براءة الطفولة الفلسطينية تحت القصف
يعيش الطفل الفلسطيني طفولة مضطهدة، ينظر إلى الدنيا بكل عفوية وبراءة وأمل، لا يجد من يرسم البسمة على شفتيه، بل تسرق براءة الطفولة من عينيه، يتضور جوعاً لا يجد من يسد رمقه، فلم ينعم بأبسط الحقوق المشروعة التي نصت عليها المواثيق الدولية، فالطفل يولد في أسرة تحف بها المخاطر اليومية لا يمكنه أن ينشأ سوياً كباقي أطفال العالم، الرعب يسيطر عليه، فقدان الأب أو الأم أو الأخ أو هدم البيت، والمدرسة في أي لحظة قد تقصف، فيقسو القلب متناسياً الأحلام الوردية، ليصطدم بالواقع، ويعمل لأجل المساهمة في تأمين لقمة العيش هذه كلمات كلها ذات معنى.
واليوم يعيش الطفل الفلسطيني مرحلة جديدة من العنف الاسرائيلي المبرمج عن طريق توظيف الأسلحة باختلاف أنواعها، ولعل ما يميز الطفل الفلسطيني بصورة عامة، والطفل الغزاوي بصورة خاصة عن غيره، هو أنه يعيش دوماً في معاناة يومية، فمشهد الاستشهاد من الصور اليومية المألوفة لدى الطفل الفلسطيني، دوي المدافع وتطاير أشلاء الجثث قد أصبحت عالقة في ذاكرته، إن الطفل الفلسطيني يتفاعل مع الأحداث التي تجري من حوله ويدونها في داخله، مما يؤدي دوراً أساسياً في صياغة الوعي لديه، وربطه بالحاضر والماضي للتاريخ الفلسطيني من أجل صياغة الذاكرة الفلسطينية، ومن ثم تقبل الأوضاع المحيطة، ولكنه يبقي تحت ضغوط نفسية تقود إلى نتائج مدمرة.
تنص المادة (32) من اتفاقية حقوق الطفل على أن تعترف الدول الأطراف بحق الطفل في حمايته من الاستغلال الاقتصادي، ومن أداء أي عمل يرجح أن يكون خطراً أو يمثل إعاقة، فأين حصة أو حق أطفال فلسطين من هذه الاتفاقيات الدولية التي نص عليها القانون الدولي، والطفل الفلسطيني تنتهك حقوقه يومياً دون رادع لما يحصل له من مجازر بشعة، إن وضع أطفال فلسطين مقلق للغاية، وستكون الخطورة في ذلك للأجيال القادمة، فالعنف الاسرائيلي المتواصل بحق الطفل الفلسطيني، سيفرز نتائج مستقبلية خطيرة على عقل وتصور هؤلاء الأطفال.
أثبتت كثير من الدراسات، أن الطفل يبدأ في مرحلة ما بين 7-10 سنوات بالتركيز في الجانبين الفعل السلبي والإيجابي في معادلة الصراع، حيث يبدأ يردد الاحتلال هو من اعتدى وقتل ودمر وشرد وسجن.
أيعقل أن يغرم المرء في الدول الأوروبية على إيذاء حيوان، ولا يدان من سياسة تقوم على سفك الدماء وقتل الأطفال... ولا نرى في النهاية إلا وعود كاذبة وقضايا ترفع في محكمة لاهاي التي أصبحت محكمة من دون عقاب وما أنصفت حق رضيع حتى الآن....
فالطفل الفلسطيني أصبحت في داخله تحيى فكرة أكبر منه (الموت من أجل الحياة)، فإلى متى ستبقى حقوق هذا الطفل في زاوية التهميش؟ وإلى متى ستبقى احتياجاته موضع أساسي متجاهل؟ فهو يحرم من أكبر حقوقه ألا وهو حقه في الحياة ومواكبة تطلعاته كباقي أطفال العالم، في ظل توفير احتياجاته ومطالبه على الصعيد التعليمي والصحي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي...
في ضوء ما تقدم، أليس ما يجرى حالياً في غزة يضع العالم بأسره أمام سؤال، ما هي الأمور التي يمكن أن يتخيلها أو يحلم بها أطفال فلسطين في تلك اللحظات أمام القتل والدمار؟
إن الطفل الفلسطيني محروم من المتع البريئة التي يتمتع بها أطفال العالم، كعطف الأبوين ودفء الأسرة وصداقات زملاء المدرسة وأناشيد وأغان يرددها الطفل عادة في هذا السن، وزيارات وسفر للأسرة أو المدرسة إلى أماكن التسلية ومدن الألعاب، ليعيش الطفل الفلسطيني في دوامة مستمرة خارج الحياة الإنسانية، بلا حاضر، وبلا مستقبل، ليقف على حافة الموت الذي ينتزع منه كل حق في الوجود.
فما هو المطلوب أمام هذه المجازر الإنسانية؟ الفلسطينيون! المحاصرون في وطنهم؟ أم العرب، وهم النائمون عن حقوقهم ومقدساتهم وهي تسلب أمام عيونهم؟ فالعالم يتمتع ضميره بإجازة طويلة الأمد منحه إياها المهيمنون على العالم.
إن البؤس والظلم والغبن الذي يعانيه الطفل الفلسطيني واستشهاد المئات من الأطفال ما من شك يترك آثاراً وخيمة على الطفل الفلسطيني من ناحية نفسية واجتماعية، فضلاً عن الترويج الذي انتشر ليشمل أولئك الذين شاهدوا تصويراً متكرراً عن طريق التلفزيون أو المعايشة اليومية للواقع لجثث مشوهة، هو من أبشع الأشكال التي تعرضت لها البشرية.
إلى متى سيبقى الطفل الفلسطيني يقول أريد العيش بحرية وكرامة، ينتظر ضمان احترام حقوق أقرتها له المواثيق الدولية منذ زمن طويل، مع أن غيره يعتبر تلك الحقوق "تحصيل حاصل" في دول كثيرة.