عمل الاحتلال المَهين
(هآرتس - جدعون ليفي)
المضمون: الفصل العنصري والخنق والتضييق على سكان الغور من العرب الفلسطينيين ومنع الماء عنهم في حرارة الصيف الحارقة.
آفي مُركز رقابة من قبل "الادارة المدنية"، أي سلطة الاحتلال بلغة أقل نقاءا. ويجوز ان نفترض ان آفي يحب عمله بل قد يفخر به. ان اسم عائلته غير محفوظ لدى أسرة التحرير لأن آفينا لا يجهد نفسه بذكره في الاستمارات التي يوقع عليها لأنه لماذا يجهدها؟ ألا يكفي توقيعه المنمق بكلمة آفي كي ينفذ احكامه، واحكام آفي هي من أقسى الاحكام غير الانسانية التي تُفرض هنا.
يصادر آفي كميات كبيرة من الماء لمئات عائلات فلسطينية وبدوية تعيش في غور الاردن، وحاويات الماء مصدر مائها الوحيد. صادر في الاسابيع الاخيرة نحوا من 12 حاوية مخلفا وراءه عشرات العائلات مع أبنائها في حرارة الغور الفظيعة يظمأون ويجفون. وفي الاستمارات التي يحرص على ملئها كُتب بلغة منمقة "هناك ما يدعو الى الشك في أنهم استعملوا ذلك الماء لتنفيذ مخالفة قانونية". ويزعم منتدبو آفي ان "المخالفة" هي سرقة ماء من الانبوب ولهذا تصادَر الحاويات بلا تحقيق وبلا محاكمة، فأهلا وسهلا في ارض المشاع والشر. وأهلا وسهلا ايضا في ارض التمييز العنصري، فاسرائيل لا تُمكّن آلاف السكان البائسين هؤلاء من ان يُربطوا بأنابيب الماء، فماء الفصل العنصري هذا هو لليهود فقط. ولن يستطيع كبار العاملين الاسرائيليين في الدعاية ان ينكروا هنا هذا الفصل القومي الشيطاني.
ان محور الشر على مبعدة ساعة سفر عن بيوتكم، وهو ناءٍ بعيد عن القلب وهو لا يثير بالطبع أي "احتجاج اجتماعي"، لكنه في تدريج الشر الاسرائيلي واحد من أسفل الشرور. ويطبقه مراقبون غير عنيفين في ظاهر الامر مستخدمين الاستمارات والبيروقراطية وليس فيه قطرة دم، لكنه لا يترك ايضا قطرة ماء. ولا تشمئز الادارة المدنية التي يفترض ان تهتم بحاجات السكان من أكثر الوسائل حقارة وهي منع الماء عن البشر والحيوان في حرارة الصيف لتحقيق هدف اسرائيل الاستراتيجي وهو طردهم عن اراضيهم لتطهير الغور من سكانه غير اليهود.
ان سرقة الماء سواء وقعت أم لم تقع هي ذريعة فقط بالطبع، لأنه أي خيار تُرك لهؤلاء السكان الذين لا تُمكّنهم السلطات من الربط بخط الماء الذي يمر بحقولهم وتسمع آذانهم خريره في طريقها الى ري الكروم والحقول الناضرة للمستوطنين. رأيتهم في الاسبوع الماضي في ظمئهم فرأيت اطفالا ولدوا من قريب وبنتا معاقة وولدا بعد عملية جراحية ونساءا وشيوخا ورأيت الضأن بالطبع وهو مصدر العيش الوحيد هنا ممن صادر المراقب حاويتهم. هنا سكان بلا ماء – في اسرائيل لا في افريقيا، والماء لأبناء شعب واحد فقط – في اسرائيل لا في جنوب افريقيا. لكن ليس الحديث فقط عن هذا الخط الحاسم. فقد استقر رأي الجيش الاسرائيلي قبل بضعة ايام ايضا على التدرب في المنطقة، فماذا يفعلون؟ يطردون كل السكان 24 ساعة عن بيوتهم. أكل السكان؟ أضحكتم الجيش الاسرائيلي. طُرد الفلسطينيون والبدو فقط لأنه لم يخطر ببال أحد بالطبع ان يجلي سكان مشخيوت أو بكعوت أو روعي، ولا يعتبر هذا ايضا فصلا عنصريا. والى أين يُطردون؟ الى حيث تحملهم الريح. وهكذا اضطر نحو من 400 من السكان الى ترك خيامهم وأكواخهم وقضاء يوم وليلة على الارض الجرداء على جانب الشارع متروكين لمصيرهم وعنائهم تحت قبة السماء. واضطر أمجد زهاوة ايضا الى قضاء يوم وليلة على هذه الحال، وكان آنئذ ابن يومين وهكذا أمضى يومه الثالث من حياته تحت الشمس الحارقة بلا وقاء. فأهلا وسهلا بك أنت ايضا يا أمجد في واقع حياتك.
قد قلنا من قبل ان آفي يحب عمله ويفخر به. ومثله عشرات هذا هو عملهم الحقير. لكن الذنب ليس ذنبهم (وحدهم). فمن ورائهم ملايين الاسرائيليين الذين لا يعنيهم كل هذا ألبتة. فهم يمرون في شوارع الغور متعبين ولا ينتبهون الى أكوام التراب التي لا تحصى قرب الشارع التي تسجن السكان وتمنعهم من الوصول الى الشارع. وبين الفينة والاخرى يكون هناك باب من الحديد، فالجنود ممثلو الاحتلال الرحيم يأتون الى هنا مرة في كل بضعة ايام الى الباب للحظة وهم ينسون احيانا ويتأخرون احيانا، ويحدث ان يضيع المفتاح، لكن ماذا يهم هذا. ان الاحتلال مستنير واسرائيل عادلة والجيش الاسرائيلي الأكثر اخلاقية والفصل العنصري اختلاق من كارهي اسرائيل: سافروا الى الغور وتأكدوا من ذلك بأم أعينكم.