مدارات - نفتالي بينيت
الحياة الجديدة/ عدلي صادق
حكاية نفتالي بينيت، وزير اقتصاد اسرائيل، الذي وصف الرئيس أبو مازن بـ "الإرهابي الخطير" تصلح مثالاً للبرهنة على أننا بصدد نمط من مخلوقات مشوّهة، تحكم في إسرائيل، وتتنفس كذباً وسموماً وعنصرية، وترمي كل صفاتها على غيرها. فلم يحدث في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، أن تجرأ سياسي عربي أو رجل دولة، على القول علانية إنه قتل بيده الكثير من اليهود دون أن يحدد إن كانوا محاربين أو مسالمين. لكن النفتالي هذا قالها بصراحة، يوم صفقة تبادل الأسرى بشاليط. صرح هذا الإرهابي الذي يريد أن يصدقه العالم، وهو يرمي الرئيس ابو مازن بهذه التهمة؛ إن هؤلاء المفرج عنهم، ينبغي رميهم بالرصاص، و"أنا في حياتي قتلت الكثير من العرب، ولم تكن هناك أية مشكلة في القيام بهذا العمل، فلم لا نفعله ونرتاح؟!".
لو أن واحداً منا، انتشى ذات يوم، وقال إنه قتل الكثير من اليهود، دون حتى أن يكلف نفسه التمييز بين المحاربين منهم والمسالمين؛ لربما قامت قيامة الغرب ولم تقعد، وطالب بإحالة القائل الى محكمة جرائم الحرب. واللافت ضمن غرابة هذه المخلوقات، أن "بينيت" الذي يعترف مطمئناً تماماً الى أنه لن يُلاحق ولن يُعاقب؛ ينصّب نفسه قاضياً يحكم على الآخرين ويحسم أمرهم. وفي هذا المنطق يطرح نفسه متعففاً مستهجناً لصفة الإرهاب. فكيف يمكن إدخال هذا المنطق في الحاسوب ونضمن ألا ينفجر الجهاز: واحد يقتل بالجملة، ويتبجح، ويصرح مرتاحاً أنه قتل كثيرين من الناس، ثم يأنس في نفسه الجدارة والأحقية في تصنيف الآخرين وشيطنتهم؟
إن مثل هذا المنطق، يطمئننا فعلاً، لأن قوة العالمين كلها، لو ساندت أمثال هؤلاء، فإنهم لن يفلحوا في النهاية ولن يغلبوا. فهؤلاء فاقدو عقل وفاقدو شرف، أعماهم الغرور بعد أن تورطوا مع الآثام، وهم يذهبون بأنفسهم الى بحر من "الدواعش" بتدرجات حسب الأحوال والظروف.
نفتالي بينيت هذا ــ لمن لا يعرفه ــ واحد من أساطين البزنس الطفيلي. هكذا هم الفاسدون، يخوزقون أممهم فيهربون من إضباراتهم الى الأمام ويزاودون. وعندما يحل واحد من هذه الشاكلة، في موقع المسؤولية، نعلم يقيناً أن جوقته كلها جلابة خراب على نفسها وعلى الآخرين، وأن نهاياتها ستكون أكثر بذاءة من سياقاتها. هو ابن أسرة يهودية أميركية من أصل بولندي، لم تعرف بلادنا إلا في العام 1967. كان أبوه سمسار عقارات. لكنه هو شخصياً، دخل مع آخرين، في مشروع شركة أميركية لبرمجة الكمبيوتر، ذي طابع أمني. ولما باعوها بنحو مئة وخمسين مليون دولار، أصبح المذكور من أصحاب الملايين، وخاض في سوق تقنيات الهاتف الخلوية وتطويرها في أميركا، ولما عاد الى إسرائيل مستريحاً مادياً، بدأ يفتش لنفسه عن دور في الحياة العامة، ووجد فيه نتنياهو ضالته على صعيد الحملات الانتخابية والعلاقات العامة، للفوز بقيادة "الليكود" ولتوسيع دائرة اليمين المتطرف. ولما انتهت مهمته مع نتنياهو، ذهب بلغته المتطرفة وثرثراته العدائية ضد الشعب الفلسطيني والعرب، والتحق بـحزب "البيت اليهودي" وفاز برئاسته ودخل الانتخابات ورفع عدد مقاعد الحزب الى 12 ودخل حكومة نتنياهو كوزير للاقتصاد. وبسبب حقده على العنصر العربي، جعل من أولويات مهمته كوزير للاقتصاد، إنشاء مدارس مهنية للرجال والنساء الفلسطينيين، لتشغيلهم كطبقة عاملة رخيصة. وظلت نظرته للأراضي الفلسطينية المحتلة، نظرة استثمارات، يدعو لبناء الطرق السريعة والاستثمار فيها وتشغيل الفلسطينيين ضمن فكرة الحل الاقتصادي الذي تحدث عنه نتنياهو. منطق يتسم بالنازية التي تشطب أمنيات الشعوب وتنظر للبشر باعتبارهم مسامير في آله اقتصادية عسكرية. فكرته المعلنة، هو أن تتعايش إسرائيل مع الفلسطينيين دونما "جراحة" حسب تعبيره. والجراحة عنده، هي حل الدولتين. قال إن له صديقاً كان يعاني من ورم أو مرض في أحد أعضاء جسده، وقيل لصديقه نستأصل لك موضع المرض، لكنك ستصاب بإعاقة، فرفض وكان قراره التعايش مع الحالة!
بهذا المنطق الإرهابي، يرى "الشاطر نفتالي" وضعية النزاع. لا يريد التسوية التي يسميها العالم "السلام" ويفاخر بأنه قتل الكثيرين من العرب، ويريد تحويل شعب الى جموع من العاملين بشقاء وشظف عيش، لمصلحة الآلة العسكرية الاقتصادية، وفوق كل هذا يتهم الرئيس ابو مازن بـ "الإرهاب". إنها مخلوقات عجيبة فعلاً، تتوهم أننا أمة ميتة، أو شعب لا ينبض!