نتنياهو على كف الضيف
انتهت المهلة المحددة لوقف اطلاق النار صباح هذا اليوم دون ان ينجح المتفاوضون برعاية مصر حتى الان التوصل الى اتفاق ، على الاقل لتمديد فترة التهدئة لعدة ايام اخرى لكي يكون هناك ما يكفي من الوقت لمحاولة التوصل الى تفاهمات . على ما يبدو ، و من منطلق الضغط فقط، اطلقت عدة صواريخ على غلاف غزة و عسقلان دون ان يكون هناك رد اسرائيلي عنيف كما هددوا سابقا ، على الاقل حتى اللحظة، وذلك لاعتقادهم ان اطلاق هذة الصواريخ هو ليس مؤشر على ان الحرب التي كان مفترضا انها وضعت اوزارها قد تم استئنافها هذا الصباح.
هذا الوضع لن يستمر طويلا، و ستتضح معالمه خلال الساعات القليلة القادمه، و بالتالي اما التوقف عن اطلاق الصواريخ التي تعتبرها اسرائيل حتى اللحظة تحريكية لتحسين مواقف تفاوضية و اما ان تخرج الامور عن نطاق السيطرة و يصبح مستقبل نتنياهو السياسي على كف محمد الضيف و رفاقه الذين سيقررون مستقبله و مستقبل حكومتة و سيضعونه امام خيارات صعبة، اما الذهاب الى بيته في " شارع غزة" الكائن في القدس الغربية او الذهاب الى عمق غزة مع احتمال كبير ان يتوه في شوارعها و يغرق في رمالها .
ما حدث صباح الجمعه بعد انتهاء المهلة المحددة للتهدئة هو ترجمة للصعوبات في مفاوضات القاهرة و التي هي ناتجه عن عدة عوامل منها ما هوى مرئي و ما هو مخفي ، ما هو محلي و ما هو اقليمي ، ما هو منطقي و ما هو خارج سياق المنطق ، و الاهم من ذلك هذة التعقيدات ناتجه عن ان كل طرف يعتقد على انه انتصر في هذة الحرب و ان انتصاره هذا يجب ان يترجم الى انجازات على الارض. المقاومة لا تقبل بأقل من فك الحصار نهائيا بكل ما تعني هذة الكلمة من معنى و اسرائيل تعتبر ان انتصارها يجب ان يترجم بنزع سلاح المقاومة او على الاقل بضمان عدم بناء قوتها مرة اخرى مقابل السماح بأعادة الاعمار.
نتنائج المعركة ( حتى الان ) من وجهة نظر المقاومه
على الرغم ان المعركة لم تنتهي بعد ، على اعتبار ان المفاوضات السياسية التي تجرى او جرت في القاهرة هي جزء من هذة الحرب و ان الانجازات التي تم تحقيقها في الميدان يجب ان يتم ترجمتها على طاولة المفاوضات ، لذلك يجب ان تتمخض اي مفاوضات بما يتناسب مع :
اولا: لم تحقق اسرائيل اي هدف ملموس من الاهداف التي حددتها بشكل علني وهي القضاء على الانفاق الهجوميه و تعزيز قوة الردع و في نفس الوقت القضاء على القدرات الصاروخية للمقاومة التي استمرت في اطلاق الصواريخ وبكثافه حتى اخر دقائق من دخول التهدئة حيز التنفيذ، اما حول الانفاق الهجومية فأنها تسطيع ان تقول ، و اسرائيل لا تستطيع ان تثبت عكس ذلك ، ان مازالت تحتفظ بالكثير الذي لم تدمره او تكتشفه اسرائيل.
ثانيا: المقاومة استطاعت ان تكبد اسرائيل خسائر فادحه في الارواح ، خاصه بعد دخولها البري، و استطاعت ان تنفذ عمليات في العمق الاسرائيلي، و كذلك استطاعت ان تخطف جنود لولا ان القوات الاسرائيلية استطاعت قتلهم على ما يبدو هم و خاطفيهم عملا بالتعليمات و السياسة التي حددها الجيش الاسرائيلي بعدم السماح بوقوع اي جندي في الاسر حتى لو ادى ذلك الى قتله.
المقاومه من الناحية العسكرية و في القتال البري تستطيع ان تفتخر ان عناصرها قاتلوا بشرف و بطوله ، الى الحد الذي لم يسمح للقوات الاسرائيلية ان تتقدم اكثر من ثلاث كيلو مترات في الاراضي الفلسطينية وبغض النظر اذا ما كانت اسرائيل قد خططت ان تتقدم اكثر من ذلك ام لا.
ثالثا: لم تنجح اسرائيل هذه المره في الوصول او اغتيال اي من القيادات السياسية او العسكرية لفصائل المقاومه ، بأستثناء عدد قليل جدا من القيادات الميدانيه ، وهذا دليل على العجز الاسرائيلي و محدودية قدراتها الاستخباراتية . تمخض عن ذلك ايضا ، و بعكس المواجهات السابقة، ان المقاومه لم تفقد القدرة رغم القصف الاسرائيلي العنيف و الوحشي، لم تفقد القدرة على التواصل ما بين بعظهم البعض و قيادة المعركة و اتخاذ القرارات ، و ذلك بفضل شبكة الانفاق الداخلية و كذلك شبكة الاتصالات الارضية التي على ما يبدوا نجحت في ان تكون بعيدة الى حدا كبير عن اعين التكنلوجيا و اذرع الاستخبارات الاسرائيلية.
علامات الانتصار هذة و الثمن الكبير جدا الذي دفعه الشعب الفلسطيني من دمه و لحمه و ممتلكاته ، و هذا الدمار الشامل الذي خلفه الاحتلال، خاصه في بيت حانون و الشجاعية و خزاعة و شرق رفح يجعل من الصعب القبول بأقل من فك الحصار عن غزة بشكل فعلي يكفل حياة كريمه للناس و يعطي لمن تبقى على قيد الحياة امل في المستقبل. ثمن هذا الاداء البطولي للمقاومه من ناحية و الثمن الكبير الذي دفعه الشعب الفلسطيني يجب ان يترجم الى انجازات حقيقة اهمها فتح المعابر و حرية الحركة و ايجاد فرص عمل او فرص امل اضافة الى اعادة الاعمار لما دمره الاحتلال ، و المطالبه بأنشاء ميناء و اعادة اعمار المطار و هذة ليست بالمطالب التعجيزية او غير المنطقية . هذا هو الشيء الطبيعي الذي يجب ان يكون و الامر الغير طبيعي و الغير انساني و الغير منطقي هو ان يستمر اهل غزة في حياة الذل الذي يعيشونه في كل تفاصيل حياتهم.
نتنائج المعركة ( حتى الان) من وجهة النظر الاسرائيلية
بطبيعة الحال القيادة السياسية التي قادت الحرب ، وخاصة نتنياهو و يعلون، وكذلك قيادة اركان الجيش تعتبر ان اسرائيل انتصرت في هذه الحرب حيث حقق الجيش الاهداف التي طلب منه تنفيذها و هي القضاء على شبكة الانفاق الهجومية و ضرب قدرات حماس الصاروخية ، و يعتقدون ان قوة الردع الاسرائيلية قد تعززت، و انهم تصرفوا طوال فترة الحرب بكل حكمة و مسؤلية و لم يتورطوا في قرارت لا تعرف عقباها، و الاهم انهم سيتفاخرون بأنهم استطاعوا تجنيد الرأي العام الدولي لصالح الموقف الاسرائيلي بعكس الحروب السابقة.
المعارضون لهم ، او وجهة النظر الاخرى تقول ان هذا الانتصار وهمي حيث لم تنجح اسرائيل في القضاء على كل الانفاق و ليس هناك دليل او ضمانه على ان الصواريخ لم تطلق على اسرائيل في الاسابيع و الاشهر القادمه و ان الخسائر في صفوف الجيش كانت مرتفعه مما يدلل على انه لم يتم الاستعداد جيدا لهذه المواجهه.
الاهم من ذلك ان الانتقادات لنتنياهو و قيادة الجيش انهم ضيعوا فرصه ذهبية للقضاء على المقاومه في ظل التفهم الدولي للموقف الاسرائيلي.
الثلاثي الاسرائيلي الذي يقود الحرب ، صمد حتى الان امام ضغوطات هائلة من قبل اليمين الاسرائيلي، و لكنه تمتع بثقة ودعم الجمهور الاسرائيلي التي اشارت كل الاستطلاعات على ثقة الجمهور بهم و لاهم من ذلك انه و لاول مرة تكون هناك اغلبية شبه مطلقة في الشارع الاسرائيلي تؤيد هذة الحرب ، لكن بطبيعة الحال هذا التأييد وهذة الثقة غير ثابته و قد تتغير بسرعه اذا ما اتضح ان الانجازات التي يدعي نتنياهو و الجيش انه تم تحقيقها هي عباره عن سراب ، و الواضح انها كذلك ، على الاقل حتى الان.
ماذا بعد؟
اذا ما فشلت اتفاقات القاهرة، وعلى ما يبدوا ان الامور ذهبت بهذا الاتجاه، و استمر اطلاق الصواريخ و القذائف الذي سيستدرج بالضرورة رد اسرائيلي ، وهو بدء فعلا، و بالتالي سيواجه برد من قبل المقاومه بصواريخ ابعد تعيد الوضع الى نقطة الصفر. هذا الامر سيضع قيادة الجيش و نتنياهو امام خيارات صعبة ، و سيضطرون الى اتخاذ قرارات و الاقدام على خطوات تجنبوا اتخاذاها او الاقدام عليها خلال الربعة اسابيع الماضية.
فشل المفاوضات و استئناف الحرب سيقود في بداية الامر الى لجوء اسرائيل الى الاعتماد على القصف الجوي لعدة ايام على امل ان يتم العودة مرة اخرى الى طاولة المفاوضات، و اذا لم يكن ذلك كافيا سيعودوا الى استدعاء قوات اكبر من الاحتياط و من غير المستبعد ان يكون هناك تورط بري كبير يهدف هذة المرة ليس للقضاء على الانفاق الهجومية الحدودية بل اعمق من ذلك بكثير.
الدخول هذة المرة قد لا يكون من الاطراف فقط بل سيقدمون على الدخول من عدة محاور و تقطيع غزة على الاقل الى ستة اجزاء . الهدف هذة المرة سيكون تغيير قواعد اللعبة من جذورها.
يدركون انها لن تكون رحلة ممتعة و ان خسائرهم في الارواح ستكون كبيرة جدا ، قد لا تكون بالعشرات بل بالمئات.