مناخ "الربيع العربي" يتسلل إلى المخيمات.. والمعالجات الأمنية مرفوضة
هل تحصل نقلة حكومية نوعية في التعامل مع ملف فلسطينيي لبنان؟
جريدة السفير 3-7-2012
داود رمال
لم يرقَ التعاطي الرسمي اللبناني مع قضية اللاجئين الفلسطينيين في لبنان منذ عقود طويلة، الى مستوى المعالجات الجذرية، بل ظل خاضعاً لحسابات سياسية وطائفية داخلية ولاعتبارات إقليمية، أدت كلها إلى جعل المخيمات ورقة قابلة للاستخدام وتوجيه الرسائل الأمنية والسياسية.
وحسناً فعل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، بأن سارع إلى تلقف مقررات الحوار الوطني ولا سيما في نسختها الأخيرة، التي تضمنها «إعلان بعبدا»، لجهة اعطاء أولوية حكومية لملف الحقوق الإنسانية والاجتماعية قبل أية مقاربة أمنية للسلاح الفلسطيني في المخيمات أو خارجها، معتبراً أن استقرار المخيمات جزء من استقرار لبنان، والعكس صحيح.
من هذه الزاوية، جاءت البداية بتعيين د. خلدون الشريف رئيساً للجنة الحوار اللبناني الفلسطيني خلفاً لرئيس اللجنة السابق السفير عبد المجيد قصير الذي قدم استقالته سابقاً.
ويلتقي ميقاتي مع حلقة رسمية ضيقة على وجوب إجراء مقاربة جديدة لكيفية التعاطي مع الملف الفلسطيني في لبنان بشراكة لبنانية فلسطينية يفترض أن «تتمتع بتكامل مستدام لا يخضع للظروف والأمزجة وبما يؤسس لنهج مختلف يفيد الجانبين ويعيد النبض الى وجدان الشباب الفلسطيني حول قضيته الام المتمثلة بالعودة إلى فلسطين»، يقول مرجع لبناني متابع للملف الفلسطيني.
ولا يتردد أحد المشاركين في النقاشات في التحذير من أن تقتصر المعالجات على تخفيف الإجراءات الأمنية حول المخيمات، على أهميتها وضرورتها، ويقول «صحيح ان تقديم تسهيلات لجهة التنقل من المخيمات وإليها يمكن أن يحد من حالة التشنج الا ان المسألة ليست إلغاء تصاريح وغيرها، انما ثمة مشكلة انسانية واجتماعية حقيقية تكبر يوماً بعد آخر ولا أحد يستطيع أن يتحكم بموعد انفجارها».
وفي السياق نفسه، يحذر مرجع غير مدني على تماس مع الملف الفلسطيني في لبنان، الذي يحذر من ان «هناك الكثير من الشباب الفلسطيني الذي ولد ونشأ في المخيمات أصبح متفلتاً من كل التنظيمات الفلسطينية، ولا علاقة له لا بالسلطة ولا بفصائل التحالف ولا بغيرها، وهؤلاء الشباب لديهم توجهات مغايرة عن تلك التي أتى بها الآباء والاجداد من فلسطين، وهم يعيشون حالة الربيع العربي وما يحصل من تحولات في المنطقة من دون أن يكون لهم ربيعهم الفلسطيني، وهؤلاء يرفضون استمرار الواقع المزري الذي يعيشون في ظله ولديهم تطلعاتهم المحقة، وفي المقابل، ثمة انقسام في النظرة اللبنانية حول كيفية التعاطي مع هذه الظاهرة ومع كل الملف الفلسطيني».
ويشدد المرجع الذي يتواصل بصورة دورية مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ومع عدد من القيادات الفلسطينية في بيروت ودمشق، على وجوب الارتقاء في التعاطي مع الملف الفلسطيني الى المستوى السياسي، وعدم حصره بمستويات ميدانية لجهة الإجراءات في محيط المخيمات وإدخال مواد البناء، لان كل الإجراءات التي تهدف الى تخفيف الوطأة عن الفلسطينيين هي حقاً بمثابة حقن تخديرية لا تلبث ان ينتهي مفعولها».
ما هي الإجراءات التي تؤسس لمعالجات جذرية؟ يوضح المرجع الأخير ان القيادات واللجان الشعبية وبعض مجموعات العمل المتخصصة، لخصت أبرز مطالب الفلسطينيين القابلة للتحقيق، وعلى اللجنة الوزارية المعنية أن تأخذ على عاتقها مع لجنة الحوار وباقي القيادات التي تتابع الملف أن تضع جدولة زمنية لتنفيذ المطالب الانسانية والاجتماعية الضاغطة، ومن أبرز الخطوات المطلوبة في اطار التعبير عن حسن نية الحكومة اللبنانية، التعجيل في اعادة اعمار مخيم نهر البارد، فضلاً عن تسهيل عملية الانتقال من المخيم المذكور وباقي المخيمات وإليها، وكذلك، يمكن وضع لائحة بعدد كبير من المهن التي لا ضير في إتاحتها أمام الفلسطينيين، لما لذلك من مردود إيجابي متبادل، لأن الأموال التي سيتقاضاها الفلسطيني ستصرف في لبنان وستنعكس إيجاباً على الدورة الاقتصادية، بينما إذا تقاضاها غيره ستخرج من لبنان، والعبرة أنه لم يعد بإمكاننا أن ندير ظهرنا لقضايا اللاجئين الفلسطينيين في لبنان».
ويكشف المرجع «عن المباشرة بخطوات سياسية مع السلطة الفلسطينية وقوى التحالف الفلسطيني وباقي فصائل منظمة التحرير من دون استثناء أية جهة فلسطينية، وهذا يتطلب أولاً، تفاهماً فلسطينياً فلسطينياً تقابله جهوزية من قبل الدولة اللبنانية لكي تبدأ المرحلة الثانية والتي تؤدي إلى تفاهم لبناني ـ فلسطيني بما يضع قضايا اللاجئين على سكة المعالجة الفعلية والجذرية، وكل ما عدا ذلك، يؤكد أن هناك استحالة لاستمرار معالجة الوضع الفلسطيني بالطريقة المتقادمة ذاتها، لأنه لم يعد مقبولاً ولا مسموحاً وضع الفلسطيني في مواجهة الجيش اللبناني وإدارة الظهر لكل المطالب المحقة التي فيها إفادة كبيرة للفلسطيني واللبناني في آن معاً».
ما الذي يؤخر عملية إعمار مخيم نهر البارد؟
يوضح المرجع «بأن هناك تضارباً مستغرباً في المعلومات والتبريرات. يقولون إنه تم تأمين الاموال لإعمار ثلاث مراحل وإن الاموال مع وكالة «الاونروا»، والسؤال المطروح اين تصرف هذه الاموال؟ هل تصرف في خانة رواتب لأشخاص يتم تشغيلهم في لبنان تحت عنوان اعادة اعمار المخيم بينما الإعمار لا يتم والاموال تتبخر؟ ام ان هناك نية جدية للإعمار، ولكن هناك عوائق عملانية؟ واين تقصير الدولة اللبنانية في هذا الملف واين تقصير السلطة الفلسطينية؟ هذا الملف يحتاج الى متابعة يومية مستمرة».
يختم المرجع بالقول إن عملية إعادة اعمار مخيم نهر البارد في غاية الاهمية وتفتح الباب لحل الكثير من القضايا العالقة والمزمنة، «والمهم ان يغادر اللبنانيون هواجسهم وأن يتصرف الفلسطينيون تحت سقف القانون والنظام العام للدولة اللبنانية، وهذا أقل واجبهم ازاء البلد الذي احتضنهم منذ ستين عاماً وتحمل الكثير من اجل القضية الفلسطينية عن قناعة ذاتية وارادة قوية تنبع من واجبه الوطني والقومي».