حركة فتح تغتسل مجددا
بقلم بكر ابو بكر
جريدة الحياة الجديدة 2-1-2013
عندما وقف أحمد داوود أوغلو وزير الخارجية التركي في الامم المتحدة الى جانب الرئيس أبو مازن شامخين، كان بذلك يرسم معالم للنظام الجديد الذي هو من صناعه الكبار في المنطقة، فهو اذ يقف وحيدا دون العرب ليتلقى التهاني بسطوع شمس دولة فلسطين, فانه يرسل ثلاث رسائل للعرب وللعالم.
الرسالة الأولى هي أن خط العملانية (البراغماتية) والاعتدال والوسطية في الفكر والسياسة والمجتمع هو الخط القابل للحياة في عالم اليوم المفتوح على الصعيد المكاني والزماني والفضائي (المعلواتصالي)، ويؤكد في رسالته الثانية ان بناء المؤسسات والتنظيمات والاقتصاد بما يلبي حاجات الناس والبلاد مكون رئيسي لمن يريد بناء بلده أو دولته، وليس الخطل والاختلاف «الرغائي» في البناءات الفكرانية (=الايديولوجية) المعيقة، ورسالته الثالثة تقول ان الانسان هو الجوهر وليس البناء التحتي، فهذا البناء التحتي على أهميته يجيء لخدمة الانسان بما لا يفعله الانهاك المنظم لفكره وارادته.
ومن هنا جاء التلاقي بين أبو مازن في دولته الصاعدة، دولتنا الصاعدة، والدولة التركية الصاعدة (استطاعت تركيا في 10 اعوام ان تسدد ديونها، وتقوم بتسليف البنك الدولي 5 مليارات) التي تخلصت من الانهاك والحيرة لزمن طويل.
اننا نرسم هذه الصورة لمناسبة انطلاقة الثورة الفلسطينية لنقول ان حركة فتح الفكرة جاءت وهي تحمل في طياتها 3 عناصر: فهي متغيرة، متجددة، منطلقة، اذ جاء التغيير من رفض عنيف للواقع الاحتلالي، وجاء التجدد بإطلاق ثورة بأساليب مختلفة اعتمدت الكفاح المسلح ثم الانتفاضات ثم عناق المقاومة الشعبية مع النضال السياسي في مراحل عدة ووفق قواعد رؤية معمقة للواقع المتغير ولآليات الأصوب أو الخيار الأمثل للتعامل معه.
وكان الانطلاق في حركة فتح ثالثا بمعنى ديمومة الحركة والفعل والنشاط، حيث اسقطت الحركة وما زالت الشعارات الكبيرة فارغة المضمون والفعل، وركزت وكرست وخصصت نضالها في البعد الوطني الفلسطيني ما لحقها به كافة ثورات الربيع العربي اليوم وإن أكدت ان القاطرة الفلسطينية لا تصل المحطة الاخيرة إلا في القطار العربي.
ان رسائل الانطلاقة الجديدة للثورة الفلسطينية وفتح، تصر على هذه التسمية «انطلاقة الثورة الفلسطينية» تأكيدا على رفض الحزبية الضيقة، فهي أي الانطلاقة لكل الثوار، وتأكيد على مضمون شعار الوحدة الوطنية الذي ميز هذه الحركة في تاريخها الطويل، والتي كان فيها الاختلاف مشاعا ومباحا ومسموحا على عكس التنظيمات الفكرانية التي تنبذ وتطرد وتهمش كليا من يخالفها فلا يجد له مكانا.
ان حركة فتح قد حسمت أمرها في اجتماع المجلس الثوري الأخير على تكريس الديمقراطية باطلاق الانتخابات الداخلية التي سيتلوها المؤتمر العام السابع صيف 2014 علّه يستجيب لمنطق المتغيرات الداخلية والاقليمية والعالمية الداهمة.
ان القدرة على التجدد، تدركه المقلة الواسعة التي ترى المتغيرات بعين فاحصة، فتقرأ الواقع بنظرة مختلفة تمازج بين الداخلي والإقليمي والقدرات والفرص ومكامن التأثير فتلقي بالبالي من الثياب ثم تغتسل لتلبس ثوبها الجديد.