بعد صوت القنابل ..رائحة البرود والموت
برفقة عدد من الاصدقاء خرجنا في جولة في رفح احد بقع غزة المنكوبة لنرى ما لم نستطع رؤيته خلال الحرب على شعبنا لم استطع ان امنع العبرات من ان تنساب من عيني مرات عديدة رائحة البارود في كل مكان ورائحة الموت مرافقة لها في كل شارع نمر فيه بيوت العزاء منصوبة وآثار الدمار شاهدة على الاجرام الذي تعرض له شعبنا طوال ثواني ودقائق الحرب التي كانت تمر بطيئة على وقع ضجيج الطائرات وصوت القذائف المتساقطة من الطائرات والمدافع والدبابات والبوارج الحربية .....و أكيد مهما كان الوصف دقيقا لن يعكس جزء من ألم الواقع .
في الشارع الطرقات مقصوفة خطوط الكهرباء والتلفونات على الارض مواسير المياه و المجاري على سطحها وليس في بطنها النوافذ محطمة بيوت اصبحت اثر بعد عين حيوانات ميتة على جنبات الطريق سيارات محطمة وأخرى اثار القصف المباشر ظاهر عليها .
الناس عيون تملئها الدهشة مفتوحة غير مصدقة ما ترى ,جيران اصبحوا في عالم كان جميعهم انتقلوا الى جوار ربهم اقارب وأصدقاء ومعارف غيبتهم نيران الاحتلال ,في بيوت العزاء ذوي الشهداء مذهولين وجوههم يملئها الحزن ,ملابسهم تفوح منها رائحة البارود لمن نجى بعناية من الله من موت محقق بعد قصف منازلهم التي اعتقدوا انها امنة قد تحميهم من اجرام وتغول المحتل الغاصب ولكن ....
المشهد الاكثر بشاعة الذي رايته خلال الحرب عندما اضطررتنا الظروف مرتين للذهاب المستشفيات المتواجدة في مدينة رفح في المرة الاولى لجلب اكفان من اجل تشيع شهداء وبمجرد وصولنا كانت هناك غارة اسرائيلية على احد المدارس والمنازل في المحافظة وتتوافد الاصابات والشهداء بالعشرات على مستشفى الكويتي ولمن لا يعرفه هو مستشفى متواضع مختص في التوليد اجبرت المحافظة على استخدامه بعد اخلاء مستشفى ابو يوسف النجار المتواضع ايضا والذي لا يستطيع التعامل مع الحالات الكبرى .
المشهد كان ابشع مما تحتويه او تصفه الكلمات الجرحى مدرجين بدمائهم في كل مكان على مكتب الاستقبال وفي ممرات المستشفى وحتى على عربات الكارو امام المستشفى وعلى التكاتك يحاول عدد من الممرضين والأطباء المتطوعين انقاذ حياتهم التي تزهق كل لحظة ولكن يموت العديد منهم في ظل نقص الخبرة والإمكانات والأجهزة وقدرة المستشفى عن استيعاب هذه الموقف الحرج ,الاشلاء والشهداء ملقين امام المستشفى .
المشهد الثاني كان في ثلاجة الموتى والتي هي ثلاجة خضار استخدمت لحفظ عورات الموتى من الاطفال والنساء والشيوخ الممددين والمكدسين فيها ينتظرون فرج الله من اجل ان يتم اكرامهم بمواراتهم في الثرى علما بان الدفن كان على مسؤولية اهل المتوفى لأنه ليس من الامن دفنهم فطائرات الاحتلال كالغربان تجوب سماء المحافظة ولا حصانة لميت او حي ,المشهد الثالث كان في مقبرة رفح التي اكتظت بالقبور ولم يعد هناك قبور محفورة لدفن الشهداء المتوافدين فالشهداء ممددين امام ذويهم حتى يتم توفير مدفن لهم وبعض العائلات قامت بدفن اكثر من شهيد في ذات الحفرة الام مع اطفالها والإخوة احتضنوا بعضهم في القبر والجدة مع احفادها ,وفي الاثناء قام متطوع على عاتقه بتمهيد الارض من اجل توفير عدد من القبور للشهداء المتوافدين بكباشه الخاص إلا ان طائرة استطلاع قامت بقصف صاروخ امام الكباش ليتوقف ...
الموقف الاخر اصيبت ابنتي بوعكة صحية الامر الذي جعلني اذهب الى مستشفى الاماراتي وهناك كان الشهداء ممددين الى جوار عربات الاسعاف استعدادا لنقلهم الى ثلاجات الخضار لعدم وجود ثلاجة في المستشفى علما بان مستشفى الاماراتي هو مستشفى توليد ايضا عمل خلال الحرب بكل التخصصات الطبية المعروفة بما تيسر له من امكانات وهناك سمعت من الممرضين القصص عن الاطفال الشهداء والنساء وفظاعة المشاهد التي كانت ترد من اماكن القصف لعل ابشعها كانت الشهداء مجهولين الهوية والتي لم يستطع التعرف عليهم من شدة التهتك والحروق التي اصيبوا بها ومنها مشهد رجل جاء للتعرف على زوجته التي حرق كل جسدها ولم يستطع تبينها إلا من علامة مميزة في جسدها وهو اصبعان متلاصقان في قدمها لم يحرقا خلال القصف .
وفي الشارع تسمع قصص مروعة من الناس والناجين من المجزرة التي وقعت في كل مكان من غزة عن اسر تفرقت خلال الحرب في اماكن مختلفة من القطاع و تجمعت في الشفاء شهداء وعن رب اسرة خرج لجلب طعام لأطفاله فرجع شهيدا وعن مسعف خرج ليسعف جريح فعاد شهيد ............
تريدون ان تروا المحرقة تريدون ان تكتبوا قصص لن تخطر في بال كاتب تراجيديا او حركة تعالوا الى غزة ستجدون في ازقة غزة ومخيماتها بل في كل بيت في غزة قصة تعجز العقول عن تخيلها او تخيل حتى حدوثها ..
ايها العالم الصامت على جريمة الاعتداء على غزة تعالوا شاهدوا نتيجة صمتكم لعل ضمائركم الميتة تصحو ...