القيادة وإدارة الحرب
الحياة الجديدة / عمر حلمي الغول
مع ان مؤشرات التصعيد بائنة للمراقب، منذ رفض حكومة نتنياهو الافراج عن الدفعة الرابعة من اسرى الحرية، الذين اعتقلوا قبل اوسلو، وهروب إسرائيل من استحقاق خيار الدولتين والتسوية من حيث المبدأ؛ وحتى قبل ذلك، حين انتصرت الثورة الثانية في مصر في الثلاثين من يونيو 2013وبدا التصعيد مخرجا لفرع الاخوان المسلمين في فلسطين للخروج من نفق الازمات العاصفة، ولاحراج مصر العربية والقيادة الشرعية في الوقت نفسه؛ إلا ان القيادات الوطنية بمستوياتها المختلفة لم تتهيأ للسيناريوهات المفترضة، ولم تضع خططا لمواجهة هذا التحدي، ونام الجميع على وسادة الماضي.
لكن الجميع أفاق على واقع جديد، لم يكن في الحسبان، حتى كاد البساط يسحب من تحت أقدام القيادة الشرعية مع اشتعال فتيل حرب « الجرف الصامد» الاسرائيلية الوحشية في السابع من تموز الماضي نتيجة تباطؤ التفاعل المناسب مع المزاج الجماهيري؛ وبفعل تغول آلة الحرب الاسرائيلية في استباحة الدم الفلسطيني؛ ونجاح اذرع المقاومة في تحقيق إنجازات مميزة في التصدي لآلة الحرب الاسرائيلية؛ ولتصاعد وتيرة ومنسوب التضامن العالمي مع ابناء الشعب الفلسطيني عموما وفي محافظات الجنوب خصوصا.
غير ان القيادة مع نهاية الاسبوع الثاني، وفي اعقاب جولة الرئيس محمود عباس في كل من مصر وتركيا وقطر والاردن، تمكنت من استعادة دورها ومكانتها في الساحة، بعد الاجتماع القيادي الموسع، الذي عقد مطلع الايام العشرة الاخيرة من تموز في مقر الرئاسة، الذي دشنه الرئيس ابو مازن بكلمة قصيرة، حاكت مشاعر المواطنين في ارجاء الوطن والشتات، اضف لذلك البيان السياسي الصادرعن الاجتماع، وجاء متناغما مع كلمة الرئيس عباس، ما اراح المواطنين، ونفس حالة السخط والغليان المتعاظمة في الشارع الوطني. تلازم ذلك مع توجهات قيادية جديدة، حيث فتح الباب للمواطنين في محافظات الشمال بالتعبير عن انفسهم، والذي توج بالمسيرة الجماهيرية الضخمة من دوار الامعري وصولا لحاجز قلنديا، ونجم عنها سقوط شهيد واكثر من (200) جريح. وتم تبني المطالب، التي طرحتها اذرع المقاومة في محافظات الجنوب، وهي مطالب قديمة وسابقة على الحرب الحالية، وتتبناها القيادة منذ اختطاف الجندي جلعاد شاليط في العام 2006، ودعت لاجتماع عاجل لمنظمة التحرير، وابقت اجتماعاتها مفتوحة، ثم شكلت وفدا موحدا بمرسوم رئاسي للتفاوض مع وفد حكومة البطش الاسرائيلية لايقاف حرب الابادة.
كما ان الموضوعية تحتم الاقرار بأن القيادة بادرت منذ البداية باستخدام ثقلها مع الاشقاء والاصدقاء والاقطاب الدولية المؤثرة لايقاف الحرب. واسهمت بامكانياتها المتاحة في ادارة الصراع مع حكومة نتنياهو العنصرية بتكثيف الاتصالات على المستويات السياسية والدبلوماسية وايضا من خلال حكومة التوافق الوطني. وتحملت مسؤولياتها دون ان تلتفت للاصوات الرامية للاساءة لها ولدورها. وكان لاتصالاتها المباشرة مع القيادة المصرية، الدور المؤثر في طرح مبادرة الهدنة، التي رفضتها حركة حماس في الثاني عشر من تموز، واعطت إسرائيل ومن يقف خلفها الذرائع لمواصلة حربها القذرة ضد ابناء الشعب في محافظات الجنوب. ومع ذلك، تابعت (القيادة) بحكمة وشجاعة مواصلة دورها حتى تمكنت من توحيد الموقف الوطني، والمعبر عنه بالوفد الفلسطيني المشترك المتواجد في القاهرة منذ اكثر من اسبوع.
تدارك القيادة الشرعية للفجوة بسرعة، رغم حملات التشكيك الاخوانية في اساسها أمكنها من الامساك بزمام الامور قبل فوات الاوان. وقادم الايام سيكشف عن النتائج السياسية الهامة، التي احرزتها من خلال إدارتها الجيدة للصراع.