وماذا بعد؟
الحياة الجديدة
شهر كامل من العدوان الحربي الاسرائيلي، على فلسطين شعبا وارضا وقضية وحقوقا وتطلعات، وإن كان العنوان طوال هذا الشهر المعتم هو قطاع غزة حتى الان، شهر كامل من جحيم القصف الاسرائيلي العنيف الذي احال محافظات فلسطين الجنوبية الى شظايا من لحم وحجر، لا بل ان هذه المحافظات باتت اليوم خارج الوصف، وما من لغة بوسعها ان تتحدى هذه الحقيقة لتقول بمجرد الكلمات، ما هو حال قطاع غزة الان على نحو بالغ الوضوح والحقيقة ...!! وحين تصبح الامكنة خارج الوصف، لا يعود هناك من سؤال غير سؤال الحيرة الذي هو بعض من سؤال المصير : وماذا بعد ..؟؟
ليس بوسع اسرائيل اليمين المتطرف وقد استعرضت كامل عدوانيتها وغطرستها، ان تفعل اكثر مما فعلت وتفعل في هذا العدوان الذي بات يتواصل لغاية وحيدة على ما يبدو وهي ابادة المزيد من الناس والبيوت وحتى الملاذات المؤقتة في قطاع غزة ...!! لقد وصلت اسرائيل هذه بقوتها الحربية الى اقصى حدودها، غير انها لم تحصد شيئا سوى ان سمعتها الاخلاقية باتت في الحضيض، والفلسطينيون وقد توحدوا لا يعرفون الاستسلام، ودمهم الذي يراه العدوان ممكنا للسفك الدائم، سيظل حصونهم في الروح والذاكرة والقرار ان لا يذهب هدرا ولا بأي حال من الاحوال.
واذا، وماذا بعد، والسؤال في اللحظة الراهنة للعالم اجمع، ولرعاة العدوان الاسرائيلي اولا، لعلهم يتفحصون هذا العبث الحربي الذي لا يحقق لهم غير المزيد من الكراهية والسقوط الاخلاقي، نعم ان العدوان الاسرائيلي وقد ذهب بقوته الحربية الى اقصى حدودها ليس إلا عبثاً متوحشاً لن يحقق ابدا ايا من اهدافه الاستحواذية غير المشروعة وغير الاخلاقية تماما، بل ان هذا العدوان، اصبح كمثل قاتل متسلسل لا يبحث الا عن ارضاء شهواته المريضة بسفك المزيد من دم الابرياء، ولا يردع قاتلا كهذا غير القانون والقضاء اذا ما اعتلى العدل منصته.
وماذا بعد سؤال ينبغي ان تجيب عليه ايضا، ومن اجل التاريخ ومستقبل هذه المنطقة، التجاذبات والصراعات الاقليمية بتحالفاتها الحزبية العقائدية، التي سمحت للعدوان، ولنقل بقراءات وحسابات خاطئة ان يطول اكثر وان يمتد حتى ليبدو انه لن يتوقف قريبا ..!!
وماذا بعد، سؤال لن يكون فلسطينيا إلا بمقدار ما ينبغي ان نحافظ على استقلالية القرار الوطني الفلسطيني في اطره الشرعية، وان نكرس الوحدة الوطنية في الاطر ذاتها، ولا ينبغي بعد الان ان يراهن احد منا على حضوره القوي بفصيله او ببرنامجه او بسياسته وحتى بتحالفاته، خارج هذه الوحدة، بل لا ينبغي لاحد ان يتوهم بعد كل هذا الدم الطاهر والبريء، خلاصا حقيقيا من الاحتلال وعدوانه بغير الوحدة الوطنية التي تؤمن سلامة وفاعلية الموقف الوطني، الميداني والسياسي وعلى كل صعيد. ولهذه الغاية ولاجل هذا الهدف شكل الرئيس ابو مازن وفد فلسطين الى مباحثات القاهرة من اجل وقف العدوان الاسرائيلي بنقاش المبادرة المصرية والاتفاق بشأنها بعد ان يثريها النقاش بالاضافات الممكنة والضرورية.
بالطبع فإن احتمال ان ترفض اسرائيل المبادرة المصرية هذه المرة وارد لهذا فان وفد فلسطين في القاهرة ليس وفدا فصائليا لأن فلسطين عليها ان تعرف ماذا علينا ان نفعل بعد ذلك وهنا يتضح سؤال ماذا بعد بكونه سؤال المصير.