الأسـرى.. من النكسة حتى اليوم.. أرقام مذهلة ومعاناة بلا حدود
رام الله 5-6-2011
كشف تقرير أعده الباحث المختص في قضايا الأسرى، مدير دائرة الإحصاء في وزارة الأسرى والمحررين في السلطة الوطنية عبد الناصر فروانة، عن أن الاحتلال الإسرائيلي اعتقل منذ نكسة حزيران عام 1967 وحتى اليوم قرابة 750 ألف مواطن فلسطيني، بالإضافة لآلاف المواطنين العرب.
وأشار التقرير الذي أصدره، اليوم الأحد، تحت عنوان 'الأسرى من النكسة حتى اليوم أرقام مذهلة ومعاناة بلا حدود' لمناسبة ذكرى الخامس من حزيران عام 1967، إلى وجود 6 آلاف أسير في سجون الاحتلال، بينهم مئات الأطفال والنساء والشيوخ والمرضى.
وأوضح التقرير أن سلطات الاحتلال لجأت بعد النكسة، وتنامي المقاومة للاحتلال، إلى اعتقال العديد من المواطنين والشخصيات الوطنية، وكل من يشتبه بأن لهم علاقة بالمقاومة من قريب أو من بعيد، وأنه بالإضافة إلى السجون التي ورثتها عن الانتداب البريطاني وتوسيعها عام 1970م وبظروف أكثر قسوة، وفي وقت لاحق بنى الاحتلال الإسرائيلي عددا من السجون والمعتقلات بمواصفاته الخاصة الأكثر قمعية والأشد قسوة وحراسة، كسجن بئر السبع ونفحة الصحراوي و'ريمون' ومعتقل أنصار3 في النقب، وسجني 'جلبوع' حتى وصل عدد السجون والمعتقلات إلى ما يقارب الثلاثين سجنا ومعتقلا ومركز توقيف .
وأفاد فروانة في تقريره بأنه منذ 'نكسة' حزيران ولغاية اليوم، وبعد مرور أربعة وأربعين عاما لم تتوقف الاعتقالات، ولكن خطها البياني سار بشكل متعرج، إلاَّ أنها لم تقتصر على فئة أو شريحة محددة، فاستهدفت كل ما هو فلسطيني بدءا من الطفل ذي الثانية عشر من عمره والشاب والفتاة ومرورا بالمرأة الحامل والطبيب، والمحامي والعامل، والطالب والنائب والوزير، وصولا للشيخ العجوز ذي الخامسة والسبعين عاما، وليس انتهاء بالمعاق جسديا ونفسيا ومرضى القلب والسرطان.
وقال: لم يطرأ أي تحسن جوهري على طبيعة السجون على اختلاف أسمائها ومواقعها الجغرافية، أو على ظروفها و طبيعة معاملة السجانين للسجناء والمعتقلين وفق ما تنص عليه كافة المواثيق الدولية وخاصة اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بمعاملة الأسرى أو تلك الخاصة بمعاملة الأشخاص المدنيين وقت الحرب، بل بالعكس كلما بني سجن جديد تجده أكثر قسوة من سابقيه، ومع مرور السنين تتصاعد الهجمة الشرسة ضد الأسرى لتطال حياتهم الخاصة وتمس بكرامة وشرف الأسير وأهله.
الأسـرى بالأرقـام
وذكر فروانة، أنه حسب الإحصائيات الموثقة اعتقل الاحتلال منذ العام 1967 وحتى الآن قرابة 750 ألف مواطن ومواطنة، واستشهد 202 أسير بعد اعتقالهم جراء التعذيب أو الإهمال الطبي أو القتل العمد بعد الاعتقال، فيما مئات آخرون استشهدوا بعد خروجهم من السجن متأثرين بأمراض ورثوها عن السجون، أو كان للسجن والتعذيب وما بينهما أسباب مباشرة لاستشهادهم.
وفي قراءة سريعة ، تكشف الوثائق كما يقول فروانة، إن كل عائلة فلسطينية قد تعرض أحد أفرادها أو جميعهم للاعتقال لمرة واحدة أو لمرات عدة.
فشل الاحتلال
وكشف فروانة، أنه رغم سياسات وممارسات الاحتلال القهرية عبر الاعتقالات وغيرها من الممارسات فإن ذلك كله لم ولن يساهم في تحقيق أهداف الاحتلال المرجوة من وراء الاعتقالات والمتمثلة في القضاء على وطنية الأسرى وثوريتهم، وتحويلهم إلى عالة على ذويهم وشعبهم.
وأضاف: 'الشعب الفلسطيني لم يعد يخيفه الاعتقال ولا كثرة السجون، وللدلالة على ذلك فإن عشرات الآلاف من الفلسطينيين اعتقلوا عدة مرات، وأضحى الاعتقال مفردا ثابتا في القاموس الفلسطيني'.
انتصارات الأسرى
وأشار إلى أن السجون لم تنل من عزيمة الأسرى، ورغم ظروفهم القاسية ناضلوا واستطاعوا تحويل السجون من محنة إلى منحة وحققوا انتصارات عدة ونجحوا في انتزاع بعض حقوقهم الأساسية، فيما لا تزال معركتهم مفتوحة ضد السجان وإدارة السجون لتحسين شروط حياتهم وانتزاع باقي حقوقهم المسلوبة ولوضع حد للانتهاكات والجرائم التي تقترف بحقهم.
القضية المركزية
وأكد التقرير أنه بعد (44) عاما على 'النكسة' يمكن التأكيد بأن قضية الأسرى كانت ولا تزال قضية مركزية بالنسبة للشعب الفلسطيني، لكنها جرح يكبر ويتسع شرخا، وأن أرقام الأسرى تتصاعد بشكل مذهل، وأن تجارب وحكايات الحركة الأسيرة تتراكم لتملأ مجلدات فيما لو تم توثيقها وتدوينها.
وقال فراونة: 'الأسرى قصص لأطفال كبرت في سجون الاحتلال، وحكايات مريرة لأمهات وضعت مولودها خلف القضبان، وشيوخ وشبان استشهدوا في زنازين التعذيب والقهر.
استهداف إسرائيلي
أشار التقرير إلى استمرار استهداف الأسرى بعد تجربة 44 عاما من الصراع مع الاحتلال من إدارات مصلحة السجون المتعاقبة؛ فهي تحدد لهم النوم وساعاته، وكمية الهواء وساعات التعرض للشمس، وكمية الغذاء وقيمته، وتحدد لكل منهم ماذا ومتى يقرأ، ومتى وكيف يمكن أن يرى أهله، كما تحدد لهم طبيعة العلاج وتوقيته، ولون الملابس ونوعيتها.
وأضاف: 'إنها معاناة متواصلة يصعب وصفها أو توصيفها، ويعجز الكاتب عن توثيقها ونقلها، وهي تمتد لتطال ذوي الأسرى وعائلاتهم، فتعالت الأصوات والصرخات، وذرفت عيون أمهات وزوجات وأطفال الأسرى دموع الحزن لتغرق الأرض وتصنع أنهارا'.
اعتقال الشهداء
وتطرق التقرير لاعتقال جثامين الشهداء، وقال '44 عاما مضت تعمدت إسرائيل خلالها معاقبة ذوي الأسرى والشهداء، فاعتقلت أمهاتهم وزوجاتهم وهدمت بيوت عائلاتهم، وعاقبت الإنسان بعد موته فاحتجزت– ولا تزال- المئات من جثامين الشهداء في مقابر الأرقام، وحرمت ذويهم من إكرامهم ودفنهم وفقا للشريعة الإسلامية'.
تاريخ حافل
أكد فراونة تقريره أنه 'رغم مرور 44 عاما، على النكسة وتداعياتها خاصة على صعيد قضية الأسرى فإن المؤلم فشل الشعب الفلسطيني بمؤسساته المختلفة في امتلاك سجلٍ كاملٍ لمجمل أو معظم حالات الاعتقال، أو سجلٍ دقيقٍ لشهداء الحركة الوطنية الأسيرة، كما فشل حتى اللحظة في اعتماد خطة استراتيجية تعتمد على العمل التراكمي التكاملي لتوثيق تاريخ الحركة الأسيرة، هذا التاريخ الذي حمل في طياته آلاف التجارب والقصص والحكايات ومئات من معارك الأمعاء الخاوية والخطوات النضالية، وجزء منه أسير في ذاكرة الأسرى المحررين القدامى'، معربا عن خشيته 'أنه برحيل الأسرى القدامى عن الدنيا أن يرحل معهم جزء من ذاك التاريخ الهام'.
الحرية لا بديل عنها..
أشار التقرير إلى أن نجحت خلالها الفصائل الفلسطينية خلال 44 عاما مضت نجحت في أسر عددٍ من جنود الاحتلال ومبادلتهم بآلاف الأسرى الفلسطينيين والعرب، وإلى أن هذه الفصائل حاولت مرارا أسر واختطاف آخرين، وسجلت خلال مسيرتها العديد من صفقات التبادل، فيما ينتظر من آسري 'شاليط' تكرار تلك التجارب الناجحة لا سيما صفقة 1985، وإتمام صفقة تبادل مشرفة تكفل إطلاق سراح قدامى الأسرى ورموز المقاومة، مؤكدا 'أهمية التمسك بأن الحرية لا بديل عنها ولن تتحقق ما دام أسير خلف القضبان، فالأسرى من النكسة ولغاية اليوم، أرقام مذهلة ومعاناة بلا حدود تحتاج إلى دعم حقيقي ومساندة فاعلة على كافة الصعد والمستويات'.