الذكرى الـ46 لمعركة الكرامة
رام الله 20-3-2014
- تصادف اليوم الجمعة، الذكرى الـ46 لمعركة الكرامة، التي وقعت في 21 آذار 1968، حين حاولت قوات الجيش الإسرائيلي احتلال الضفة الشرقية لنهر الأردن؛ لأسباب تعتبرها 'إستراتيجية'.
وعبرت هذه القوات النهر فعلا من عدة محاور مع عمليات تجسير وتحت غطاء جوي كثيف، وتصدت لها قوات الجيش العربي الأردني على طول جبهة القتال من أقصى شمال الأردن إلى جنوب البحر الميت بقوة، وفي قرية الكرامة اشتبكت القوات الأردنية بالاشتراك مع الفدائيين الفلسطينيين وسكان المنطقة في قتال شرس بالسلاح الأبيض ضد الجيش الإسرائيلي.
واستمرت بعدها المعركة أكثر من 16 ساعة، ما اضطر الإسرائيليين إلى الانسحاب الكامل من أرض المعركة تاركين وراءهم ولأول مرة خسائرهم وقتلاهم دون أن يتمكنوا من سحبها معهم، وتمكن الجيش الأردني والفدائيون في هذه المعركة من تحقيق النصر والحيلولة دون تحقيق إسرائيل لأهدافها.
وكان التوتر بين الجانبين، قد بدأ قبل احتلال إسرائيل للضفة الغربية التي كانت خاضعة للمملكة الأردنية الهاشمية بعد حرب 1948.
وأدت الهجمات المنظمة للفدائيين إلى صدامات عسكرية متكررة بين الجيش الأردني والإسرائيلي على طول نهر الأردن، حيث وقع في حينه ما يزيد عن 44 اشتباكا بالمدفعية والقصف الجوي والدبابات والأسلحة المختلفة منذ 5 حزيران 1967 حتى معركة الكرامة.
وفي مطلع عام 1968 هددت إسرائيل بعمل مضاد إذا ما استمرت نشاطات الفدائيين الفلسطينيين عبر النهر، وقامت بتكثيف نشاط الدوريات الإسرائيلية في الفترة ما بين 15-18 آذار 1968 بين جسر الملك حسين وجسر دامية، كذلك الطلعات الجوية لطائراتها فوق وادي الأردن.
وتمهيدا للهجوم الواسع قامت إسرائيل بهجمات عديدة ومركزة استخدمت بشكل رئيسي القصف الجوي والمدفعي على طول الجبهة الأردنية طوال أسابيع عديدة سبقت بداية المعركة عند الساعة 5:25 من فجر يوم الأحد في 21 آذار 1968، كما مهدت لذلك بإجراءات واسعة النطاق في المجالات النفسية والسياسية والعسكرية عمدت بواسطتها إلى تهيئة المنطقة لتطورات جديدة يتوقعونها كنتائج لعملياته العسكرية شرقي نهر الأردن.
وبدأت معركة الكرامة عند الساعة 5.30 من صباح يوم الخميس 21 مارس 1968، واستمرت ست عشرة ساعة في قتال مرير على طول الجبهة، ومن خلال مجرى الحوادث وتحليل العمليات القتالية اتضح أن القوات الإسرائيلية المهاجمة بنت خطتها على ثلاثة مقتربات رئيسة ومقترب رابع تضليلي لتشتيت جهد القوات المدافعة المقابلة، وجميع هذه المقتربات تؤدي حسب طبيعة الأرض والطرق المعبدة إلى مرتفعات السلط وعمان والكرك.
وكانت القوات الإسرائيلية شنت هجوما واسعا على الضفة الشرقية لنهر الأردن امتد من جسر الأمير محمد شمالا حتى جنوب البحر الميت، وكان هدف الهجوم حسب ما أعلنت إسرائيل في حينه 'القضاء على مواقع الفدائيين الفلسطينيين في مخيم الكرامة'.
وفيما عمدت وحدات رصد حركة 'فتح' إلى مراقبة تحركات القوات المعادية، وتدارست قياداتها التدابير الواجب اتخاذها وعلى الأخص المجابهة أو الانسحاب من المواقع المستهدفة لتأتي ضربته في الفراغ وفقا لمبادئ قتال الحرب الشعبية، فيما اتخذت القيادة الأردنية استعداداتها للتصدي للعدوان الوشيك فوضعت القوات في حالة استنفار وتعبئة انتظارا للتطورات المتوقعة.
ورغم أن إسرائيل أعلنت أنها قامت بالهجوم لتدمير قوة المقاومة الفلسطينية، إلا أن الهدف لم يكن كذلك كما تبين من الوثائق التي حصلت عليها المخابرات الأردنية، فقبل أيام من معركة الكرامة حشدت إسرائيل قواتها لاحتلال مرتفعات البلقاء والاقتراب من العاصمة عمّان وضم أجزاء جديدة من الأردن وتحويلها إلى جولان أخرى لتخلص من الهجمات المستمرة التي كان يقوم بها الفلسطينيون.
وكانت تسعى كذلك إلى إرغام الأردن على قبول التسوية والسلام الذي تفرضه إسرائيل وبالشروط التي تراها وكما تفرضها من مركز القوة، ومحاولة وضع ولو موطئ قدم على أرض شرقي نهر الأردن باحتلال مرتفعات السلط وتحويلها إلى حزام أمنى لإسرائيل.
وكانت معركة الكرامة نقطة تحول كبيرة بالنسبة لحركة فتح خاصة والمقاومة الفلسطينية عامة، وتجلى ذلك في سيل طلبات التطوع في المقاومة، سيما من قبل المثقفين وحملة الشهادات الجامعية، والتظاهرات الكبرى التي قوبل بها الشهداء في المدن العربية التي دفنوا فيها، والاهتمام المتزايد من الصحافة الأجنبية بالمقاومة الفلسطينية، ما شجع الشبان الأجانب على التطوع في صفوف المقاومة.
وأعطت معركة الكرامة معنى جديدا للمقاومة تجلى في المظاهرات المؤيدة للعرب والهتافات المعادية التي أطلقتها الجماهير في وجه وزير خارجية إسرائيل آبا إيبان أثناء جولته يوم 7/5/1968 في النرويج والسويد، حيث سمعت آلاف الأصوات تهتف 'عاشت فتح'.
وعلى الصعيد العربي كانت معركة الكرامة نوعا من استرداد جزء من الكرامة التي فقدتها في حزيران 1967 القوات المسلحة العربية التي لم تتح لها فرصة القتال، ففي معركة الكرامة أخفقت إسرائيل في تحقيق أهدافها العسكرية والإستراتيجية لرفع معنويات الإسرائيليين، بل ساهمت في زيادة خوفهم وانعزالهم.
وبعد انتهاء المعركة صدرت العديد من ردود الفعل كان أبرزها، قول الرئيس الشهيد ياسر عرفات إن 'معركة الكرامة شكلت نقطة انقلاب بين اليأس والأمل، ونقطة تحول في التاريخ النضالي العربي، وتأشيرة عبور القضية الفلسطينية لعمقيها العربي والدولي'.
ونشرت صحيفة 'نيوزويك' الأميركية بعد معركة الكرامة: 'لقد قاوم الجيش الأردني المعتدين بضراوة وتصميم، وإن نتائج المعركة جعلت الملك حسين بطل العالم العربي'.
وقال رئيس الأركان الإسرائيلي في حينه حاييم بارليف، في حديث له: 'إن إسرائيل فقدت في هجومها الأخير على الأردن آليات عسكرية تعادل ثلاثة أضعاف ما فقدته في حرب حزيران'، وقال أيضا في حديث آخر، 'إن عملية الكرامة كانت فريدة من نوعها ولم يتعود الشعب في إسرائيل مثل هذا النوع من العمليات، وبمعنى آخر كانت جميع العمليات التي قمنا بها تسفر عن نصر حاسم لقواتنا'.
وعلق أحد كبار القادة العسكريين العالميين، رئيس أركان القوات المسلحة في الاتحاد السوفييتي في تلك الفترة المارشال جريشكو قائلا: 'لقد شكلت معركة الكرامة نقطة تحول في تاريخ العسكرية العربية'.
أما رئيس أركان الجيش الأردني حينها، الفريق مشهور الجازي فقال، 'أقول بكل فخر، إنني استطعت تجاوز الخلاف الذي كان ناشئا آنذاك بين الفدائيين والسلطة الأردنية، فقاتل الطرفان جنبا إلى جنب، وكقوة موحدة تحت شعار: كل البنادق ضد إسرائيل فكانت النتيجة مشرفة'.