وحدة وشرعية وقرار مستقل
الحياة الجديدة/ يحيى رباح
حتى منتصف ليل الاثنين يتوجب على الوفد الفلسطيني الموحد ان يوازن بين خيارات صعبة وصيغ متباينة, وان يختار في نهاية المطاف ما هو افضل لمصلحة الشعب الفلسطيني. واعتقد ان الرئيس ابو مازن اوضح بشكل مكثف ما هي الاولويات, وذلك في كلمته التي افتتح بها اجتماع القيادة الفلسطينية مساء السبت, وهو الاجتماع الذي استمعت فيه القيادة الى تقرير مفصل قدمه الاخ عزام الاحمد رئيس الوفد الفلسطيني الموحد في المفاوضات غير المباشرة التي تمت مع الوفد الاسرائيلي بوساطة ورعاية مصرية في القاهرة, فقد اكد الرئيس ابو مازن ان الاولوية هي لوقف العدوان, والاولوية لاستمرار الوساطة المصرية التي وصفها بانها شريك معنا, واننا لن نقبل عن الدور المصري بديلا.
لو دققنا بصدق فيما يجري معنا ومن حولنا طيلة فترة هذا العدوان الغاشم الذي شنته اسرائيل ضد شعبنا ابتداء من الثاني عشر من حزيران الماضي في عموم الضفة والقدس اولا, ثم في قطاع غزة ثانيا, ثم العودة الى الضفة الغربية وخصوصا القدس الان, ثم احتمالات الوضع في قطاع غزة فيما لو فشلت هذه المفاوضات, فسوف نكتشف بوضوح كامل ان هذا العدوان الاسرائيلي هو بمثابة اعتراض بالنيران, اعتراض مبالغ فيه جدا, وبقوة التدمير, وبمساحة صادمة من القتل, ضد مشروعنا الوطني وما حققناه من تقدم على صعيد هذا المشروع ابتداء من قرار الامم المتحدة في نهاية عام 2012 باعتبار فلسطين دولة مراقب في الامم المتحدة على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس الشرقية, ثم نجاحنا في ان تتمحور المفاوضات السابقة مع اسرائيل برعاية اميركية حول الموضوع الجوهري وهو انهاء الاحتلال الاسرائيلي لاراضي دولتنا التي عززتها قرارات الشرعية الدولية !!! كما نجحنا داخليا اولا ثم دوليا في الذهاب الى منصات القضاء الدولي لمحاسبة اسرائيل على كل جرائمها ضد شعبنا, ثم نجاحنا في المصالحة وتشكيل حكومة التوافق الوطني.
اسرائيل شنت هذا العدوان الغاشم وخططت له مستفيدة من غياب الحضور العربي وقصور النظام الدولي, لكي تعيدنا الى نقطة الصفر من جديد, ولكي تحول القضية الى تفاصيل مجتزأة هنا وهناك مثل تلطيف صورة الاحتلال, وتخفيف الحصار, والحديث عن بعض المطالب مثل الميناء والمطار كما لو انها مطالب مستحدثة بينما هي نصوص واضحة ورئيسية في اتفاقات اوسلو وكانت محققة بالفعل على ارض الواقع.
معركة المفاوضات خلال اليومين الاخيرين صعبة للغاية, والمطلوب من وفدنا المفاوض ان يتمترس حول ما هو جوهري وليس حول التفاصيل المجتزأة من سياقها التي تريدها اسرائيل, فما هي هذه المطالب الجوهرية؟
انها تتلخص في تعزيز المصالحة والوحدة الوطنية والتقدم اكثر واكثر في هذا الاتجاه, لكي تصبح الوحدة الوطنية حقيقة راسخة, وان نجعل اسرائيل تذعن لفكرة ان الانقسام الذي صنعته بيديها واستغلته ابشع استغلال لن يعود الى الوجود مرة اخرى, وان وحدتنا الوطنية عمدها شعبنا بدمائه الغالية وصموده الخارق وابدعات مقاومته الباسلة, وان اي شكل من اشكال الرهان على الانقسام واوهامه ومآسيه لن يعود مرة اخرى.
وفي تعزيزنا لوحدتنا الوطنية ندرك ايضا ان شرعيتنا الوطنية هي الركن الثاني من الثالوث الفلسطيني المقدس, فنحن شعب واحد ولدينا مرجعية وطنية واحدة وشرعية وطنية واحدة وان هذه الشرعية التي ثبت للقاصي والداني انها الحريصة والامينة على حقوق شعبنا يجب ان يتضاعف الانضواء الفلسطيني تحت لوائها, وان نسارع في تعزيز وتصليب اطارات هذه الشرعية الفلسطينية مثل اعادة صياغة منظمة التحرير الفلسطينية ومشاركة الجميع فيها وتفعيل قدراتها الى اقصى مدى ممكن.
اما الركن الثالث فهو الحفاظ على قرارنا الوطني الفلسطيني المستقل, وان نخوض معاركنا الحالية والقادمة لنيل استقلالنا الكامل, وليس لتوزيع دماء شعبنا واشلاء اطفالنا على موائد القوى الاقليمية المتصارعة من اجل ان يكون لها دور اي دور تتباهى به ولا يخدمنا بشيء على الاطلاق.
المعركة صعبة جدا, وتزداد صعوبة كلما ادرك الاسرائيليون كما هم الان انه لا امن لهم بقوة السلاح الفتاك الذي يستخدمونه دون اي جدار اخلاقي على الاطلاق وانما الامن والسلام له معنى واحد وهو حقوقنا الفلسطينية وحقوقنا تعني دولتنا المستقلة في حدود الرابع من حزيران عام 1967 والقدس الشرقية عاصمة لها, وقد ثبت لاسرائيل وللعالم ان الاجراءات احادية الجانب مثل الانسحاب الاحادي من قطاع غزة 2005 قد سببت الويلات وان ما تفكر به اسرائيل الآن من احتمال وقف اطلاق النار من جانب واحد دون اتفاق مع الشرعية الفلسطينية سيكون كارثة, وان الرهان الاسرائيلي على امكانية اعادة الانقسام الفلسطيني من خلال بعض التلويحات هو الفشل بعينه.
ضمن هذه الرؤية, وبالحفاظ على دور الوسيط المصري دون منغصات ولا منغصين, يمكن الوصول الى تهدئة مستقرة تفتح الطريق امام انهاء الاحتلال.