مع الحياة - في الطريق الى المؤتمر السابع (3)
الحياة الجديدة/ فتحي البس
جدد المؤتمر السادس في الأطر القيادية، فهل أسس لتجاوز المعضلات السابقة ؟
بعد عمل اللجنة التحضيرية للمؤتمر امتد لقرابة خمس سنوات، عقد المؤتمر السادس لحركة فتح في بيت لحم يوم الرابع من آب 2009. اعقد مهمة واجهتها اللجنة التحضيرية حسم موضوع المكان وعدد الأعضاء وتوزيعهم لتمثيل يرضي مكونات الحركة في الوطن والشتات، وتجاوز التجاذب السياسي العلني بين بعض أقطاب اللجنة المركزية.
طالب الكثيرون بعقد المؤتمر خارج فلسطين لكي لا يعقد «تحت حراب الاحتلال» وليتمكن أعضاء المؤتمر، خاصة معارضي اوسلو من المشاركة.حسمت اللجنة التحضيرية موضوع المكان بعد جدل وخلافات داخل اللجنة ليعقد داخل الوطن منتصرة للرأي الذي يقول إن الاحتلال لا يمكن أن يؤثر على إرادة أبناء فتح فهم خبروه وواجهوه ولم يكسر إرادتهم أو مواقفهم في أي مكان.
أما العضوية،فتم التوافق بعد الكثير من الجدل على أن لا يزيد العدد عن 1550 عضوا. لكن الأسئلة كانت كثيرة حول المعايير التي تم اختيار الأعضاء على أساسها، واتهامات للجنة التحضيرية بتقاسم الحصص أو المحاباة، أو الاختيار على أساس التأثير في انتخابات الأطر القيادية.كان مفهوما للجميع أن العضوية هي أهم مدخلات المؤتمر التي ستؤثر في النتائج المتوقعة والمرجوة من المؤتمر وأهمها: محاسبة اللجنة المركزية التي غابت لأكثر من عشرين عاما واستخلاص العبر،مناقشة الوضع السياسي بعد تنصل قيادة اسرائيل من كل التزاماتها المنصوص عليها في اوسلو ومصير المفاوضات ومسارها،كيف سقطت غزة في أيدي حماس، وأسباب فشل الحركة في انتخابات المجلس التشريعي والانتخابات البلدية،البرنامج السياسي للحركة على ضوء المتغيرات، اللائحة الداخلية التي أشيع أن هناك توجه لتعديلها،ترميم علاقات الحركة الداخلية ومع دول الاقليم والعالم وبالطبع انتخاب قيادة قادرة على الفعل ودفع الثمن اذا اقتضت الضرورة وصيانة وحدة الحركة وتقوية اطرها التنظيمية بعد أن راهن الكثيرون على انشقاقات واختلاف الكبار وضياع الأبناء الجدد وتشتتهم بين ولاءات متعددة، لم تعد على أساس الخلاف السياسي أو الفكري كما كان في السابق، بل المكاسب التي يمكن أن تتحقق لدى البعض.
شكل انعقاد المؤتمر أملا لقواعد فتح وأنصارها وأملا كبيرا، فقد اتضح لجميع المراقبين أن فتح «رقم صعب لا يقبل القسمة» كما أشار الرئيس عباس في كلمته في المؤتمر، وأن الخلافات مهما كانت عميقة، إلا أن وحدة الحركة مقدسة لدى أبنائها. لكن بعض الفوضى أفسدت الكثير من الجلسات، وعكّر منع حماس لأعضاء المؤتمر من غزة من السفر الأجواء،وشغل الجميع في قضية ضرورة مشاركتهم في النقاش أو الترشيح والانتخاب.وفي الوقت الذي انشغل أعضاء المؤتمر الجادين في اللجان ومناقشة القضايا الجوهرية إلا أن انتخابات اللجنة المركزية والمجلس الثوري كانت سيدة الموقف والعمل إذ انشغل معظم المشاركين في «الكولسات» الجانبية وتشكيل التحالفات وبث الوعود ومتابعة ما يدور في «كواليس» المؤتمر حول ترتيبات المستقبل.
تمثلت السلبية الكبرى في عدم جاهزية اللجنة المركزية واضطرابها، فلم تقدم للمؤتمر أي تقارير عن عملها، سياسية أو مالية أو تنظيمية، ولم تقدم أي تحليل للتطورات ولا أي تفسير لما حصل في غزة ولا أي رؤية تجيب عن اسئلة المؤتمرين،فانفجر الغضب عليها عندما أعلنت عن اعتماد خطاب الرئيس محمود عباس في الجلسة الافتتاحية كبديل عن تقاريرها، وأتاح تراخيها لأحد أعضاء المؤتمر الطموحين لأن يحملها مسؤولية الفشل خاصة في غزة فظهر وكأنه من يملك الجرأة والقدرة عندما لم يظهر أحد من المركزية للإجابة على تلك الاتهامات.
قبل المؤتمرون على مضض وحرصا على عدم الفشل، مناقشة خطاب الرئيس كبديل عن تقارير المركزية وانخرطوا في مناقشة توصيات اللجان، وأهم حدث كان في الابقاء على اللائحة الداخلية بروحها الفتحاوية الأصيلة باعتماد تغييرات غير جوهرية، وفي البيان السياسي للمؤتمر الذي أغضب إسرائيل واعتبرته إعلان حرب، إذ أعلن عن ثبات فتح على مبادئها ومواجهة تحديات المرحلة بالتأكيد على ثوابت قضايا مرحلة التحرر الوطني واستمرار النضال لانجاز الحرية والاستقلال وحق الشعب الفلسطيني بالمقاومة بكل السبل الممكنة.
أثناء النقاش، والتحضير لانتخابات الأطر القيادية، أضيف إلى عضوية المؤتمر ما يقارب من 750 عضوا بقرار من رئاسة المؤتمر ولجنة الطعون، أي ما يقارب نصف ألأعضاء الذين بدأ بهم المؤتمر، فشكل ذلك نكسة لكل التوقعات وخريطة التحالفات، خاصة وأن الاصوات ارتفعت مستنكرة هذا التغيير وعزته إلى رغبة في تذويب أي مجموعة ذات رؤية أو موقف في محلول أصبح بلا تركيز، فأثّر ذلك مع طريقة التصويت بالهاتف لأعضاء المؤتمر من غزة على نتائج انتخابات المركزية والثوري.
انتهى المؤتمر السادس بما اعتبره الكثيرون عقابا للجنة المركزية السابقة إذ فاز في الانتخابات 14 عضوا جديدا في مقابل 4 أعضاء سابقين، وتجدد الدم في عروق المجلس الثوري بنسبة تمثيل ممتازة للمرأة والشباب، واستعادة الحركة لوحدتها مما جدد الأمل بعودة فتح للمبادرة والقدرة على حمل أعباء المرحلة.
ورغم ما تبع المؤتمر من تشكيك وغضب بعض من لم يصلوا إلى المواقع التي سعوا إليها،إلّا أن فتح ظلت في موقع القيادة والمسؤولية الأولى، وأقتبس من خطاب الرئيس في المؤتمر مقولته « ليس كل من حضر المؤتمر يستحق، وليس كل من غاب لا يستحق «لأقول بالقياس «ليس كل من فاز يستحق، وليس كل من لم يفز لا يستحق».
وبعد خمس سنوات، وعلى أبواب المؤتمر السابع، يستحق الفتحاويون والفلسطينيون وأنصارهم أن يحاسبوا وأن يطرحوا أسئلة المستقبل، فقد جدد المؤتمر السادس في الأطر القيادية، فهل أسس لتجاوز المعضلات السابقة، وهل تستفيد اللجنة التحضيرية للمؤتمر السابع من دروس المؤتمر السادس؟ لعلي أسهم في الإجابة في المقال اللاحق.