عش رجبا ترى عجبا
الحياة الجديدة/ محمود ابو الهيجا
كتاب ومثقفون يتحدثون ويكتبون عن المقاومة في غزة وكأنها فعل يحدث لاول مرة في تاريخ الشعب الفلسطيني ونضاله الوطني، بعض هؤلاء ويا للغرابة عاصروا زمن الكفاح المسلح ومعارك الثورة الفلسطينية، البطولية بكل معايير الملحمة والى حد الاسطورة، والذين لم يعاصروا هذا الزمن، كأنهم لم يقرأوا شيئا عن سيرته وايامه المجيدات، ولعلهم كذلك، وهم يجهلون ان الرصاصة الفلسطينية التي انطلقت في العام خمسة وستين من القرن الماضي هي التي جاءت بفكرة المقاومة الى حياة العرب في هذا الزمن المعاصر وليس الى حياة الفلسطينيين فحسب، هي التي سلحت ودربت نواة "حزب الله" مثلا، وهي التي كانت قد حسمت امر الطريق الى الوحدة العربية بأنها طريق تحرير فلسطين وبالثورة الشعبية طويلة الامد وهي التي قالت إن الفلسطينيين هم طليعة الامة في هذه الطريق، وقالت انها طريق تحتمل كل اشكال النضال والمقاومة، وعلى ارضية هذه الرؤية اندلعت الانتفاضة الكبرى في ثمانينيات القرن الماضي.
تاريخ فلسطين ومنذ مائة عام تقريبا هو تاريخ المقاومة، مثلما هو تاريخ الآلام العظيمة، حيث خيام النكبة ولياليها الطويلة، وحيث المعاناة والعذابات من كل لون ونوع، حيث النفي والاقصاء ومطاردات الابادة، ومع الصمود اجترحنا معجزة الارادة الحرة واشعلنا في ليل الهزيمة نيران الثورة والمقاومة، فأسقطنا تلك الخيم بطبيعتها وهويتها المذلة، منذ تلك الايام تغيرنا كثيرا، غيرتنا الثورة منذ لحظتها الاولى واخذتنا الى الحضور البهي بين امم العالم في هذا العصر، لهذا يبدو غريبا ان يقول بعض اولئك الكتاب والمثقفين ان غزة قد غيرتهم الآن دون ان نعرف ماذا اصبحوا بعد هذا التغيير والى اين سيمضون به خارج صفحات "الفيس بوك" وتغريدات "التويتر" المليئة بقاصفات الحروف السمينة وشعاراتها الناسفة ..!!!
كأن هؤلاء الذين "غيرتهم" غزة اليوم (...!!) كانوا في جزر الواق واق، أو لعلهم كانوا في رحلة في الفضاء السحيق، فما كانوا يعرفون شيئا عن تاريخ فلسطين في الكفاح والمقاومة، ولعلهم ما كانوا يعرفون ايضا ان اسرائيل لطالما ارتكبت ابشع المجازر والمذابح بحق الشعب الفلسطيني، من مذبحة الطنطورة الى دير ياسين الى كفر قاسم الى قبية الى صبرا وشاتيلا الى مخيم جنين، هل نسيتم مخيم جنين في نيسان عام الفين واثنين ماذا فعل بجيش الاحتلال وماذا فعل هذا الجيش به ...؟؟ ألم تتغيروا منذ ذلك الوقت على الاقل ...؟؟ وعلى اية حال نرجو ان يكون هذا التغيير لصالح الهوية الوطنية ولصالح وحدتها وسلامة خطابها النضالي برؤيته الواقعية فلا نطعم انفسنا بعد الآن "الجوز الفارغ" ولا نطير العنزات لمجرد ان رغباتنا تريد ذلك ..!!