خزاعة
الحياة الجديدة/ اسامه الفرا
هنا كان مدخل بلدة خزاعة وقوسها الذي يرحب بالمقبلين إليها، ومن قبله كان ينتصب خزان المياه الذي يغذي البلدة، لم يعد منهما ما ينبئك بأنك بت في رحاب قرية خزاعة الجميلة، منازل المواطنين غادرت مكانها، وجلها تحول إلى كومة ركام تطوي في أنقاضها تاريخ وذكريات، حتى المنازل التي بقيت متماسكة لم تسلم من أنياب آلة الحرب، تغلغلت في جسدها كي تبقيها غير صالحة للحياة فيها، الطرق المعبدة هي الأخرى اختفت، من الصعوبة بمكان التمييز بين بقاياها وتلك الشوارع التي شقتها آلة الدمار على أنقاض منازل المواطنين، بنيتها التحتية تشهد عليها بقايا شبكتي الكهرباء والمياه.
لأيام عدة في الحرب المجنونة على غزة تم عزل خزاعة عن باقي محافظة خان يونس، تمترس أهلها فيها لم يغادروها، قصفت خزاعة جواً وبراً، المسافة بين قذيفة وأخرى لم تكن تسمح بإلتقاط صراخ الأطفال،تغولت آلة الحرب المسعورة لتدمر منازلها على رؤوس قاطنيها، لأيام عدة لم تسمح قوات الإحتلال لسيارات الإسعاف والصليب الأحمر أن تنتشل جثامين الشهداء من الشوارع ومن تحت الأنقاض، بعد ايام سمح للقليل منها بدخول القرية لمسافات قصيرة، لم تكن كافية لتنبىء عن حجم المجزرة والدمار الذي ارتكبه الاحتلال فيها، ولا عن مكونات جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية التي ارتكبتها قوات الاحتلال في خزاعة، جرائمها المتكاملة الأركان، التي لا تحتاج إلى لجان تحقيق دولية كي تقف على حقيقة بشاعتها.
بعد أن تراجعت آلة الحرب الاسرائيلية عن خزاعة تكشفت هول جريمتها، لم تعد خزاعة تلك البلدة الريفية الجميلة التي كانت عليها، كأنها اليوم تتكئ بحزنها على جراحها، على من سقط فيها من الشهداء، على الدمار الذي حل بها، على التاريخ الذي حمله أهل البلدة منذ رحلتهم الأولى من الجزيرة العربية إلى هنا، أهلها الذين جاؤوا إليها من بطن قبيلة خزاعة، تلك القبيلة التي تولت رعاية الحرم لما يزيد على ثلاثة قرون قبل أن ينتقل الأمر إلى قريش.
بعد انسحاب قوات الاحتلال، أراد صديقي الذي خرج مع أسرته منها، من بين القذائف المتساقطة عليها، أن يعود إليها بمفرده تاركاً اسرته في مدرسة الوكالة التي لجأت إليها، على أن يعود لاصطحاب الاسرة بعد الاطمئنان على سلامة المكان، لم يجد صديقي اثراً لمنزله ولا لمنازل جيرانه، عاد ادراجه إلى المدرسة وهو يحاول أن يجد وسيلة يمكن له بها أن يخفف صدمة الأطفال على ما كان لهم.
رغم الجرح الغائر في جسدها، إلا أن خزاعة ستعود كما كانت البلدة الريفية الجميلة الطيبة بأهلها، إلا أن جرحها يستصرخنا بحتمية محاكمة مجرمي الحرب، هذه المرة يجب ألا يفلت المجرم من العقاب.