قليلا من المزاح ..كثيرا من الموت
الحياة الجديدة/ سما حسن
التقيتها في احدى مدارس “الأونروا” التي اصبحت مركزا لايواء اللاجئين والنازحين في غزة، حيث لجأ لها من دمرت بيوتهم فوق رؤوسهم ومن تبقى منهم أحياء، ومن هددت بيوتهم بالهدم، وكذلك الأهالي الذين أنذروا باخلاء بيوتهم تمهيدا لهدمها.
وهكذا وفي أيام قليلة تحول آلاف السكان الآمنين إلى لاجئين مشردين في المدارس وبيوت الأقارب والمعارف وحتى بيوت من لا يعرفون ممن أخذتهم النخوة والشهامة واستضافوهم، ولم تتخل الشوارع والأزقة عن استقبال الكثير منهم الذين لم يجدوا مأوى لهم بسبب أعدادهم الضخمة، وخشية الكثيرين منهم أيضا من اللجوء الى المدارس التي لم يراع الاحتلال أنها تابعة للأونروا كأكبر منظمة اغاثية دولية، وقام بقصف عدة مدارس في جرائم مدبرة وتحت حجج واهية.
كانت تجلس بين النساء البائسات مثلها وتروي لهن قصتها، فجلست بينهن أستمع لها، ولم أصدق ما قالته إلا حين أمنت جاراتها على قولها، وحين أغلظت الأيمان وبطريقة أي امرأة بسيطة بدأت تدعو على أولادها بالهلاك ان كانت تدعي أو تكذب.
قالت: رنّ هاتف بيتنا الأرضي مع منتصف الليل، وكان زوجي وأولادي نياما، فقمت بالرد على الهاتف، فجاءني صوت يتكلم العربية بركاكة وقال لي: أمامك 3 دقائق لاخلاء البيت تمهيدا لقصفه، فقلت له: طيب يا خوي ممكن تخليهم عشر دقائق عشان اصحي ولادي واطلع أغراضنا، فضحك الصوت وقال لها: طيب معك عشر دقائق.
تقول أم محمد كما عرفت نفسها: أيقظت زوجي وأولادي وأخبرتهم بالمصيبة التي تنتظرنا، وبدأت أجمع اغراضنا المهمة، وخاصة أوراقنا وأنا متفاجئة من هذا القرار، فنحن مسالمون وليس لنا أيّ علاقة بأيّ فصيل سياسي، وكان اولادي يساعدونني في نقل الأغراض ووضعها في بيت الجيران الذين استيقظوا حين أعلمهم زوجي بالخبر، وكانت الطائرة تحوم في المكان، حين رنّ الهاتف ثانية فقمت بالرد فجاءني الصوت نفسه قائلا: ها يا أمّ محمد طلعتي زوجك والأولاد والأغراض، فرددت: بس اعطيني كمان ربع ساعة الله يخلي لك ولادك، بدي اطلع الجاجات والبطات، فضحك الصوت وقال لها: معك ربع ساعة بس على شرط قولي لجاراتك ما يطلعوا من الشبابيك ويبصبصوا ويدعين علينا، خليهن ينضبوا.
تقول أمّ محمد: وقفت على باب البيت وصرخت: جاراتي حبيباتي الله يرضى عليكن ....... انضبن في بيوتكن.
وهكذا أخرجت أمّ محمد دجاجاتها وبطاتها من القن ووضعتهن في قفص وهن رأس مالها، حيث تعتاش من تربيتهن وبيعهن، وحين أصبحت معهن خارج البيت وبعيدا عنه بمسافة كافية، أطلقت الطائرة صاروخا نحو البيت الذي يقع مباشرة على شاطئ بحر خان يونس في منطقة المواصي وحولته إلى كومة من الحجارة.
هل يعبثون بنا أم يدعون الانسانية أم أن ذلك الصوت أدرك سذاجة وطيبة أم محمد، فقرر أن يمازحها ويجاريها على سبيل المزاح وتغيير روتين القتل والتدمير الآلي؟