مع الحياة – في الطريق إلى المؤتمر السابع (2)
الحياة الجديدة/فتحي البس
مقدمة تاريخية
قبل انطلاقة فتح على 1965، كان المؤسسون يلتقون سرا، يناقشون الأوضاع العربية والدولية وشعارات وبرامج وتجارب الأحزاب والقوى والدول التي تتحدث عن تحرير فلسطين، ويدرسون خطط العمل بجدية مطلقة، ولم تعتبر تلك اللقاءات مؤتمرات حركية على أهميتها إلى أن حصلت نكسة حزيران كما سمّاها الرئيس عبد الناصر، فعقدت فتح مؤتمرها الرسمي الأول في دمشق بتاريخ12/6/1967، بعد ان اتضح هول الهزيمة العسكرية والنفسية والسياسية، بحضور عدد لا يزيد عن 40 من كوادرها المؤسسين، ليعلن المؤتمر عن بدء "حرب العصابات"، الشكل المناسب آنذاك للكفاح المسلح. وشكلت الأطر القيادية وتولى الشهيد ياسر عرفات مسؤولية العمل العسكري في ظروف انهيار تام لمعنويات الشعوب العربية.
وإثر معركة الكرامة المجيدة، وما تبع ذلك من تدفق الآلاف من الفلسطينيين والعرب للالتحاق بصفوفها، عقدت الحركة مؤتمرها الثاني في الزبداني قرب دمشق في تموز 1968، انتهى بتشكيل لجنة مركزية من عشرة أعضاء، وتأسيس المجلس الثوري للحركة ليكون رقيبا وموجها لعمل اللجنة المركزية، ولاستيعاب كوادر فتح في هيكل تنظيمي متوازن، دون التوقف أمام وجود لائحة داخلية توضح بدقة البرنامج والواجبات والحقوق وشروط العضوية إلى ان عقد المؤتمر الثالث في أيلول 1971 اثر قيادة فتح لمنظمة التحرير الفلسطينية منذ عام 1969، وظهور عدد من فصائل الثورة، مستقلة أو تابعة لأنظمة، واحداث ايلول 1970 ووفاة الرئيس عبد الناصر، وانتقال مركز القيادة إلى لبنان، دار فيه نقاش معمق حول ما حصل، انتهى الى اقرار اللائحة الداخلية للحركة. أما المؤتمر الرابع فعقد بعد تسع سنوات في دمشق في ايلول 1980، بعد احداث جسام، اهمها حرب تشرين المجيدة واضطرار الحركة لأن تخوض معركة الدفاع عن الثورة في لبنان ضد تحالف القوى اليمينية اللبنانية المدعومة من اسرائيل وقوى أخرى، ودخول القوات السورية الى لبنان، وزيادة حدة الاشتباك مع العدو وظهور بوادر استعداداته لشن حرب التصفية عام 1982، وظهور حركة ابو نضال التي اريد منها اضعاف الحركة بالتحالف مع قوى اقليمية ارادت السيطرة على القرار الفلسطيني، وتبني البرنامج المرحلي لمنظمة التحرير الفلسطينية وتوقيع اتفاق كامب ديفيد بين مصر واسرائيل عام 1978 وما تلاه من صراع سياسي.
حضر هذا المؤتمر قرابة 500 عضو وانتخب في اللجنة المركزية أعضاء جدد، سميح أبو كويك ” قدري” وماجد أبو شرار ورفيق النتشة وسعد صايل، ولم يحدث أي تغيير معلن في برنامج الحركة السياسي، وعقد المؤتمر الخامس في تونس بعد الخروج من بيروت في شهر آب 1989، بحضور قرابة 1000 عضو، وصادق على قرارات المجلس الوطني الفلسطيني في دورته التاسعة عشرة التي أعلن فيها قيام دولة فلسطين ووثيقة الاستقلال.
مر عشرون عاما تقريبا قبل أن تعقد فتح مؤتمرها السادس في بيت لحم يوم 4 آب 2009 وبعد عمل اللجنة التحضيرية لقرابة 5 سنوات للاعداد للمؤتمر بعد تطورات عالمية واقليمية اعادت تشكيل الخارطة السياسية للمنطقة خاصة بعد انطلاقة الانتفاضة الاولى، وغزو القوات الاميركية للعراق، وتوقيع اتفاقية اوسلو، وتأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية، وبروز حركة حماس وانقلابها وسيطرتها على قطاع غزة، وتجاوز المدة المقررة لانجاز المفاوضات مع اسرائيل دون تحقيق أي تقدم، لا بل اعادة سيطرة اسرائيل الكاملة على الضفة الغربية وتدمير ما بنته السلطة كعقوبة على الفلسطينيين بعد الانتفاضة الثانية، وتزايد وتيرة الاستيطان ضمن انحياز تام من مكونات اسرائيل السياسية الى التطرف وأهم من ذلك كله رحيل رمز فتح والثورة الفلسطينية الشهيد ياسر عرفات وغياب عدد مؤثر من القيادة التاريخية للحركة بالاغتيال من ابرزهم الشهداء أبو جهاد وابو اياد وابو الهول.
عقد المؤتمر السادس في ظل انقسام حاد حول مجموعة من القضايا التنظيمية والسياسية. وساد الانطباع ان فتح فقدت قدرتها على السيطرة على الأوضاع وأنها مأزومة ومهلهلة وأطرها القيادية لا تعمل بما يتناسب مع مهامها الجسام، وأن التأييد الشعبي لها قد التفت إلى مشاريع إقليمية أخرى، خطفت مشروع المقاومة. في ظل حديث متواتر عن فساد نهش جسد الحركة وأرهقها وأساء إلى سمعتها وتاريخها.
مثّل المؤتمر السادس لأبناء فتح خشبة الخلاص. أرادوا منه إثبات قدرة الحركة على الاستمرار في قيادة المشروع الوطني الفلسطيني وضخ دم جديد في أوصال أطرها القيادية، ومراجعة هيكلها التنظيمي وتأهيل كوادرها وتسليحهم بوعي يمكنهم من فهم مجريات الأمور وتطوراتها، وتسليحهم ببرنامج ورؤى سياسية تمكنهم من مواجهة النقد الحاد للحركة داخل الوطن والشتات، لعل الحركة تعيد إلى الوطن وحدته، جغرافيا وسياسيا وروحا معنوية.
عقد المؤتمر السادس، وتعرضت مقدماته ومدخلاته ونتائجه إلى نقد، بعضه إيجابي، والكثير منه سلبي، ساتوقف أمامه، في المقال المقبل، تحضيرا للجواب على ما هو المطلوب من المؤتمر السابع الذي يأتي في وقته المقرر، ونحن على بعد قرابة شهر منه.