في غزة.. منازل تتحوّل إلى مقابر
غزة 14-7-2014 وفا- محمد أبو فياض
يحتاج المواطنين شهورا أو سنوات لإنجاز بناء منزل في غزة، لكن سرعان ما يتحول هذا البيت إلى مقبرة لساكنيه بعد قصفه من طيران الاحتلال الإسرائيلي وتدميره وتحويله إلى ركام.
في لحظات يتحول البيت إلى قبر بفعل صاروخ من طائرة 'أف 16'، غير أن هذا القبر يكون فوق سطح الأرض ضاما عدة جثامين، لا تحتها وبه جثمان واحد.
ثوان معدودة فقط تفصل بين مسكن كان آمنا مشيدا فوق الأرض ويعج بالحياة والأمل، وبين صاروخ حول هذا المنزل إلى قبر يحتضن أشلاء نسوة وأطفال وشيوخ.
وهذا ما حدث لعائلة البطش في حي التفاح شرق مدينة غزة، حيث قصف المنزل على من فيه وتحوّل إلى ما يشبه القبر، وتناثرت فيه الجثث والأشلاء.
واحتاجت فرق الإسعاف والدفاع المدني وبمعاونة المواطنين لساعات لإخراج الضحايا من تحت الأنقاض، على غرار ما حدث ما عائلات الحلبي وكوارع وحمد وغيرها من العائلات التي أبيدت بأكملها ودفنت تحت ركام منازلها.
وقال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان ومقره جنيف، إن القوات الإسرائيلية مع استمرار هجومها تؤكد تعمدها استهداف المنشآت المدنية، حيث تواصل هدم المنازل وقصفها على رؤوس ساكنيها دون سابق إنذار، وصعدت من استهدافها المدنيين من النساء والأطفال ولم يسلم منها حتى ذوي الاحتياجات الخاصة.
وذكرت المرصد في إحصائية أن الاحتلال دمّر يوم أمس الأحد، 268 منزلاً، 40 منها دمرت بشكل كامل، و228 أخرى دمرت بشكل جزئي، وبذلك ترتفع حصيلة البيوت المهدمة منذ بدأ الهجمة إلى 1512، 216 منها بشكل كلي و1296 بشكل جزئي.
وقررت المادة (25) من لائحة لاهاي المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية، 'حظر مهاجمة أو قصف المدن والقرى والمساكن والمباني غير المحمية' كما نصت المادة 53 من اتفاقية جنيف الرابعة على أنه 'يحظر على دولة الاحتلال أن تدمر أي ممتلكات خاصة إلا إذا كانت العمليات الحربية تقتضي حتما هذا التدمير'. ويعد تدمير واغتصاب الممتلكات على نحو لا تبرره ضرورات حربية، وعلى نطاق كبير، مخالفة جسمية للاتفاقية بموجب المادة 147 منها، وجريمة حرب، بموجب النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (المادة 8(2)(ب)(2).
وقال المستشار القانوني للمرصد إحسان عادل: إن استخدام إسرائيل لسياسية هدم منازل المدنيين وتدميرها، يشكل 'ضربا من ضروب العقوبة الجماعية للفلسطينيين الذين يعيشون في قطاع غزة'، وهو ما يعد انتهاكا للقانون الدولي الإنساني، لا سيما المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة، التي تنص على 'حظر العقوبات الجماعية، وجميع تدابير التهديد وتدابير الاقتصاص من الأشخاص المحميين وممتلكاتهم'.
ويحظى المدنيون والأعيان المدنية بالحماية من الاستهداف المباشر. تعرّف المادة 52 (2) من الملحق الأول الإضافي إلى اتفاقيات جنيف الأهداف العسكرية على أنها: 'تلك التي تسهم مساهمة فعالة في العمل العسكري سواء كان ذلك بطبيعتها أم بموقعها أم بغايتها أم باستخدامها، والتي يحقق تدميرها التام أو الجزئي أو الاستيلاء عليها أو تعطيلها في الظروف السائدة حينذاك ميزة عسكرية أكيدة'.
وقال المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان: لا تبدو هنالك أية ضرورة حربية في معظم الحالات تبرر تدمير المنازل، حيث لم يتم حتى الآن توثيق وقوع أية انفجارات ثانوية تدل على أن تلك المنازل كانت تستخدم لتخزين الأسلحة.
وأشار المركز أن قطاع غزة هو من المناطق الأعلى كثافة سكانية في العالم، لذا فإن من شأن استهداف المنازل أن يؤدي إلى أضرار جانبية تلحق بالأشخاص والممتلكات المجاورة.
وتقود هذه المعطيات المركز إلى الاستنتاج بأن المنازل تتعرض للتدمير كإجراء 'عقابي'، مشيرا إلى أن إسرائيل استأنفت سياسة هدم المنازل كإجراء عقابي في الضفة الغربية. ويبدو أن هنالك مواصلة لعقيدة الضحية، التي يتم بموجبها التسبب عمداً بمعاناة للمدنيين لكي يكون ذلك عامل ردع. وقد تم استخدام هذه العقيدة في حرب لبنان في عام 2006، واستمر استخدامها خلال 'عملية الرصاص المصبوب' في قطاع غزة (2008-2009).
وقال: أدى تدمير المنازل إلى سقوط عدد من الضحايا في صفوف المدنيين. وإن استهداف المدنيين والأعيان المدنية يشكل جريمة حرب، ويحب التحقيق في كافة جرائم الحرب المشتبه في ارتكابها ومحاكمة المسئولين عنها.
تجدر الإشارة إلى أن المادة 52(3) من الملحق الأول الإضافي إلى اتفاقيات جنيف تقول صراحة: 'إذا ثار الشك حول ما إذا كانت عين ما تكرس عادةً لأغراض مدنية مثل مكان العبادة أو منزل أو أي مسكن آخر أو مدرسة، إنما تستخدم في تقديم مساهمة فعالة للعمل العسكري، فإنه يفترض أنها لا تستخدم كذلك.'
وهنا أعاد مركز الميزان لحقوق الإنسان، التأكيد على أن المدنيين الفلسطينيين عموماً والأطفال والنساء والمسنين هم من يدفعون من دمائهم ومن آمالهم ثمن العجز الدولي عن مواجهة الجرائم الإسرائيلية التي يبدو وأنها ستتصاعد، لأن شعور المجرمين بالحصانة يفتح شهية القتل ما ينذر بنتائج إنسانية وخيمة لاستمرار هذا العدوان.