النقد الذاتي
الحياة الجديدة/ حافظ البرغوثي
قال بعضهم انتصرنا في غزة.. وقال آخر بالعكس دمرنا غزة.. ويقول بعض ثالث بين وبين.. ويقول حزبي لقد كسرنا الجيش الذي لا يقهر وقال رابع في مكتبه قابع ويتحدث بلا مناقش ولا منازع.. ان من الواجب استمرار الحرب حتى النهاية.. ولا نعرف أية نهاية يقصد.. نهاية غزة.. أم نهاية اسرائيل.
عموما تخلو الساحة الفلسطينية تاريخيا من النقد الذاتي، ولهذا فإن أي نقد يعتبر قدحا وأي تجاهل للواقع يعتبر مدحا وأي اعتراف بالسلبيات يعتبر فضحا.
بعد غزو بيروت جاء الراحل ابو عمار الى الكويت وعقد جلسة مقلصة مع كوادر منظمة التحرير وتحدث مطولا عن معركة بيروت وحصارها، فوقفت وسألته : أما آن الأوان لكي نمارس النقد الذاتي وندرس ما حدث ونحقق فيه؟ فحملق برهة وواصل حديثه عن حصار بيروت.. وعدت وسألته السؤال نفسه.. فلم يعره انتباها.. وبعد دقائق كررت السؤال فقال أحد الحضور « يا حافظ ما بدو نقد الآن.. بدو يتحدث عن صمود بيروت والتضحيات».
الآن لا يستطيع احد وضع ما حدث في غزة ومجريات العدوان قيد الفحص والنقد.. فهناك رأيان يتضاربان : الأول يقول انتصرنا و«معملنا» الاحتلال.. والآخر يقول لم تكن المعركة الا معركة حماس وخربت غزة وبين هذين الرأيين ليس هناك متسع للنقد الذاتي.
انها دعوة لممارسة النقد الذاتي حتى نتعلم من أخطائنا ومن صوابنا، فلا ضرورة للنهش والشتم والذم، بل للوصول الى الحقائق حتى نستفيد ونعلم الأجيال أن النقد هو بداية الطريق القويم ديمقراطيا ووطنيا ودينيا، فلا أعظم من الرسول صلى الله عليه وسلم الذي كان يتقبل النقد ويراجع الوحي عندما يسأله عمر بن الخطاب، ولا أكبر من عمر عندما كان يتقبل النقد وهو على المنبر. النقد ليس شتما وذما أيها الاخوة.
عندما فحصنا دفاتر ثورة عام 1936 وما بعدها، وجدنا قادة هم في الحقيقة عملاء.. ووجدنا عملاء هم في الحقيقة ثوار.. وفي الثورات التالية تكرر الأمر حتى تاريخه.. لماذا نحجب الحقائق والبطولات والانكسارات عن شعبنا؟