إنذار بيئي خطير جداً
الحياة الجديدة/ يحيى رباح
ممثل منظمة الصحة العالمية في الشرق الأوسط الذي التقاه الرئيس أبو مازن يوم أمس الأول في رام الله، كان قد زار قطاع غزة، واطلع على صورة الوضع الصحي، وأطلق إنذاراً كبيراً بخصوص الوضع البيئي، بأن قطاع غزة قد يعاني من أمراض خطيرة كان قد تخلص منها منذ زمن بعيد إذا لم تتوقف هذه الحرب، وبالتالي يتلقى القطاع من العالم المساعدات اللازمة على هذا الصعيد.
من خلال أحاديثي عبر الهاتف مع العديد من الأقارب والأصدقاء في قطاع غزة الذي تنشد إليه كل القلوب والعيون والعقول، فإن هؤلاء الأصدقاء وبعضهم في الأطر العليا من المسؤولية مثل الأخ العزيز إبراهيم أبو النجا أمين سر اللجنة القيادية العليا لحركة فتح في القطاع يؤكدون على خطورة الوضع البيئي، وأن هذا الموضوع يجب أن يوضع في أول قائمة الأولويات، لأن الخطر البيئي عادة يكون طويل المدى، وإذا تم تجاهله لصالح أولويات أخرى، أو لضيق ذات اليد وعدم توفر الامكانيات والآلات والمواد اللازمة، فقد يتحول إلى كارثة.
و أذكر أننا بعد النكبة مباشرة حين كانت مخيماتنا في قطاع غزة في حالة بائسة – أكواخا من الطين لسقوف من الأسبست – قد تعرضنا إلى أوضاع بيئية خطرة، فقد انتشر البق والقمل ومرض السل بشكل كبير, ولم تنفع معه المركبات الكيميائية التي كانت سائدة في ذلك الوقت مثل الـ «D.D.T» أو أخضر باريس أو الجاميكسان، ولكن وعي الناس الجمعي والروح التطوعية العالية، هي التي جعلتنا نتغلب على تلك الأوبئة. وقد ذكرني اللواء زكريا بعلوشة الذي تحول بيته في عزبة عبد ربه إلى أنقاض جراء القصف الاسرائيلي قبل أسبوعين – وهذا يكذب ادعاءات جيش الاحتلال بأنهم يدمرون بيوت (قادة الارهاب) أو البيوت التي تستخدم كمخازن للأسلحة - أقول ذكرني اللواء زكريا بعلوشة بالجهد الخارق الذي بذله سكان المخيمات، والوسائل والأساليب التي ابتكروها للخلاص من تلك الآفات والأوبئة، وهو يقترح بدء حملة تطوعية واسعة، واستخدام بعض المواد الأولية مثل الكيورسين وغيرها لمكافحة حجم التعفن الشديد تحت أنقاض البيوت، خاصة في المناطق التي أستهدفت بشكل مركز من قبل عدوان جيش الاحتلال مثل بيت حانون وبيت لاهيا وجباليا والشجاعية وخزاعة وجحر الديك وشرق الزيتون وشرق رفح التي وقع فيها دمار هائل.
وأخبرني القيادي الفتحوي المعروف عبد الكريم أبو عودة المشهور باسم (عبد السلام الأشبال) أن عمل الجرافات في أيام التهدئة الماضية بالكاد وصل إلى فتح طرق للسير على الأقدام في المناطق الأشد قصفاً والأكثر ركاماً، وأن هذا الجهد والأمكانيات يجب أن تتضاعف فنحن في سباق مع الزمن.
في كل هدنة إنسانية سواءً كانت بضع ساعات أو ثلاثة أيام كالتي تنتهي منتصف ليل الأربعاء، فإن الآلاف يسارعون لتفقد بيوتهم وممتلكاتهم، وفي كل مرة يكتشفون أن الكارثة أكبر حجماً، وأن الدمار والخسائر أفدح مما كانوا يظنون! وهذا معناه أن المبالغة في حجم الدمار والتخريب والمبالغة حجم في القتل كان مقصوداً، وكان هو الأمر المركزي الصادر لقوات جيش الاحتلال بكل فروعها البرية والجوية والبحرية، أي أن إسرائيل تريد عن سابق إصرار وتعمد أن يظل قطاع غزة كسيحاً غير قادر على استعادة حياته والانطلاق بها إلى الأمام كجزء عضوي من المشروع الوطني والدولة الفلسطينية المستقلة.
بل إن إسرائيل تريد لقطاع غزة أن يظل مشكلة متفاقمة بحد ذاتها، مشكلة ثقيلة الوطئة، وثقيلة الوزن في انتظار الحرب التدميرية القادمة، وهكذا دواليك ولهذا السبب فإن المفاوضات التي يجريها الوفد الموحد بطريقة غير مباشرة في القاهرة مع الوفد الاسرائيلي بوساطة مصرية واعية جداً، وبمتابعة من كل الأطراف في العالم، هي مفاوضات صعبة جداً إلى حد التعقيد، وهي مفاوضات هدفها الفلسطيني الرئيسي هو كسر هذه المعادلة الاسرائيلية – بإقصاء قطاع غزة وراء السياج خارج الفضاء الفلسطيني – وجعل إسرائيل تسلم بشكل نهائي بأن قطاع غزة هو في قلب القضية وفي قلب الشعب وفي قلب الحل النهائي أي في قلب الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
في هذا الإطار: فإن المفاوضات ستكون صعبة ومضنية، وقد تفلت الأمور إلى موجات سريعة من العنف، ولكن وحدة الوفد الفلسطيني، ووحدة الموقف الفلسطيني، ووحدة الاطار الفلسطيني والبرنامج السياسي الفلسطيني تحت لواء الشرعية الفلسطينية، هي أدواتنا الأولى الأكثر أهمية للانتصار في هذه المفاوضات، وانتصارنا النهائي في الوصول إلى الهدف .
قطاع غزة ومنذ اليوم الأول للنكبة حمل على كاهله طيلة سبعة وستين عاماً وبمساعدة مصرية ثابتة وخارقة، عبء بقاء واستمرار الهوية الوطنية الفلسطينية، وهو اليوم رغم جراحه النازفة إلى حد الكارثة يحمل البشرى للقيامة الفلسطينية من جديد