حدود التفاوض للهدنة
الحياة الجديدة/ عمر حلمي الغول
الهدنتان من 5 إلى 8/8 ومن 11/8 إلى فجر 14/8 الحالي، مجموع ساعاتها 144 ساعة، لم تكن أكثر من استراحة محارب، لأنها لم تعنِ وقف الحرب الاسرائيلية المسعورة على محافظات الجنوب. ولأن بوابة الحرب الجهنمية ما زالت مفتوحة على مصراعيها، إن لم يتمكن الوفدان الفلسطيني والاسرائيلي من التوصل لاتفاق يضمن الحقوق الوطنية، وكون آلة الحرب الاسرائيلية لم توقف قصفها لقطاع غزة، بالامس، رغم سريان الهدنة الثانية، إلا ان الزوارق الاسرائيلية قصفت احد النوادي على ساحل مدينة غزة، كما ان الحرب تدار بوسائل أخرى من خلال الحصار وتعطيل حياة المواطنين، والحؤول دون لملمة أشلاء شهدائهم في المناطق المحاذية للحدود.. إلخ.
المراقب لتطور المفاوضات غير المباشرة بواسطة الشقيقة الكبرى، مصر المحروسة، يلحظ ان حكومة نتنياهو تمارس سياسة المماطلة والتسويف في الرد على المطالب الفلسطينية، والتي جميعها مطالب ذات صبغة انسانية، ولا تخرج عما كفلته اتفاقيات اوسلو بما في ذلك المطار (الذي دمرته طائرات الحرب الاسرائيلية بعد اختطاف جلعاد شاليط عام 2006) والميناء. وتحاول التهرب من الاجابة والرد الواضح على العناوين الـ(15)، وادخال الوسيط المصري في دوامة التفاصيل او وضع العصي في دواليب تحقيق المطالب من خلال اعطاء (اسرائيل) نفسها «حق النقض الفيتو» على ادخال السلع والمواد المتعلقة باعادة اعمار القطاع.
هذه السياسة الاسرائيلية ليست جديدة، ولم تعد مفاجئة للوفد الفلسطيني الموحد، لانها نهج ثابت في آليات عمل القيادات الاسرائيلية تاريخيا. ومن خلالها، تود تحقيق اكثر من هدف، اولا استنزاف طاقة الوفد الفلسطيني؛ ثانيا إحداث تشرذم في مكونات الوفد، من خلال تناغمها مع القوى الساعية لتعطيل دور الشرعية الوطنية والقيادة المصرية الجديدة، والاستفراد بالتفاوض بديلا عن الوفد المشترك. لا سيما ان هناك مصادر حمساوية اشارت عبر صحيفة الرسالة، الناطقة باسم حماس، إلى وجود قناة سرية ثنائية بين حركة حماس واسرائيل؛ ثالثا انتزاع اكبر قدر من التنازلات من الفلسطينيين، في حال لم تنجح في الشرذمة والتمزيق للوفد الموحد؛ رابعا ابقاء اليد الطولى لاسرائيل في فتح نيران حروبها اللاحقة وقتما تشاء؛ خامسا إطالة امد معاناة ابناء الشعب العربي الفلسطيني في محافظات الجنوب. سادسا تسعى حكومة نتنياهو للضغط على القيادة الشرعية والمؤسسات الحقوقية الفلسطينية والعربية مع عدم تعريض القيادات الاسرائيلية، التي ارتكبت جرائم حرب للمساءلة امام المحاكم الاممية خاصة محكمة الجنايات الدولية.
رغم وضوح الاهداف الاسرائيلية، إلا ان الوسيط المصري، يحاول ايجاد صيغ تستجيب للحقوق الفلسطينية، من خلال تمرحل التطبيق الاسرائيلي لتلك المطالب. لكن الوفد الاسرائيلي، الذي يقوم بجولات مكوكية بين قيادته في تل ابيب ومبنى المخابرات المصرية في القاهرة، لم يتقدم نحو المطالب الفلسطينية، وما زالت ردوده سطحية وبعيدة عن تلك الحقوق المشروعة. الامر الذي يفرض على القيادة الشرعية خاصة الرئيس محمود عباس، الذي يشرف مباشرة على المفاوضات من خلال الاخ عزام الاحمد، رئيس الوفد، ان يحدد آلية عمل واضحة لرئيس واعضاء الوفد، منها: اولا التمسك بالمطالب الوطنية بشكل لا لبس فيه، ورفض اي تنازل لاسرائيل؛ ثانيا حماية وحدة الوفد المشترك، والطلب من خالد مشعل الكف عن لعب اي دور يسيء لوحدة الموقف الفلسطيني، واغلاق اية نوافذ اتصال مباشرة مع اسرائيل؛ ثالثا وضع روزنامة زمنية لالزام اسرائيل بالرد على المطالب الفلسطينية باسرع وقت ممكن، ووفق رؤية وطنية للزمن الافتراضي الممكن. وتحميلها المسؤولية امام العالم كله عن عدم الاستجابة للمطالب الفلسطينية، والتلويح بالتوجه لمنابر الامم المتحدة لالزامها بذلك، لان موعد العام الدارسي الجديد قد اقترب، كما ان اقتراب حلول فصل الشتاء يحتم العمل مباشرة لاعادة اعمار ما دمرته الحروب الاسرائيلية الثلاث لايواء المواطنين. رابعا الحرص كل الحرص على المسائل السيادية الفلسطينية، ووضع حد لتدخل اسرائيل فيها.
لا يجوز ان تجر اسرائيل الوفد المفاوض والقيادة الشرعية لمتاهة التفاوض من اجل التفاوض. الظرف والشرط مختلف، والمطالب الفلسطينية تنسجم وروح القانون الدولي واتفاقيات اوسلو، ولا يوجد فيها ما يتناقض وخيار السلام والتسوية السياسية، وعلى الوفد الفلسطيني التنسيق مع الاشقاء المصريين على الزمن الافتراضي للمفاوضات، بعد ذلك يتم غلق الباب على سياسة البلطجة الاسرائيلية.