1969 نيسان 23
يوم مشهود في حياة لبنان وثورة فلسطين
معن بشور
24/4/2014
لم يكن يوم 23 نيسان 1969 يوماً عادياً في حياة لبنان الحديث، كما لم يكن يوماً عادياً كذلك في حياة القضية الفلسطينية في العقود الاخيرة.
يومها تنامى الى الوطنيين اللبنانيين انباء عن محاصرة الجيش اللبناني لمجموعات من الفدائيين الفلسطينيين في القطاع الأوسط (قضاء بنت جبيل)، ويومها كان الجرح اللبناني عميقاً بعد العدوان الصهيوني على مطار بيروت الدولي في 28 كانون الاول 1968 حيث نزلت قوات من الكوماندوس الاسرائيلي ارض المطار وأحرقت الاسطول الجوي التجاري اللبناني (طائرات الميدل ايست) ولم تواجهها اي مقاومة لأن العقيدة القتالية المعتمدة آنذاك كانت "قوة لبنان في ضعفه" بل كان الاحساس بالمهانة كبيراً بعد سماع تصريح موشيه دايان وزير دفاع العدو بعد حرب حزيران 1967 "بأن غزو لبنان لا يحتاج إلى اكثر من نزهة كتيبة مجندات تتوجه على دراجات هوائية إلى لبنان".
ويومها ايضا كان الجرح العربي بليغا بعد نكسة الخامس من حزيران عام 1967 حيث أحتل الصهاينة اراض في فلسطين ومصر وسوريا، تماما كما كان الأمل العربي كبيراً بالعمل الفدائي الفلسطيني لا سيما بعد معركة الكرامة الشهيرة في 21/3/1968، حيث صدّت مجموعات من مقاتلي (فتح)، وبمساندة من الجيش العربي الاردني، تقدماً عسكرياً صهيونياً شرق نهر الاردن، فأحّس العرب كلهم، ومعهم الوطنيون اللبنانيون، بطعم الكرامة يشّع من ارض الكرامة في الاردن، وأعلن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر شعاره الشهير "المقاومة وجدت لتبقى وستبقى" ترجمة لشعار آخر اعلنه بعد نكسة حزيران مباشرة " ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة".
لم يفهم اصحاب القرار آنذاك في السلطة اللبنانية حجم الانتصار الشعبي اللبناني للعمل الفدائي الفلسطيني، ولا حجم الاعتراض على السياسة الرسمية المعتمدة آنذاك بتجاهل المخاطر الصهيونية على لبنان، وهو اعتراض عبّر عنه طلاب لبنان في كل جامعاتهم آنذاك (اللبنانية، اليسوعية، الامريكية، العربية) بانتفاضة كبرى استمرت عدة اسابيع احتجاجاً على ما جرى في مطار بيروت الدولي في الايام الاخيرة من العام 1968
يومها، أي في 23 نيسان 1969، اجتمع الوطنيون اللبنانيون من كل لبنان في ساحة البربير ( وقد بات اسمها بعد تلك التظاهرة بساحة 23 نيسان) واستعدوا للانطلاق بتظاهرة في الشارع العريق بالتظاهرات (خط البسطة إلى السراي الحكومي) دعما للعمل الفدائي الفلسطيني.
فجأة انهمر رصاص السلطة على المتظاهرين، وسقط منهم الشهيدان احمد ولي الدين وصفوان دندشي من طرابلس والعديد من الجرحى بينهم النقابي البارز محمد قاسم، واستقالت حكومة الرئيس الشهيد رشيد كرامي في سابقة لم تتكرر بعدها إلا مع وزير داخلية سابق هو الوزير بشارة مرهج الذي رفض اطلاق النار على مسيرة لجمهور المقاومة في 13 ايلول 1993 ضد اتفاقية اوسلو مما أدى الى اقالته، بعد أخذ ورد، في ما عرف بمرسوم "منتصف الليل" الذي اصدره الرئيسان الراحلان الياس الهراوي ورفيق الحريري فور عودتهما ليلاً من دمشق بعد زيارة اليها ضمتهما الى رئيس مجلس النواب الاستاذ نبيه بري ولقاء طويل مع الرئيس الراحل حافظ الاسد.
ادت استقالة الرئيس رشيد كرامي الى ازمة حكم وفراغ حكومي استمر منذ نيسان 1969 حتى تشرين الثاني من العام نفسه، ولم تنته إلا بعد اتفاق القاهرة الموّقع من قائد الجيش اللبناني آنذاك، العماد الراحل اميل بستاني ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية الرئيس الراحل ياسر عرفات وبرعاية الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
كانت تلك المسيرة الدامية منطلقاً لانبعاث حركة شعبية ووطنية لبنانية عابرة للمناطق والطوائف، اخذت تلعب دوراً متعاظماً في حياة لبنان والمنطقة كما شكلت تلك التطورات سبباً في هزيمة ما عرف آنذاك بحكم "المكتب الثاني" مفسحة في المجال لانتخاب الرئيس الراحل سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية وهو المتحالف يومها مع الرئيسين الراحلين كامل الاسعد وصائب سلام في ما أطلق عليه اسم "تكتل الوسط" يميّز نفسه عن "النهج" الشهابي وعن الحلف الثلاثي الذي برز بقوة في انتخابات 1968 بعد ما تعرضت له زعامة ناصر في حرب 1967.
كان اتفاق القاهرة ايضا منطلقاً لوصول المقاومة الفلسطينية الى جبهة ثانية هي الجبهة اللبنانية بعد تمركزها في اغوار الاردن بعد حرب حزيران، بل ليصبح لبنان الجبهة الوحيدة للمقاومة بعد خروجها من الاردن بعد احداث ايلول 1970 وتموز 1971 ، بكل ما أطلقه انتقال قوات المقاومة الفلسطينية إلى ذلك من تفاعلات لا سيما في الانفجار الامني الكبير الذي بقي مستمراً منذ نيسان 1975 الى تشرين اول 1990 مما يشير الى امكانية اعتبار 23 نيسان 1969 يوماً لافتتاح الاحداث الدامية التي عاشها لبنان.
ولا يخفى على احد، ان العودة بالذاكرة الى ذلك اليوم المفصلي في تاريخ لبنان يعيد الى الاذهان مجموعة عبر ودروس ينبغي الاستفادة منها اليوم وغداً وكل حين...
لكن ما نفتقده في هذا اليوم التاريخي هو ثلاث :
اولها: نفتقد الرئيس الشهيد رشيد كرامي الذي مثّل على مدى السنوات رمزاً للالتزام الصادق بقضايا وطنه وأمته حتى قضى شهيداً متمسكاً بوحدة لبنان وعروبته.
ثانيهما: نفتقد الحركة الوطنية الشعبية الجامعة لكل تيارات النهوض والتحرر، والعابرة لكل المناطق والطوائف، والمؤسسة لبرنامج اصلاح وطني وديمقراطي، فلقد تم اغتيال هذه الحركة ايضا لاسباب عدة ليس المجال للخوض فيها الان.
ثالثهما: نفتقد تلاحماً لبنانياً – فلسطينياً، سطر واحدة من ابرز لوحات وحدة النضال الشعبي العربي التي تعرضت وما زالت لأشرس الحروب والمؤامرات والفتن التي استفادت دون شك من أخطاء وخطايا وقع بها الجميع، وتستحق مراجعة من الجميع، مراجعة قائمة على قاعدة الالتزام بنهج المقاومة المستمرة للاحتلال، وقاعدة الاحترام لسيادة لبنان ولحقوق الاخوة الفلسطينيين.