مروان عبد العال : نهر البارد لا يلدغ من جحر مرتين
بيروت 25-6-2012
من خلال مقابلة أجريت مع المسؤول المتابع في سفارة دولة فلسطين الأخ مروان عبد العال (مسؤول متابعة ملف إعادة إعمار مخيم نهر البارد)، أكد عبد العال أن الأحداث الأمنية الأخيرة في مخيم نهر البارد أدت إلى تأخير في عملية الإعمار التي لطالما كانت بطيئة منذ البداية. كما شدد على أهمية إلغاء نظام التصاريح وإنهاء الحالة العسكرية التي تمارس على أهالي مخيم نهر البارد وإعادة إعمار المخيم بالسرعة القصوى لينعم أهله بالسلام والطمأنينة والأمان. إليكم نص المقابلة حاورته لجين العبسي:
1- أين وصل ملف نهر البارد؟ وماذا عن دوركم في متابعة هذا الملف مع الجهات المعنية؟
بما يحدث الآن، لا يمكن عزل ملف نهر البارد عن كل التطورات التي تجري، أولاً في ظل غياب سياسي كامل، في ظل فراغ على أكثر من مستوى، وبداية الحل تكمن:
أولاً مخيم نهر البارد ممول إعماره من جهات دولية،
وثانياً أحد شروط الأعمار أن يكون هناك إستقرار أمني حتى كل القضايا اللوجستية كيف ستستمر؟ الآن وصلنا إلى نقطة صعبة جداً.
ولكن نحن الآن أصبحنا على السكة وكان هناك إنطباعات كثير رائعة، بالأمس عندما كنا في مناسبة ذكرى مرور 5 سنوات على كارثة البارد ، المناسبة كانت على أرض المخيم القديم في الأحياء الجديدة التي تم بناءها وكنا نقول هذا هو( نهر البارد خرج من تحت الرماد)، كنا نقول للناس صبرتم وحصدتم والآن نجتمع هنا كعائلة واحدة، وهذا لم يحصل لأي مخيم آخر. وبالتالي هذا لم يكن ليحصل لولا كل المتابعات التي جرت على كل المستويات كل في مكانه، الناس للأسف الشديد تعلق كل شيء على الأخر لا يوجد أحد يقول أنا المسؤول دائماً يعلق شيء على الآخر، أين القيادة وهم يريدون القيادة أن تكون في الشارع وهذا ليس مكاننا يجب أن يكون هناك تناغم في العمل وتقسيم وظائف، ولكن في نهر البارد هناك محاولة تشويه للأدوار وهناك معيقات كبيرة في مسألة إعمار نهر البارد ولكننا تغلبنا عليها فكان هناك أمل وتفاؤل وضع ملف الإعمار على السكة الصحيحة وأيضاً لا نستطيع أن ننسى صبر الناس علينا وقدرتها على التضحية وأيضاً المتابعة على المستوى الديبلوماسي والسياسي والفني والجماهيري وعلى مستوى الرقابة الشعبية واللجان الشعبية، ولكن للأسف لا نستطيع أن ننكر بأن العمل بطيئ يتخلله بعض المعيقات ووضع عثرات في وجه إعادة الإعمار وأحياناً عجز عن تأمين متطلبات الناس وهي كثيرة في بعض الأحيان، وحتى لو فعل الكثير من قبل كل المؤسسات الأهلية والأونروا والفصائل سيبقوا مقصرين لأن هذه صدمة إجتماعية كبيرة لأول مرة تحدث بأن مخيم يشتت بالكامل بين ليلة وضحاها وثم يعاد إعماره.
نتكلم مع الأونروا ونقول نحن صدمنا بهذا الحجم من العبء ولكن نحاول تلبيته، هذه أول مرة تقوم الحكومة بشراء أرض وتسمح بالإعمار عليها للفلسطينيين لم تنص القوانين على هذا الشأن. أما بالنسبة لنا كفلسطينيين هذه أول مرة نتشتت كلاجئين في نهر البارد رغم أننا دفعنا الثمن كبير في الحرب الأهلية ولكن هذه أول مرة تحدث في نهر البارد.
2- كيف تصفون الرزم التي تم تسليمها من ناحية البناء والجودة؟
كان أول شرط لنا إعمار البارد لكافة الناس وهذا الشيء بدأ، أما المسألة الثانية هي نريد الإعمار وفق النسيج الإجتماعي بمعنى أننا نرفض أن نعيد الإعمار لأي شخص يقرر الأخرون مكانه نحن فقط نقرر أين يكون الإعمار وخاصة في مكانه الأصلي لنحفظ الأحياء بمسمياتها وليس بأرقامها، مثل حي سعسع وصفوري الأحياء كما كان تركيبها، وأيضاً كان هناك شروط للدول المانحة التي تمولنا بالمال بأن يختار الأهالي مساحة بيوتهم وفق المساحة المحددة لهم، وهذه عليها ملاحظات كثيرة أولاً بأن المساحة المحددة لهم في السابق كانت أكبر من المساحة الحالية ولكنها لم تكن صحية لم يكن يدخلها الضوء ولم يكن يدخلها الهواء وكانت نسبة الربو وبعض الأمراض حسب التقارير الطبية مرتفعة كانت مرتبطة بطريقة السكن في نهر البارد، لهذا فعملية تحديد المساحة بأن تكون أصغر من المساحة السابقة نتيجة الظروف التي تلت المعركة.
هناك ملاحظات في الرزمة الأولى تم الإستفادة منها في الرزمة الثانية وهناك شيء جديد تم الإستفادة من الرزمتين السابقتين في الرزمة الثالثة. في الرزمة الأولى كنا مضطرين بأن نبني بأي طريقة وكان هناك متعهد ملتزم الرزمة كاملة أما الآن فهناك تقسيم مهام، في الرزمة الأولى كان مطلوب منا التسريع فبدأنا نسرع في البناء على حساب المواصفات، وكنا نقول دائماً ليس من المفروض بأن نسرع لأن المواصفات لن تكون ذو جودة عالية.
أما الآن فهناك محاولة من الأونروا وفق الإجتماعات التي قامت بها الأونروا مع اللجان الشعبية ومع الأهالي بأنهم لن يأخذوا رزمة كاملة بل تقسيم الرزم إلى أقسام N1 N2 ......إلخ، وليس بشرط أن ننتظر رزمة جديدة، وبالتالي هناك مسائل لها علاقة بالمواصفات صحيحة ولكنها أخيراً لو بنيت كالجنة فهي ليست أجمل من فلسطين. و مساحة البيت ابدا ليست أهم من رجوعنا إلى فلسطين.
3- ما هو واقع نهر البارد بعد العام 2007؟ وهل تأثر المخيم بالطبيعة الجديدة من ناحية المباني؟
بالنسبة إلى الطبيعة الجديدة الأمور أفضل من السابق، الآن المخيم ببنى تحتية جديدة بمواصفات جديدة وبطبيعة قانونية أفضل، ولكن نجد أن بعض الناس لم تتقبل الوضع الحالي وهذا يرجع إلى السايكولوجيا بمعنى أنه لو كان عند الناس سجادة قديمة يمكن أن تساوي عندهم قيمة كبيرة، نحن الآن نحاول إعادة بناء النسيج الإجتماعي و إعادة بناء الروح الفلسطينية والفضاء السياسي الفلسطيني، ودونهما لا قيمة لاعمار الحجر دون البشر ، اعمار النفوس والمجتمع وترميم الذات الفلسطينية ، والشخصية الحاضنة لنضالنا وهويتنا وبقاء الذاكرة والحلم ، اي بناء لا قيمة له ان كان سيقضي على الفضاء السياسي وعندها نصبح مجرد كم بشري واعداد بلا قيمة ولا قوة سياسية.
4- يعتبر نهر البارد من المراكز الحيوية للإقتصاد في الشمال، ذلك قبل العام 2007، هل تعتقد أن البارد سيعود ليلعب دور جديد أم أنه فقد هذا الدور؟
بإمكان البارد أن يلعب هذا الدور الاقتصادي من جديد، ولكن الآن دوره معطل لانه في العزل الأمني
وبحكم أنه يعاد إعماره، ولا يمكن القول بأن البارد فقد مواصفات أهله ومكانته الطبيعية ودوره في التجارة والقدرة على الإنتاج، ولكن نهر البارد الآن يعيش تحت حالة عسكرية وهذا سبب أساسي لأن أهله لا يعيشون حياة مدنية وهذا سبب أنه لم يعد هذا السوق المنتظر، ولكنني متأكد عندما يتم رفع الحالة العسكرية سيعود إلى مكانه التجاري لأننا لسنا شعب متسول، شعبنا كان ينتزع لقمته من تحت البلاطة، شعب قام بإعمار بيته بجهوده، فقد قام بالعديد من الصناعات المتعددة على أكثر من مكان، قام بتجارة كبيرة وأندية وحياة إقتصادية أدت إلى قيام سوق رئيسي في المنطقة، أنا أعتقد بأنه سيقوم من جديد من تحت الركام، هذا شعب حي قادر على الإنجاب وليس بشعب عاقر.
5- شاهدنا منذ يومين أحداثاُ أدت إلى فقدان صبر الأهالي وتحميلهم المسؤولية إلى الفصائل الفلسطينية والدولة اللبنانية على إستمرار الحالة العسكرية في المخيم رغم إنتهاء المعارك منذ 5 سنوات، كيف ستعالجون الأمر مع الأهالي والدولة اللبنانية لتهدأت الأمور وإنهاء الحالة العسكرية وإلغاء نظام التصاريح؟
لم نصمت يوماً على مسألة إلغاء الحالة العسكرية على المخيم، كنا نعتبر أحد الأسباب التي تؤدي إلى تعزيز ثقافة العزل ومشاعر الإضطهاد عند الفلسطيني أنه يشعر بحالة الإحتجاز وأن هذا التصريح متعلق بكرامته ولا يوجد هناك تواصل مع الجوار كأنه مخيم معطل.
مطالبنا بإنهاء هذه الحالة لم تتوقف أبداً وكان هناك وعود كثيرة بالتخفيف وقد تم التخفيف ولكن لن نستطيع أن نطبق ما نريده نحن لأن هناك أمن بلد، فالنساء بدأت تدخل المخيم بدون تصاريح، وكان هناك توجه بإلغاء التصاريح لكل شخص يكون عمره فوق ال 60 ، وكان هناك وعود تقتضي بإلغاء نظام التصاريح والدخول على البطاقة فقط، نحن لا نريد وجود حالة عسكرية ولكن نرفض وجود فراغ أمني يمكن أستغلال المخيم بلا أي سبب من الأسباب مما يعيد دماره مرة أخرى. وبالتالي هذا مخيمنا ونخاف عليه لا نذهب كما يريد الأخرون، يجب أن يحترموا تجربتنا القديمة الكبيرة، يجب أن يحترموا عقلنا ورؤيتنا لكل التطورات بدقتها التي تجري على مستوى المنطقة العربية، هناك محاولة دائمة بأن يكون الفلسطينيون هم الخاسر الأكبر والإتكاء عليهم وتدفيعهم أثمان أشياء لا نريد أن ندفعها لأهالينا، الآن قد نشتم ولكن لن يشتمنا التاريخ وأنا متأكد تماماً. أحياناً نضطر إلى إتخاذ سياسة غير شعبية ولكن ستظهر مصداقيتها، لأن هناك من يريد إشعال الفتنة وإذا لم أشعلها معه لن أكون بطل؟؟؟ّ!!!
ليس من يطلق النار على العزل بطلا وليس من يقطع الطريق بطل .أنا مع الحوار السلمي الديموقراطي وأيضاً مع الإحتجاج الشبابي السلمي والإعتصامات السلمية، ولكن أنا ضد إستخدام العنف، وهناك فرق بين السياسة كموقف والسياسة العميقة، السياسة العميقة يمكنك أن ترى وتقرأ المقدمات التي صنعت التوتر وعملية التراكم التي أحدثتها في نفوس الناس ، أما السياسة في الموقف فهي تكون بالبحث عن الطريقة للمعالجة والاحتواء او لتفجير ذلك التوتر وإستخدامه.
دائماً أقول للشباب، يا شباب لكم الحق في التوتر ، لكن عليكم عدم السماح لأي كان بإستخدام توتركم، عندما تستخدمونه في لحظة لا يكون هناك تفكير عقلاني بل تفكير غريزي، وبالتالي نذهب إلى أماكن ومواقف صعبة لا يمكننا الخروج منها.
أقدر الحس الطيب الجميل والشعور بالظلم الذي يتمتع به شباب نهر البارد وأعرف جزء منهم وهم أهل مخيمي. وقد كبروا في ظروف غير طبيعية ، ولأنهم تربوا في هذه الظروف الإستثنائية هم بأمس الحاجة الى العودة إلى الحياة الطبيعية، هذا أحد أسباب العلاج بأن المعالجة يجب أن لا تكون أمنية من قبل كل الجهات المعنية والإجراءات ليست أمنية والمسألة تحتاج إلى قرار سياسي يتعاطى مع الفلسطيني بإحترام وكرامة وكذلك يجب على الفلسطيني ان يقدم رسالة و أن يتعاطى بإحترام لكيان الدولة اللبنانية، نحن لا نريد أن نكون عبئا ولا إمتداداً لأحد سواء كان طائفة أو قوة في هذا البلد. لن نكف كقوى سياسية وعلى رأسها سفارة دولة فلسطين و القيادة السياسية ومعنا كل ابناء نهر البارد عن النضال سويا ويد واحدة حتى عودة المخيم وليس بالعودة اليه فقط... عودته كبناء وكرامة ومساحة حلم تشع دائما بطريق العودة لفلسطين.
6- أين واقع السفارة الآن من القضية وهي تتابع الأمر بين الدولة اللبنانية والأهالي الفلسطينيين؟
السفارة الآن لها دور دبلوماسي ، كقوة تمثيلية ومعها قيادات العمل الفلسطيني ومنظمة التحرير وملف إعادة إعمار نهر البارد ، نرى في الكثير من الأحيان الأهالي يحملون الملف أكثر مما يحتمل، لجنة المتابعة لإعادة إعمار نهر البارد تتكون من اللجان الشعبية والفصائل والقوى السياسة الموجودة على الأرض وبعض الشباب الفنيين الذين يتابعون جانب من الملف، هي لم تنقطع مرة واحدة ولم تنم. المخيم أخذ أعصابنا كلنا، فالملف قدم العديد من الشهداء وقدم دم الشهيد كمال مدحت ومن العيب أن لا نقف مع شعبنا في وقت صعب وعلى شعبنا أن يقدر هذا الموضوع، ونحن كقوة وقيادة سياسية موجودة نستند على قوة هذا المجتمع. من سيضع تناقض بين المجتمع والقيادة السياسية؟ ولماذا؟ وهل هذا يخدم مصلحة المخيم؟؟ أنا أعلم بأن هذه الأسئلة تدور في رأس كل منا
نحن قدمنا دماء كي يكون لنا إنجاز إسمة قيادة سياسية هي منظمة التحرير، وإذا كان هناك أحد ما يبكي على كرامة فالكرامة صنعتها الثورة، وعندما ضعفت فقد ضعفت هذه الكرامة، ولكن ومن يريد إسقاط الأمن الآن لن ينل الكرامة بدون قيادة وثورة.
7- هل دور الأونروا والمؤسسات الأهلية كان كافياً؟ أم أن هناك تقصيراً؟
بالتأكيد الأونروا تقوم بمهام الإغاثة والإعمار وهذا عبء عليهم، الحديث عن تقصيرات الأونروا لا يعني بأننا لا نريد الأونروا، ويمكننا أن نتكلم عن تقصير الفصائل وهذا أيضاً لا يعني بأننا لا نريد الفصائل. حدث مرة أن حاول البعض إحراق مكاتب الأونروا في مخيم نهر البارد، ولكن لولا الأونروا لكانت هذه الناس ضاعت في الشوارع، فالأونروا هي من قامت بالإغاثة من حبة الأسبرين إلى كل العمليات 100%، إلى دفع أجار البيوت لأبناء المخيم، كل هذه الأشياء قامت بها الأونروا من خلال دول أوروبية مانحة، فلذلك عندما أنتقد تقصيرات هذا يعني أنني أنتقد سياسات ولا أنتقد أشخاص أو دور، كما الدولة اللبنانية لديها تقصير ومنها غياب لجنة الحوار، أين لجنة الحوار من هذه الأحداث؟ نحن لجنة المتابعة جزء منها والسفارة على صلة مباشرة معها، ولكن عندما إستقال رئيس لجنة الحوار غاب دورها مما عطل تواصلنا مع القيادة السياسية اللبنانية، فماذا نفعل في ظل هذا الغياب؟
المسؤول الفني في الحكومة في قضية الإعمار أيضاً إستقال ولا يوجد بديل له، نحاول إيجاد تفسيراً لما يحدث وليس بمعنى عذر وذلك لوعي الإشكالات لفهمها ولمعرفة كيفية إيجاد حل لها، عندما ننتقد أحد لنصلحه، ونرى خطأ ما لإستيعابه لإيجاد الحل له، ولكن يمكننا أن نؤدي بالخطأ إلى خطيئة والمصيبة إلى كارثه، هكذا لا نكون أنجزنا شيء غير أننا دفعنا الثمن من أبناءنا وليس شيئاً آخر.
8- ما هي كلمتك الأخيرة لأبناء نهر البارد في هذه الأحداث؟
نهر البارد يجب أن لا يلدغ من جحر مرتين.
بالتضامن والتعاضد والتلاحم نحمي كرامتنا ومخيماتنا ونقول لأي كان : نحنا مش بنك دم.