التاريخ : السبت 27-07-2024

الأونروا: 9 من كل 10 فلسطينيين في غزة نزحوا قسرا    |     في اليوم الـ294 من العدوان: شهداء وجرحى في قصف الاحتلال المتواصل على قطاع غزة    |     مؤسسات الأسرى: استشهاد 18 معتقلا على الأقل منذ السابع من تشرين الأول    |     أمين عام "المحامين العرب" يرحب بإعلان بكين ويصف خطاب نتنياهو أمام الكونغرس بالمخادع والاستفزازي    |     مصطفى يترأس اجتماعا للفريق الوطني للتنمية الاقتصادية    |     الرئاسة تشيد بموقف الدوما الروسي الذي أدان قرار "الكنيست" المعارض لإقامة دولة فلسطينية    |     السفير دبور يلتقي رئيسة بعثة اللجنة الدولية للصليب الاحمر في لبنان    |     الجامعة العربية ترحب بإعلان بكين لإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة وتعزيز الوحدة الفلسطينية    |     تشييع جثامين ثلاثة شهداء في مخيم طولكرم وبلدة بلعا    |     هيئة الأسرى ونادي الأسير تحملان الاحتلال المسؤولية عن مصير المعتقل عبد الله البرغوثي    |     الأونروا: أطفال غزة يدفعون "الثمن الأعلى" للحرب وسط النزوح    |     أبو ردينة: تصريحات كاتس مدانة والاحتلال هو الإرهاب الحقيقي    |     الإسلامية المسيحية تدين القرار الإرهابي للكنيست بشأن وكالة الغوث وتطالب المجتمع الدولي برد حازم    |     مقررة أممية: السلطات الإسرائيلية تستهدف المدافعين عن حقوق الإنسان    |     "الخارجية التونسية" ترحب بقرار محكمة العدل الدولية    |     53 عاما على رحيل المناضل ممدوح صيدم    |     قطر تدين مصادقة الكنيست على تصنيف "الأونروا" منظمة إرهابية    |     هيئة الأسرى: أوضاع صعبة للغاية يعيشها معتقلو "عتصيون"    |     بخط أحمر.. إصدار عربي يوثق حرب الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني    |     العفو الدولية تدعو الولايات المتحدة إلى فرض حظر أسلحة على إسرائيل    |     بينهم 142 طفلا: 589 شهيدا في الضفة منذ السابع من تشرين الأول 2023    |     معتقلو عوفر يعانون مجاعة حقيقية وإهمالا طبيا    |     ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 39145 والمصابين إلى 90257 منذ بدء العدوان    |     أبو ردينة: حان الوقت أن تقول الإدارة الأميركية والكونغرس لنتنياهو إنه يجب وقف الحرب فوراً
الصحافة الفلسطينية » بين عساف والعيساوي
بين عساف والعيساوي

 بين عساف والعيساوي

بقلم د.عاطف أبو سيف

22-4-2013

جريدة الايام

تحظى مشاركة الفنان الشاب محمد عساف في برنامج الام بي سي "أراب أيدول" باهتمام كبير في الشارع الفلسطيني يمكن لمسه من خلال انتشار صوره مطبوعا عليها دعوات لدعمه عبر إرسال الرسائل، او عبر متابعة مواقع التواصل الاجتماعي خاصة صفحات الفيس بوك وحسابات التويتر الخاصة بالفلسطينيين كما متابعة المواقع الاخبارية الفلسطينية. هذا الاهتمام ليس جديداً بالطبع إذ إن مشاركة الفنان الشاب عمار حسن في السوبر ستار قبل سنوات حظيت بمثل هذا الاهتمام، وهو اهتمام يعكس حيوية الشارع الفلسطيني سواء في قطاع غزة والضفة الغربية أو في الداخل او في مخيمات الشتات حيث يلقى عساف دعم ابناء وطنه في مخيمات لبنان حيث تقام المسابقة.

صاحب كل ذلك نقاش مختلف مدفوع بحماسة اللحظة وبحجم الاهتمام المستحق الذي يلقاه تنافس محمد عساف على لقب أراب أيدول. نقاش في بعضه كان سليماً وفي جزء منه لم يحمل إلا الضغينة والاسفاف. فمن جهة هناك البعض الذي دعا إلى أن يكون مثل هذا الاهتمام منصباً على قضية الأسرى والتعريف بها والعمل على تحشيد الدعم لها في الشارع المحلي والعربي والدولي من أجل مواصلة الضغط على إسرائيل خاصة أن الاسرى يخوضون معارك بطولية بأمعائهم الخاوية. وفي مرات كان يتم وضع صورة لعساف وصورة للأسير المقدسي المضرب عن الطعام والسؤال عن أيهما احق بالدعم والمناصرة. وفي ذلك شيء من الغيرة الوطنية الصادقة.

البعض الآخر دخل في نقاشات بغيضة وسطحية تنطلق من باب التخوين ونزع الوطنية وتوزيع شهادات البطولة ونزعها عن الآخرين. وكأن ليس من حق الفلسطيني أن يغني وليس من حقه ان يحب وليس من حقه ان يأكل حتى. في ظل هذه المعمعة والقعقعة تم استحضار اغنية عساف "علي الكوفية" للمقارنة بين الوطنية وبين الانحدار إلى ما سواها. والمؤسف أن من ناقش بذلك هو نفسه من كان يدعم مطاردة أغنية "علي الكوفية" حين كانت تلاحق في الحفلات وداخل صالات الأعراس. بل وصل التهكم حد الإشارة لها بـ"هز الكتف". بالطبع ليس المرء بحاجة للتذكير بأن هذا المنطق غير البريء هو ذات المنطق الذي يشرعن مصادرة الحريات والتضييق على طلاب الجامعات وقص شعر الشباب وإغلاق المؤسسات.

أما بخصوص النقاش الأول فهو نابع من حرص يعكس احساسا ومسؤولية وطنية عالية تهدف إلى إعادة التوزيع العادل للاهتمام في الشارع.

ليس من شك أن قضية الأسرى هي قضية مركزية في قلب الصراع الوطني الفلسطيني لما يشكله الاسرى الذين قضوا سني عمرهم خلف القضبان دفاعاً عن حريتنا من قيمة وطنية عالية. بل إنهم من داخل جدران سجنهم المظلم حملوا الشعلة لتضيء طريقنا المعتم، وشكلت نضالاتهم الباسلة التي قدموا خلالها الشهيد تلو الشهيد نموذجاً رائعاً للتحدي والبطولة. وليس من شك ان هذه النضالات وتلك البطولة هي في حد ذاتها الدليل الاكبر على الروح الفلسطينية التي لا تعرف الهزيمة ولا الاستسلام.

وربما كان يجب أن تكون بؤرة النقاش وهدفه ليس المقارنة بين اهمية مناصرة عساف ومناصرة العيساوي ورفاقه الأسرى بل حول ضرورة تفعيل الاهتمام الشعبي والحس العام بقضية الأسرى وبنصرتها، وتوسيع هذا الاهتمام ليشمل الشارع العربي والمجتمع الدولي بمستوياته الشعبية والرسمية. لجملة أسباب كثيرة ليس اولها لأن هذا أقل ما يمكن فعله وليس آخرها أن ثمة تراجعا في الاهتمام الذي تلقاه قضية الأسرى في الشارع. وكون هذا أقل ما يمكن عمله ليس معناه عدم فعل أي شيء آخر فثمة ادوات كثيرة لا بد من تفعيلها في نضالنا اليومي من اجل تحرير الأسرى، واما الاهتمام فهو في تراجع واضح وليس هذا بالسر.

ويمكن لمراقبة المسيرات والتجمعات المساندة والمناصرة لقضية الأسرى ان تصيب المتابع بالألم، فمسيرة جماهيرية تنادي لها حركة كبيرة مثل فتح قبل أسبوعين لا يخرج فيها إلا بضع عشرات دعما للأسرى، كما يتم الاعتداء على المناصرين للأسرى في يوم الأسير الفلسطيني من قبل عناصر في حماس، وان ينشغل المستوى السياسي برمته بالمناداة بالتصويت لعساف من عضوة خلية اولى في حركة فتح حتى رئيس الوزراء المستقيل فياض فهذا من شأنه أن يقلق هؤلاء الشبان والشابات الذين نذروا حياتهم للدفاع عن قضية الأسرى سواء بالتعريف بها عبر مواقع التواصل الاجتماعي او من خلال التجمعات الأسبوعية والمسيرات حيث توفرت.

الجزء الآخر من هذا هو عدم الخلط بين الدفاع العادل عن القضايا العادلة وبين الروح المبدعة للشعب الفلسطيني. فهذا الشعب كما ناضل بالبندقية ناضل بالقلم وبالريشة وبمقعد الجامعة. "بالدم نكتب لفلسطين" كان هذا شعار الاتحاد العام للكتاب والصحافيين الفلسطينيين. وفلسطين هي ذاتها التي أنجبت محمود درويش وغسان كنفاني وأبو سلمى وجبرا ومعين بسيسو وسميح القاسم وناجي العلي وفتحي غبن وأبو عرب ونوح إبراهيم وفرقة العاشقين. فالفن كان دائماً مكوناً مهماً من مكونات النضال الفلسطيني لأنه عنصر أصيل في جينات الهوية الوطنية الفلسطينية، وهو ليس ترفاً ولا تزجية لوقت إضافي وزائد بل هو وسيلة من وسائل إسماع الصوت الفلسطيني. هل هناك من سيستغرب ان محمود درويش ربما كان الفلسطيني الأشهر بعد ياسر عرفات في الدول الاجنبية!!

إن هذا الحب الكبير الذي يلقاه محمد عساف والدعم الكبير الذي ينادى له به يعبر عن الروح الكبيرة لهذا الشعب وبحثه عن رفع اسم فلسطين، فحين يصبح عساف نجم العرب فهو ذلك الولد الفلسطيني الذي خرج من رماد الألم والجرح النازف وغنى لفلسطين كما غنى للعالم لكي يطربوا بصوته ويعرفوا ان ثمة في فلسطين حياة وان هذا الشعب لا يبحث عن ترف زائد بل يبحث عن حق ضائع وحرية مفقودة، لأن على هذه الأرض سيدة الارض ما يستحق الحياة كما قال درويش، ولأن شعباً لا يغني ولا يكتب شعراً ولا رواية ولا يرسم حياته شعب سينساه التاريخ.

2013-04-22
اطبع ارسل