مهرجان الغد: برقيات وحقائق
جريدة الحياة الجديدة 3-1-2013
بقلم عدلي صادق
تتوجه الجموع في غزة، الى مهرجان الغد، لإحياء الذكرى الثامنة والأربعين لانطلاقة «فتح» قيثارة الفلسطينيين وسر كبريائهم، ورافعة انتشالهم من وضعية البؤس والقنوط، الى سويّة الكبرياء والثورة والتحقق الوطني. ففي هذه المناسبة، يستذكر الناس تاريخاً، ودرباً طويلاً، وإرثاً كفاحياً، ورموزاً رحلوا، ومراحل ومعارك وذكريات لا حصر لها. وسيكون الاحتشاد البليغ في غزة، بدءاً من ظهر الغد، تعبيراً لا لُبس فيه، عن أصالة الشعب الفلسطيني ووفائه وذكائه، وعن تعلقه بحركته الوطنية مهما كانت أحوالها. فكلمة الجماهير ستكون حاسمة ومدوية: لن يفلح من يكرس الانقسام، ولا من يحاول شطب تجارب الذين سبقوا الى النضال، ولا المساس بالشرف الوطني للحاضرين في الساحة الوطنية، قابضين على الجمر. أما حقائق التجارب ونصاعتها، فلا تقررها الخطابات من فوق المنابر، ولا المهاترات، وإنما الأفعال على الأرض، وعلاقة كل المفردات بالوقائع وبالمنطق!
في هذه البُرهة العسيرة من تاريخ شعبنا؛ أصبح من المستحيل، أن يستمر الانقسام بعد أن سقطت ذرائعه. فالوئام الوطني لا يكون بغير التمكين للإرادة الشعبية. والفتحاويون يتقبلون إرادة الشعب، حين يحكم على التجارب، بين كل فترة وأخرى. في العام 2006 كانت قد ترهلت الأطر العليا لحركة «فتح» فخسرت الحركة الانتخابات العامة واستحقت الهزيمة وتقبلت الإرادة الشعبية. لكن جماهير «فتح» لم تُهزم، لا في واقع النتائج على صعيد مجموع الاصوات المشتتة والمحسوبة، ولا في واقع الوعي الجمعي الفلسطيني، الذي راكمت فيه الحركة الوطنية مآثرها ومناقبها وتاريخها كله. وكانت بدايات الخطأ في تجربة القوى الصاعدة، أنها وظفت العمل الحزبي والفضائيات، والأنظمة الموتورة (ومن بينها نظام الإجرام في سوريا) و»الجماعة» المنتشرة في الإقليم العربي؛ لتحقيق الإقصاء النهائي بعد الشيطنة والتشويه، لحركتنا الوطنية المعاصرة. وفي ذلك السياق، تعرض الظالمون لتاريخ النضال الفلسطيني منذ بدايته، لتسفيه مقاصده ورموزه، وكان ذلك في موازاة الغلاظة في التعامل مع الوطنيين الفتحاويين في غزة، وكأن «فتح» ليست هي التي أتاحت للجميع، الانخراط في النظام السياسي والاحتكام الى صناديق الاقتراع دون شروط، ودون تحديد سقوف سياسية، تراعي واقع وأساس نشأة السلطة!
في مهرجان الغد، سيكون واضحاً للقاصي والداني، أن كل التخرّصات والتشويهات، لم تشطب حرفاً واحداً، من حكاية «فتح» ومآثرها في الوجدان الفلسطيني. إن هذه الدلالة، تلائم «حماس» قبل أن تلائم حركة «فتح» لأن بديلها هو القول بأن الناس خرجت نكاية فيمن يحكمون غزة. بالتالي فإن الروح التي يحتفل بها الوطنيون بذكرى انطلاقة الثورة؛ تُملي عليهم أن يتجنبوا القول الذي لا يجافي الحقيقة، وهو أن جزءاً كبيراً من الجموع التي ستحتشد في المهرجان، إنما هي اجتمعت للتأكيد على أن تجربة «حماس» في الحكم، كانت الأشد قسوة ومعاناة، اجتماعياً ووطنياً وسياسياً، وأن هذه التجربة ومرحلتها، لم تفلح في شىء سوى في تخليق شرائح اجتماعية جديدة، ترعرعت واغتنت، في ظل وضع اليد على المجتمع والأسواق والمنافذ والأنفاق والأراضي الأميرية. كذلك فإن الحشود التي تحتفل بذكرى انطلاقة «فتح» ليست ساذجة ولا نائمة على أوهام بأن الحال الفتحاوية على ما يرام. ففي الضفة، هناك المقياس الأدق لمدى نجاح القيادة الفتحاوية، وهو لا يدل على فلاح. أما في غزة حيث حال الاختناق الاجتماعي، السياسي والوطني، الذي أوقعته «حماس» على مدى سنوات في القطاع الصابر؛ فقد كان طبيعياً أن يحتشد الناس في ذكرى انطلاقة «فتح». إنهم يحتفلون في لحظة انعتاق من القمع السياسي الذي صبروا عليه طويلاً، حتى لم يعد ممكناً استمراره. ونحمد الله أن الأمور على هذا الصعيد تنفرج دون عنف، لأننا كنا نخشى الانفجار الشعبي الذي لا تُحمد عقباه. ويُسجل للحمساويين الذين حسموا الأمر لصالح إقامة المهرجان الفتحاوي، أنهم لم يرضخوا لضغوط المأزومين الأغبياء، الذين يريدونها خصومة مديدة ومنعاً وكبتاً الى ما لا نهاية. فالأغبياء يخربون بيوتهم وبيوت غيرهم بأيديهم. وهؤلاء يصدقون نتنياهو المأفون، كلما أعرب عن «تخوفاته» من سيطرة «حماس» على الضفة، فتكبر رؤوسهم ويظنونها سيطرة متاحة من خلال «توازن رعب» بين «الخائف والمُخيف». لكن الأذكياء يعرفون بأن نتنياهو يكذب، فهو ليس خائفاً، بل إنه يريدها لعبة خطيرة وقودها الفلسطينيون.
في مهرجان الغد، يُدشن فلسطينيو غزة مرحلة جديدة. إنهم عازمون على إنهاء الإنقسام والتمكين للإرادة الشعبية. هم لم يقبضوا حرفاً من أحايث التخوين، ولا من أناشيد الطنين. فما يصلح للخطابة، ليس بالضرورة أن يصلح للحياة أو للنضال الوطني. وما يقوله الغاضب والحانق والمذعور، لا يفسر الواقع. وكل مقترف لفعل شائن، من أي طرف، سيتلقى جزاء ما اقترفت يداه. فما أروع الشمس حين تسطع في يوم شتوي. وما أبدع الحقيقة حين يسمعها من يجهلونها، بلسان الجموع. الفلسطينيون لن يقبلوا الاستمرار في الصمت على الانقسام، لكي ينجو من المساءلة، مخطىء أو مقترف جريمة، أو مشبوه أو فاسد، أو صاحب فتنة، من أي طرف. فنحن ذاهبون الى الشفافية والى العدالة، وهذه هي إحدى برقيات المهرجان!