المشهد الإسرائيلي في ٢٠١٣ و٢٠٢٣ و٢٠٣٣
جريدة الايام 3-1-2013
بقلم د. عبد المجيد سويلم
في الوقت الذي تنشط فيه مراكز الأبحاث والدراسات الإسرائيلية بإصدار التقارير الخاصة بتوقعات المستقبل في العالم العربي المحيط بإسرائيل، لا نجد ما يكفي من هذه التقارير حول التوقعات الخاصة بإسرائيل نفسها.
ليس مفهوماً لنا كيف تتوافر لهذه المراكز المعطيات الكافية لتلك التوقعات حول العالم العربي، ولا تتوافر حول الواقع الإسرائيلي، وليس واضحاً ما إذا كان هذا "النقص" مقصوداً أو قصرياً أو يعود ربما لعدم ترجمة ما يصدر بشأنه من العبرية إلى العربية للذين لا يعرفون ويتابعون ما يصدر بالعبرية. الشيء المؤكد أن التقارير الفلسطينية والعربية حول إسرائيل والتوقعات المستقبلية الخاصة بها قليلة وأحياناً فقيرة، وتكاد تكون معدومة في بلدان عربية كبيرة وكثيرة. أزعم أن ما سيجري في إسرائيل في العام الجديد سيؤسس لما سيجري فيها ولها في العقدين القادمين. كيف؟؟
هناك تحولات كبيرة في بنية المجتمع الإسرائيلي تحدث للمرة الأولى منذ تأسيس دولة إسرائيل، فقد انحاز المجتمع الإسرائيلي بين العام ١٩٤٩ والعام ١٩٧٧ لأفكار اليسار الصهيوني وبعض أوساط الوسط في حين صعد اليمين إلى السلطة وتناوب الصراع على اليسار ومع الوسط حتى نهايات العقد الأول من الألفية الثالثة.
الصراع الحقيقي بدءاً من هذا العام من ناحية الشكل ومن ناحية المضمون والجوهر لم يعد كذلك. وتكاد الأمور تعلن عن نفسها بوضوح تام من هذه اللحظة (لحظة التوقعات واستطلاعات الرأي حول نتائج الانتخابات المبكرة)، وتكاد الخارطة الحزبية ترتسم بالكامل إلا من تعديلات بسيطة لن تغير ولن تؤثر في كلية المشهد القادم.
ويبدو أن أقصى ما يمكن أن تتحصل عليه أحزاب ما يسمى اليسار والوسط في إسرائيل هو ما بين ٣٠ - ٣٥ مقعداً، في حين أن معسكر اليمين مع الأحزاب الدينية يمكن أن يحصد ما لا يقل عن ٦٥ - ٧٠ مقعداً وهذا هو المتغير الأكبر في المشهد القادم.
والمتغير الكبير الثاني هو انتقال الصراع الحقيقي من الصراع بين اليمين وبين الوسط واليسار إلى صراع بين اليمين واليمين. فكما زادت قوة ليبرمان في الانتخابات السابقة تزداد قوة "البيت اليهودي" في هذه الانتخابات وتقترب من النسبة التي حصل عليها "إسرائيل بيتنا" وبذلك أصبح من المستحيل على تحالف نتنياهو ليبرمان الانزياح قيد أنملة واحدة نحو يمين الوسط أو الوسط تحت أي ظرف من الظروف، وهو ما يعني أن التحالف القادم هو تحالف تتراوح سياساته ما بين ضم الجزء الأكبر من الضفة وتهجير الفلسطينيين وعدم الموافقة على قيام أي دولة في أي نوع كان وإخضاع منطقتي A و B إلى حصار أمني كامل وسيطرة عسكرية مباشرة في كافة المناطق المحيطة بهاتين المنطقتين ونهاية مشروع الدولتين والفصل التام بين القدس والضفة والفصل التام والنهائي بين الضفة وغزة والشروع في محاصرة فلسطينيي الداخل.
باختصار، نحن أمام نهاية مشروع العملية السياسية والبدء بمرحلة جديدة عنوانها حكم ذاتي مقيد دون حقوق وطنية على ما لا يزيد على ٤٠٪ من الضفة، ونحن أمام إجماع يميني (وإلى حد ما قومي) على رفض حق العودة حتى إلى منطقة الحكم الذاتي، ونحن أمام "إجبار" مصر على تولي شؤون قطاع غزة وربما إقحام الأردن على دور ما فيما يتعلق بتلك المنطقة من الضفة.
هزيمة اليسار والوسط (مع التحفظ على هذين اللفظين أينما وردا في هذا المقال) كما أرى سببها الأول والثاني والعاشر هو التنكر والاستخفاف بأهمية العامل "القومي والسياسي" في البرامج السياسية وعدم وجود هوية اجتماعية حقيقية لهذه القوى.
التنكر والاستخفاف هنا هو في الاعتقاد الساذج بأن القضايا الحياتية اليومية باتت هي المقياس الأول والشغل الشاغل للمواطن الإسرائيلي وأن الاهتمام بالقضايا السياسية القومية لم يعد يحتل جدول الاهتمام عند الأجيال الشابة الجديدة.
أما "نجاح" اليمين فمرده قدرة هذا اليمين على التهييج والتخويف والتهويل "بالأخطار" التي تحيط بإسرائيل والربط بين "الحفاظ" على أمن الدولة واستقرار الحياة الاقتصادية والاجتماعية فيها.
البنية الاجتماعية في إسرائيل أصبحت عاملاً رئيساً من عوامل تطرف الأحزاب، وأصبح التنافس من خلال إظهار العداء للشعب الفلسطيني وحقوقه هو المدخل المناسب للحصول على الأصوات، وهذه الظاهرة هي المتغير الثالث والكبير في إسرائيل.
طبعاً هذا كله ليس قدراً نهائياً، واستمرار إسرائيل في البناء على هذه المتغيرات هو واقع قائم ولكنه يحمل في طياته خطراً على مستقبلها ووجودها، وهذا هو عنصر الارتباط الرئيس بين عام ٢٠١٣ والأعوام القادمة على مدار عقدين أو أكثر.
باحثان بلجيكيان (ليسا على خصومة خاصة مع إسرائيل) وهما مع الدولتين ليس إلا، يريان في كتابهما الأخير (إسرائيل مستقبل في موقع الشك) أن وجودها في الشرق الأوسط مهدد بالزوال إذا لم يتم التعامل بصورة جادة ومن خلال تحولات عميقة مع العوامل الداخلية والخارجية التي ستحدد مستقبل وجودها في هذا الإقليم.
حظي الكتاب باهتمام واسع في الأوساط السياسية والثقافية والأكاديمية الإسرائيلية، وكتبت حوله مقالات وأبحاث جادة.
يتكون الكتاب كما عرض من ثمانية فصول يشرح فيها الكاتبان خطراً محددا في كل فصل.
تتلخص الأخطار في تنامي مظاهر المعاداة للسامية والصهيونية بسبب سياسة إسرائيل وليس فقط بسبب الإرث الثقافي والديني للغرب وبسبب التشويه الذي أحدثته صناعة المحرقة واستخدامها الابتزازي المبتذل.
كما يرى الكاتبان أن صعود القوى الإسلامية سيمهد لصراع قادم وأن الثورات العربية ستتعمق بما سيفضي إلى الصدام مع إسرائيل وتوحيد الإقليم خصوصاً.
ويرى الكاتبان أن الرأي العام العالمي بات معادياً لإسرائيل وبات الدفاع عنها في الأوسط الرسمية الغربية أمراً صعباً ويصعب يوماً بعد يوم، حتى في إطار الولايات المتحدة. بمعنى أن إسرائيل تتحول من حليف إلى عبء، وفي ضوء حاجة العالم لموارد الإقليم وفي ضوء صعود قوى جديدة على الحلبة الدولية.
ويلاحظ الكاتبان أهمية محدودية الرقعة الجغرافية لإسرائيل وسهولة استهداف مرافقها الحيوية، لكن الكاتبين يركزان بشكل خاص على التصدعات الداخلية التي ستنجم عن المتغيرات الديمغرافية وعن زيادة المستوطنين والمتدينين ما سيضع الدولة أمام أخطار مباشرة.
باختصار، فإن الكاتبين يعيدان شرح ما كان قد أكده الكاتب والباحث العبقري الراحل عبد الوهاب المسيري الذي أكد أن أزمة إسرائيل الحقيقية هي في أن قيامها وتطورها وواقعها ومستقبلها منوط بعاملين:
الأول ـ الدعم الغربي المطلق، أما الثاني ـ فهو الضعف العربي المطلق. ويبدو أن إسرائيل من خلال التغيرات الكبيرة التي تطرأ على سياساتها ومن المتغيرات التي يشهدها مجتمعها تسير نحو نهاية سريعة نسبياً لهذين العاملين.
لهذا، فإن العام ٢٠١٣ هو مقدمة للعقود القادمة، ومحور الارتكاز للسياسة اليمينية المتعصبة والعنصرية. سياسة الهروب إلى الأمام والقفز عن أسئلة الواقع والغرق والتيه لسنوات طويلة قادمة قد لا تنتهي باستفاقة وإنما بكارثة.