثلا من قبل ايران، واعلان هذا الموقف يجب أن يكون محسوبا ودقيقا وعقلانيا، حتى لا نقع في خطأ أكبر من التدخل. صحيح أن الأخطاء تكاد تكون قاتلة، بل خطايا. ولكن العناية الالهية في كل مرة تتدخل لتحمي الثورة الفلسطينية، إلا أن الخسائر جسيمة وصعبة ويدفع ثمنها الشعب الفلسطيني، ففي الكويت خسر نصف مليون فلسطيني اقاماتهم، كما شمل ذلك بعض دول الخليج، وهذا يعني أن أكثر من مليون فلسطيني قد تضرروا معيشيا وماليا، لأن العاملين في دول الخليج كانوا يساعدون أهلهم في الوطن والشتات. وفي لبنان واجه الفلسطينيون مأساة حقيقية أدت إلى هجرة عشرات الألوف منهم هائمين على وجوههم في مختلف الدول الأوروبية وأميركا.
موقفنا اكسبنا احترام كل الأطراف العربية
* عام 2011 كان العام الذي شهد الثورات العربية التي طالبت بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وامتدت شرارتها من تونس إلى مصر إلى ليبيا إلى اليمن وسوريا.. وكان الموقف الرسمي الفلسطيني مراقبا وان كنتم قد صرحتم اننا مع الشعوب العربية ومطالبها. ولكننا لا نتدخل.
- ظهرت في عام 2011 بوادر ما عرف فيما بعد بالربيع العربي، الذي انطلقت شرارته من تونس العزيزة الغالية على قلب الفلسطينيين، وقد صدرت تصريحات عديدة ومن مختلف الدول دعما لهذا الربيع وقد انتهى حكم زين العابدين بن علي في فترة قياسية، وكان موقفنا الصمت الكامل، وعدم التدخل في شؤون تونس الداخلية وعدم اظهار أي تأييد أو شجب لأي طرف، لأننا رفعنا شعارا أن هذا شأن داخلي وأننا مع تطلعات الشعب إلى ما يرضيه حول تقرير مستقبله.
لقد أعلنا دعمنا وتأييدنا للنظام الجديد الذي اختاره الشعب، وقمنا بأكثر من زيارة آخرها يوم 28/4/2012، حيث قمنا بالقاء كلمة أمام المجلس التأسيسي التونسي، كما كانت الزيارة تحت توصيف «زيارة دولة». وهكذا فعلى الرغم من التغيير الجذري الذي حصل، فإن علاقاتنا مع تونس في عهدها الجديد ممتازة، كما كان عليه الوضع في الماضي.
وجاء 25 يناير 2011، ووقعت أحداث ومظاهرات ميدان التحرير في مصر، وحاولت بعض التنظيمات أن تتظاهر تعاطفا مع طلاب التغيير، انني طلبت من الجميع الصمت الكامل، على الرغم من الغضب الذي انتابني بسبب تدخل أميركا السافر وتدخل ايران الفاضح، إلا أنني كظمت الغيظ، وفضلت السكوت حتى تنجلي الأمور.. ولما انجلت كل الأمور، تعاملنا مع الواقع الجديد ومع النظام الجديد، لأن هذا شأن مصري داخلي.
وبالتالي لم نخسر شيئاً وفي نفس الوقت كسبنا احترام القادمين بصرف النظر عن موقف الاخوان المسلمين المنحاز الى حماس.
ومرت أحداث اليمن بشكل بطيء وممل واتصفت بكثير من المماطلة والشد والجذب، وعلى الرغم من التدخلات الكثيرة الدولية والخليجية، إلا أننا بقينا على صمتنا الكامل وحافظنا على المسافة الايجابية، وتركنا الأمر للشعب المنقسم ليقرر ما يريد بشأن مستقبله. والأزمة في اليمن لم تنته، فرموز النظام المؤيدون والمعارضون موجودون، وما زال التجاذب قائماً والأرض تميد وقد تنفجر بأي وقت، كذلك فان اليمن ما زال عرضة للتقسيم لأكثر من دولة، بالاضافة الى تغلغل القاعدة في مدن مختلفة من البلاد، ومع ذلك لا يزال موقفنا محايداً وسيبقى كذلك.
ويوم 15/3/2011 انفجرت الأحداث في سورية (درعا) والشيء بالشيء يذكر فقد كانت في فلسطين في نفس اليوم مظاهرات تطالب بانهاء الانقسام وانهاء الاحتلال.
الموقف من سورية
* هل توقفت العلاقة مع النظام السوري، وهل كان هناك اتصالات مع المعارضة؟
- منذ بدء أحداث سورية كانت بيننا وبين النظام قنوات اتصال، وهدف هذه الاتصالات اقناع النظام بضرورة اجراء اصلاحات كانت مطلوبة منذ زمن طويل. غير انه بعد نحو شهر على انفجار الأحداث، أفادت قناة الاتصال بيننا ان النظام على يقين بأن الحل الأمني هو الحل المطلوب وأنه الحل المجرب في حماة عام 1982.
لقد منح هذا الحل النظام ثلاثين عاماً من الهدوء. وما زال النظام متمسكاً بهذا الحل الى يومنا هذا، على الرغم من كل الوساطات التي قامت بها الجامعة العربية، ومن ثم الجهود المشتركة بين الجامعة والأمم المتحدة المتمثلة بمهمة كوفي عنان.
ونظراً لحساسية الوضع السوري ونظراً لوجود نصف مليون فلسطيني في سورية، وأقل قليلاً في لبنان، فان هذا الوجود أصبح سبباً اضافياً لنتخذ موقف الحياد الصارم من اجل حماية هؤلاء جميعاً، لان أية شبهة تدخل ستعرض الجميع، جميع الفلسطينيين للفناء الكامل.
لقد حاول بعض الفلسطينيين الانحياز الى هذا الطرف او ذاك، إلا أنهم واجهوا الاجماع الفلسطيني العام في كل من سورية ولبنان برفض أي تدخل والقلة القليلة التي خرجت عن الاجماع الوطني هم المرتبطون بالنظام من أمثال أحمد جبريل وغيره.
وهكذا وقفت المخيمات شامخة في وجه التدخلات، بل أصبحت حكماً مقبولاً من الجميع وملاذاً آمناً للجميع، والكل قبل بها ان تكون الحكم الفصل حتى في المشادات او المشاكل اليومية التي تقع بين الفئات السورية المتناحرة.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقد فتحنا خطوطاً عريضة مع المعارضة بكل أطيافها وألوانها، وذلك من اجل التعرف على هذه المكونات من حيث تشكيلاتها واتجاهاتها السياسية، وقدراتها على قيادة المعارضة، ثم البحث عن حلول للأزمة السورية المتفردة في أسبابها عن بقية الأزمات من حيث الانقسام الطولي الطائفي في هذا البلد.
وقد نجحنا في تمتين العلاقة مع المعارضة وحتى مع الدول التي تلعب أدواراً ايجابية أو سلبية في الأزمة السورية. وهذا ما جعل بصماتنا واضحة في كل مكان دون ان نوصم بالتدخل السلبي في الشؤون السورية.
لقد كلفت أحد المسؤولين الفلسطينيين بزيارة سورية وقام بزيارة حمص، وعاد لنا بشعار هام وهو أن مخيم خالد بن الوليد هنا، أصبح الملاذ الآمن للجميع، وأطلق عليه: من دخل بيت أبي سفيان فهو آمن.
فلسطينيو المخيمات أخذوا موقفاً محايداً
- الفلسطينيون في كل المخيمات يتخذون موقفاً محايداً ولم ينجروا الى الصراع، بل انهم في مخيم خالد بن الوليد في حمص يقومون بدور استثنائي بين طرفي الصراع وهما السلطة (الجيش النظامي) والمعارضة، فمدينة حمص مقسمة إذ يسيطر النظام على غربها وتسيطر المعارضة على شرقها، ويلجأ الى المخيم جرحى من هذا الطرف او ذاك، حيث يتم علاجهم في مستشفى الهلال الأحمر الفلسطيني، دون ان يسمح لأي جريح ان يكون معه سلاح، وان وجد فتتم اعادته، كما تدخل الى المخيم عناصر من هذا الطرف او ذاك لتشتري بعض احتياجاتها، وهكذا فإن المخيم هو الجزيرة الآمنة وسط محيط يشهد كل أشكال العنف.
- الشعب الفلسطيني لم يكن في يوم من الأيام عنصر قلق في سورية.
- المخيم أصبح كدار (ابو سفيان)، وقد لجأت الى المخيمات الفلسطينية عائلات سورية كثيرة، اذ توجد في مخيم اليرموك قرب دمشق أعداد من المهجرين السوريين من حمص.
* هل يمكن ان تنجح مبادرة عنان.. هل يمكن ان يتوقف العنف والنزيف؟
- سياسياً هناك انسداد تام في أفق الوصول الى حل، وهناك من يرى ان النظام استطاع ان يوحد خلفه الطائفة العلوية، كما ان ممارسات بعض المجموعات الاسلامية المتطرفة دفعت المسيحيين للوقوف مع النظام، ويقف الدروز عملياً على الحياد، والنتيجة ان هناك نحو ثلاثين بالمئة يقفون بصلابة مع النظام.
- أما المعارضة فإنها منقسمة سواء في الداخل أو في الخارج رغم الدعم المالي الكبير، وهي تطالب باسقاط النظام على غرار ما جرى في مصر او تونس او ليبيا، رغم اختلاف الأوضاع كلياً، فلا الأسد سيهرب او يستقيل، ولا الاطراف الخارجية الدولية تريد تدخلاً عسكرياً.
* كيف يمكن ان تخرج سورية من المأزق المؤلم؟
- ربما لو توفرت مبادرة سياسية تجمع الطرفين، وتدفع كلا منهما للتراجع عن اصراره على تحقيق هدفه غير القابل للتحقيق، لأمكن انقاذ سورية وإحداث شروط لاصلاحات ديمقراطية، وربما يكون الطرف الدولي المؤهل لذلك أكثر من غيره في الظروف الراهنة هو روسيا، التي لا تقبل تكرار السيناريو الليبي من قبل الغرب، ولن تتنازل عن مصالحها في سورية.
ويبقى مخيم خالد بن الوليد في حمص ملاذاً انسانياً آمناً مثله مثل بقية المخيمات وينطبق عليه حديث الرسوم الكريم: «من دخل بيت أبي سفيان فهو آمن». يبقى هذا الشعار قائماً حتى تجد الاطراف المعنية حلاً للمعضلة السورية بعيداً عن الحلول الأمنية.
الخلاصة هي أننا نجحنا في تجنيب شعبنا ويلات الانجرار الى الصراعات الداخلية للدول العربية، وكذلك الويلات المترتبة على التدخل في شؤون الدول العربية الداخلية، والأهم من ذلك صُنّا قرارنا المستقل، وأصبح الجميع اليوم يُسَلِّم بعدم امكانية التدخل فيه.