دعوة صادقة الى المجتمع الدولي لمنع نكبة جديدة في الارض المقدسة
جريدة القدس
6-10-2012
بقلم المحامي راجح ابو عصب
في خطابه الجامع المانع الذي ألقاه أمام الدورة السابعة والستين للجمعية العامة للامم المتحدة الاسبوع الماضي , وجه الرئيس محمود عباس دعوة الى المجتمع الدولي لمنع حدوث نكبة جديدة في الارض المقدسة , وذلك من خلال اقامة دولة فلسطين الحرة المستقلة الان , وذلك كسبيل لانتصار السلام قبل فوات الاوان , وقبل ضياع هذه الفرصة التاريخية النادرة ’ التي قد لا تتكرر لانهاء الصراع وفتح صفحة جديدة من الامن والامان والتعاون على طريق تحقيق الازدهار والتقدم , وتوجيه كل الجهود والطاقات لبدء عهد جديد في منطقة الشرق الاوسط , عهد خال من العنف والقتل وسفك الدماء والعداء.
وقد رسم الرئيس ابو مازن في خطابه هذا السبيل القويم لتحقيق هذا السلام الذي تنشده شعوب المنطقة ومن ورائها شعوب العالم بأسره , وهذا السبيل يتمثل في تحقيق أماني الشعب الفلسطيني وتطلعاته المشروعة في الحرية واقامة دولته المستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة, ضمن حدود الرابع من حزيران , وفق قرار مجلس الامن الدولي "242 " واتفاق اوسلو في عام 1993 , وما تلاه من اتفاقات وخطة خريطة الطريق , والمبادرة العربية للسلام التي أقرتها قمة بيروت العربية , والتي ما زالت على الطاولة حتى الان , حيث أكدت لجنة المتابعة العربية في اجتماعها الاخير في العاصمة القطرية الدوحة , تمسكها بها كسبيل لتحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة. وقد جدد الرئيس عباس في خطابه الرفض الفلسطيني المطلق للاستيطان الاسرائيلي في الاراضي الفلسطينية , باعتباره غير شرعي ومناقض لكل القرارات الدولية , التي ترفض الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة , كما ترفض تغيير الطابع الديمغرافي لتلك الاراضي , اضافة الى رفضها سياسة فرض الامر الواقع بالقوة , كما شدد الرئيس او مازن رفضه لكل ممارسات المستوطنين ضد المواطنين الفلسطينيين وممتلكاتهم من حجر وشجر وغيرها من الممتلكات.
وأكد أن السلام والاستيطان لا يلتقيان , كما أن الاستيطان يجعل من تطبيق رؤية حل الدولتين , الذي أجمعت عليه دول العالم قاطبة , أمرا مستحيلا أو شبه مستحيل , ذلك أن هذا الاستيطان مزق الارض الفلسطينية , وجعل التواصل بينها امرا مستحيلا ’ بحيث بدت هذه المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية "معازل" "كانتونات" لا يربطها أي رابط.
وقد أوضح الرئيس عباس في خطابه أمام ممثلي دول العالم المختلفة ان الخريطة والحدود النهائية التي يمكن رسمها وفق المواقف الرسمية الاسرائيلية ستظهر معازل فلسطينية صغيرة محاطة بالكتل الإستيطانية الضخمة وبالجدران والحواجز والمناطق الامنية الواسعة والطرق المخصصة للمستوطنين , وذلك يحقق ما يسميه رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو بالدولة ذات الحدود المؤقتة , وهذا المشروع أكد أبو مازن رفض القيادة والشعب الفلسطيني له رفضا قاطعا من ألفه الى يائه لأنه لن يحقق السلام المنشود , ولأنه لا يحقق حق الشعب الفلسطيني في حريته واستقلاله واقامة الدولة الفلسطينية المنشودة .
ورغم الغضب الذي تشعر به القيادة والشعب الفلسطيني من الممارسات الاسرائيلية المنافية لاتفاق اوسلو , ولقرارات الشرعية الدولية , فان الرئيس ابو مازن أوضح في خطابه ذاك , انه يؤكد باسم منظمة التحرير الفلسطينية , الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني , أننا متمسكون بهدف السلام وبالشرعية الدولية ومواثيقها وقراراتها قدر تمسكنا بحقوقنا الثابتة , وجدد رفضه للعنف ونبذه للارهاب بأشكاله كافة وشدد على أنه رغم خيبة الامل التي نشعر بها ’ فاننا نواصل مد يد السلام الصادقة الى الشعب الاسرائيلي , حيث أننا ندرك أننا في نهاية المطاف لا بد أن يعيش الشعبان ويتعايشان كل في دولته فوق الارض المقدسة , كما ندرك أن التقدم نحو صنع السلام يتم عبر المفاوضات بين منظمة التحرير واسرائيل.
وأكد الرئيس ابو مازن أنه رغم جو الاحباط والواقع المعقد الذي تعيشه المنطقة ’ فانه ما زالت أمام العالم كله , وربما ستكون هذه الفرصة الاخيرة , وهي , كما قال بحق الاخيرة فعلا لانقاذ حل الدولتين ولانقاذ السلام . ولهذا وضع الرئيس عباس العالم كله امام مسؤولياته التاريخية ازاء هذه المنطقة الهامة والحساسة من العالم , خاصة في ظل الجمود التام الذي تعيشه عملية السلام جراء رفض الحكومة الاسرائيلية وتهربها من دفع استحقاقات السلام وتنفيذ , ما التزمت به الحكومات الاسرائيلية السابقة من تعهدات تجاه عملية السلام .
وتطرق الرئيس عباس في خطابه امام الجمعية العامة للامم المتحدة الى النصائح التي تقدم للقيادة الفلسطينية بالعودة الى تكرار تجربة المفاوضات التي ثبت عقمها وفشلها , لأن الحكومة الاسرائيلية تتخذها وسيلة وغطاء للاستمرار في سياساتها التوسعية , وفرض المزيد من الوقائع على الارض , بحيث غدت مفاوضات عبثية , لن تثمر عن أي شيء , وتدور في حلقة مفرغة , وتبدد الوقت وتغلق الابواب أمام تحقيق السلام , وتشيع أجواء من الاحباط . خاصة وأن سنوات عديدة من المفاوضات لم تؤد الى أي شيء سوى توسيع المستوطنات القائمة , واقامة المزيد من المستوطنات الجديدة , والسيطرة على المزيد من الاراضي الفلسطينية .
ان من ينصح القيادة الفلسطينية بالعودة الى تلك المفاوضات العبثية والعقيمة , عليه أن يوجه النصيحة للحكومة الاسرائيلية لتستغل هذه الفرصة التاريخية النادرة لتحقيق السلام العادل والشامل مع القيادة الفلسطينية الحالية برئاسة الرئيس محمود عباس , الذي وحده يستطيع اقناع الشعب الفلسطيني بقبول السلام العادل, الذي سيتوصل اليه مع الجانب الاسرائيلي , ان صدقت نوايا الحكومة الاسرائيلية .
ان العالم كله تأكد خلال الاعوام الماضية , أن الرئيس عباس صادق كل الصدق في توجهه نحو عملية السلام , وأنه رجل واقعي ينظر الى الامور نظرة واقعية , ويريد باخلاص انهاء محنة شعبه التي مضى عليها أكثر من ستة عقود , يريد لشعبه أن يستريح بعد هذه السنين الطويلة من العذاب والالام والمعاناة , يريد لشعبه أن ينعم بالامن والامان ضمن حدود دولته المستقلة , بحيث يمارس فيه الشعب الفلسطيني سيادته الكاملة على أرضه وأجوائه ومياهه أسوة بباقي شعوب الارض الاخرى , فهذا الشعب لا يطلب المستحيل , وانما يطلب حقوقه المشروعة المعترف بها دوليا .
ولذا فان على قادة وزعماء العالم , خاصة في الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي الاستجابة للدعوة الصادقة التي وجهها اليهم الرئيس أبو مازن , باسم الشعب الفلسطيني , المتمثلة في دعمهم اقامة دولة فلسطين الان قبل فوات الاوان .
وذلك منعا , كما قال ابو مازن وبحق , لوقوع نكبة جديدة في الارض المقدسة .
وهم يستطيعون ذلك ان ارادوا , وذلك من خلال الضغط على الحكومة الاسرائيلية ووضعها امام مسؤولياتها التاريخية لتنفيذ ما اتفقت عليه مع منظمة التحرير الفلسطينية , ولتحقيق رؤية حل الدولتين باعتبار هذه الرؤية السبيل الوحيد لانهاء الصراع وتحقيق السلام .
ان تحقيق السلام من خلال تطبيق رؤية حل الدولتين ليس مصلحة فلسطينية فقط بل هو ايضا مصلحة اسرائيلية وفي ذات الوقت مصلحة اميركية ومصلحة عالمية لأن الاستقرار في هذه المنطقة الاستراتيجية من العالم ينعكس على الاستقرار في العالم كله , كما أن الاضطراب في هذه المنطقة سينعكس سلبا على الاوضاع في العالم كافة ، خاصة في ظل ما تشهده المنطقة العربية من حالة عدم استقرار في أجواء ما يعرف بالربيع العربي .
ان تحذير الرئيس عباس قادة العالم ووضعهم أمام مسؤولياتهم التاريخية تجاه السلم والامن الدوليين , جاء متزامنا مع تأكيده أن الشعب الفلسطيني الشجاع سيواصل ملحمة صموده وبقائه الابدي فوق أرضه الطيبة , حيث أننا وبكل تأكيد لا وطن لنا الا فلسطين , ولا أرض لنا الا فلسطين , ولن نقبل بغيرها بديلا . وفي ذات الوقت فان شعبنا الفلسطيني يواصل بناء مؤسسات دولته التي اعترفت بها حتى الان اكثر من مئة وخمسين دولة حيث ترتفع الرايات الفلسطينية فوق مباني سفاراتنا في العديد من دول العالم المختلفة .
لقد كان خطاب الرئيس في الامم المتحدة خطابا شاملا وهادئا ومسالما ومتزنا وعاقلا ,وصف فيه الاوضاع بالغة الخطورة جراء تعثر عملية السلام والمخاطر المترتبة على ذلك , كما وصف الحل الانجع لتجاوز تلك المخاطر ومد يد السلام الفلسطينية الصادقة وجدد نبذه للعنف ورفضه للارهاب بكل اشكاله , ولذا كان مستغربا رد الفعل الاسرائيلي الغاضب على هذا الخطاب , واعتباره أي الخطاب تحريضا على اسرائيل والزعم بأن الرئيس عباس ليس شريكا للسلام , بدلا من أن يستجيبوا ليد السلام الصادقة التي مدها الرئيس ابو مازن .
وقد كان المسؤول الدبلوماسي الغربي الذي تحدث لصحيفة "هآرتس " الاسرائيلية عندما وصف خطاب الرئيس عباس امام الجمعية العامة للامم المتحدة بأنه اشارة الى نية الرئيس عباس الاستقالة من منصبه بسبب انسداد الافق السياسي في المنطقة , واذا ما صدقت توقعات هذا الدبلوماسي الغربي , فإن أي انسان لا يستطيع التكهن بما ستؤول اليه الاوضاع اذا استقال الرئيس عباس من منصبه , علما أنه هو الزعيم الفلسطيني الذي استطاع فرض الامن والنظام وسلطة القانون والقضاء على الانفلات الامني والفوضى وحكم المليشيات في الضفة الغربية !!
والذي يزيد الطين بلة والاوضاع المعقدة اصلا تعقيدا الهجوم المستمر لوزير الخارجية الاسرائيلي ليبرمان على الرئيس عباس وتهديده اياه بدفع ثمن التوجه الى الامم المتحدة لرفع مستوى التمثيل الفلسطيني , الامر الذي اعتبرته القيادة الفلسطينية , وعن حق , تحريضا على قتل الرئيس عباس ’ واننا اذ نعبر عن رفضنا لهذه التهديدات فإن ما أعلنه وزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك من أن تصريحات ليبرمان لا تمثل الحكومة الاسرائيلية غير كاف , بل على رئيس الوزراء نتنياهو أن يوقف ليبرمان عند حده , ذلك أن تصريحات اسرائيليين يمينيين متطرفين ضد اسحاق رابين هي التي أدت باليميني المتطرف "يجئال عمير " الى اغتيال رابين !!
ان من يريد السلام لا يلجأ الى التهديد والتحريض واعتبار الرئيس عباس ليس شريكا للسلام , ذلك أن الرئيس عباس هو رجل سلام من الطراز الاول , واذا ما استقال فلن تجد اسرائيل زعيما فلسطينيا أخر يعقد معها سلاما !! فعلى العقلاء في اسرائيل الا يضيعوا هذه الفرصة التاريخية التي يعرضها ابو مازن لتحقيق السلام . فهل يفعلون ؟
والله الموفق